غضب بعض أصدقائى السلفيين على «تويتر» من وصف طالبان. الغضب كان بداية حوار حول الدور الذى يلعبه السلفيون فى المرحلة الانتقالية. لم يكن الخلاف حول وجود عقلية طالبان بين التيارات السلفية.. ولكن على أنها تيارات تصعد على السطح لتُستخدم فزاعة للمجتمع.. سألنى أحد أصدقا ء «تويتر»: ألم تلاحظ أن الشيخ محمود عامر ضيف برامج ومحطات بعينها تريد أن تقول: هذا هو الفزع القادم. ورغم أننى لا أتابع الشيخ عامر فإننى رأيت شيوخا غيره مهمتهم إما إثارة الفزع بفتاوى تحرم الديمقراطية وتُكفر المختلف سياسيا.. وإما تبث فتاوى النفاق للمجلس العسكرى. الأصدقاء يرون أن هؤلاء ليسوا السلفيين، وقلت لهم لماذا تتركونهم دون نقد يكشف الاختلافات والتباينات. السلفيون قبل الثورة لم تكن كتلة مسيسة.. لكنها بعد الثورة دخلت مرحلة التسييس.. وهى مرحلة تطرح الأسئلة على تيارات تعودت على أن لديها الإجابات المطلقة. يتصور الجمهور البعيد أن السفيين هم أتباع ما يعرف اجتماعيا ودينيا بالسلف الصالح. وهذا ما يبدو أنه سر جاذبية الجماعات السلفية وسط قطاعات من المجتمع مطرودة من الحداثة، أو قطاعات أخرى تمردت على الشكل الذى نفذت به جمهورية الجنرالات الحداثة. الرجوع إلى السلف حلم مثالى لمن يبحث عن خصوصية ويتحرر من ثقل الحاضر باختيار الماضى.. اختيار فردى ينزع إلى مثالية لكنه يواجه المأزق عندما يدخل مجال السياسة. الأصدقاء اتفقوا معى على أننا جميعا نتعلم السياسة بعد الثورة، وهو وعى جديد على السلفية التى لم تلعب سياسة، لكنها اقتربت من الحكم مرة بالسير فى رعاية الحاكم، كما حدث أيام مبارك، أو سعت إلى الحكم وإلغاء السياسة كما حدث عندما حكمت الوهابية السعودية بتحالف مع آل سعود، أو عندما خطفت طالبان الدولة فى أفغانستان وأدخلتها فى دوامة حرب لم تنته بعد. هذه السلفية اختارت أن تلغى السياسة قبل أن تجيب عن أسئلتنا.. اختارت تكفير المجتمع وهجرته.. وتصورت أنها ستغير المجتمع وتعيد تشكيله ليوافق الكتالوج المتخيل لحياة السلف، وهو كتالوج يصممه كل أمير وتنظيمه، ويسارع من أجل أن يكون الوحيد والمطلق، ويصف الآخرين بأنهم خارجون عن الملة وكفار ومشركون. السلفية بعد الثورة فى مواجهة الأسئلة الصعبة وفى مدار حروب قديمة فى الإقليم بين الوهابية، ومحاولات المفكرين المصريين تذويب المسافات بين الإسلام والحداثة. محاولات أزعجت أمراء الوهابية واعتبرتها خطرا على سلطة العائلة السعودية، وخاضت حربا عنيفة بالمال والإعلام من أجل حصار ما عرف بالإسلام المصرى. السعودية انزعجت من تصدير الثورة فى مصر، فقررت إعادة تصدير الوهابية من جديد، وبدلا من احترام الحرية الشخصية التى كانت ميثاقا غير معلن فى ميدان التحرير.. عادت نغمات التكفير ورفض الاختلاف فى الاختيارات الشخصية. لم يكن وجود السلفى فى قلب ميدان التحرير فى ظل احترام للاختلاف وقانون متفق عليه بأنه للسجون إقصاء الآخر. الثورة حررت المجال العام للجميع. والسلفيون فى الميدان شاركوا بفاعلية فى تحرير المجال العام، الذى تحاول جماعات ونجوم تنتمى إلى الكتلة السلفية العريضة إغلاقه من جديد، بتحويل السياسة إلى مجال فتاوى ولمعان نجوم تحرم الحياة الحديثة، كأنها تريد تحويل السلفية إلى فزاعة يهرول منها المجتمع إلى أحضان العسكر من جديد. لا يمكن إقصاء السلفيين ولا الاستسلام لحالتهم الرافضة الديمقراطية، أو محاولتهم الاعتداء على المجال العام بالتحريم والتكفير.. الثورة تدفع إلى تمايز جديد على السلفيين.. وتكشف بعد زوال نظام مبارك إمكانيات التسييس ودخولهم مجالا عاما يحترم الاختلاف والتعدد. وهذا سر الدهشة من إعلانات حزب النور الذى ألغى فيها المرأة، مرة عندما وضع بدلا من المرشحة وردة، ومرة حين وضع صورة زوجها ووصفها بأنها حرم الأستاذ فلان. كيف يمكن أن تلغى شخصية مَن سينوب عن المجتمع؟ الديمقراطية تحترم أولا وقبل كل شىء الاختيارات الشخصية، لكن تصدير تصورات متطرفة تضع التصورات الريفية القديمة كأنها تصورات إسلامية؟ إلغاء صورة واسم المرأة عادات قديمة ارتبطت بإلغاء حقوق للمرأة من بينها حق الوراثة.. وتاريخ الإسلام ملىء بشخصيات نسائية شهيرة لم يحذف اسمهن إلا فى كتالوج التطرف الوهابى. كيف أختار شخصا لا أرى وجهه ولا أعرف اسمه؟ لا أحد يجبر الحزب ولا عضويته على الخروج على الحياة العامة ولا على تغيير شكل حياتهم.. لكن لا بد من احترام قانون لعبة أنت اخترت أن تلعبها.. وأنت حر لكن لا تقترب من حريتى.. هذه أصول ديمقراطية.. من المدهش التغافل عنها أو التحايل عليها، كمن يقرر أن يلعب كرة قدم باختياره، وبعد أول ضربة قدم يخطف الكرة ويخبئها لأنه حرام أن نضرب شيئا مستديرا. المهم أنه بعد الحوار مع الأصدقاء السلفيين انتهى الغضب واستمر الاحترام المتبادل.