أهم ما يميز تلك المرحلة، من تاريخ مصر، بعد ثورة يناير، هو الخوف... الكل خائف، قلق، متوتر... ومترقّب.. الأحزاب خائفة من أن تنزاح عن الساحة، وتفقد المكانة، التى طالما صنعتها لنفسها، دون أن يشاركها الشعب صنعها، والسلفيون خائفون من أن تمضى هذه المرحلة، دون أن يضعوا أقدامهم على عتبة السلطة، فتضيع منهم الفرصة إلى الأبد، والشعب خائف من البلطجية، ومن ضَعف الأمن، ومن أن يحكمه نظام أكثر ديكتاتورية مما كان... والشباب خائف مممن أسماهم بالفلول، ومن سيطرتهم مرة أخرى على الحياة السياسية، والأمن خائف من نظرة الناس إليه، وتحفّزهم ضد كل ما يفعله، حتى ولو كان قانونيا، ومن مخزون الذاكرة السلبى ضده، ويخاف حتى أن يدافع عن نفسه، ضد الاعتداءات، فيحاكَم كما يحاكَم زملاء له، دافعوا عن أقسامهم، فضموهم إلى قتلة الثوار، ورجل الشارع البسيط خائف من انهيار اقتصادى، يزيد فقره فقرا، و... و... باختصار، وبعد ما يقرب من عام، لم يعد هناك انفعال فى الشارع المصرى، يفوق الخوف... والانتخابات تقترب، وبسرعة تفوق كل التوقعات، والكل يشعر أنه ليس مستعدا لها بعد، على الرغم من مرور كل هذه الأشهر، وهناك فئة خائفة من أن تتحول الانتخابات إلى مجزرة، مع صراعات القوى على الساحة، التى لم يشهد المجتمع المصرى مثلها قط، فى حين يخاف البعض الآخر من أن تمضى الانتخابات فى سلام، فيتم الإحلال القانونى والشرعى للسلطة، ويمحو أى احتمال ولو شديد الضآلة، لعودة النظام السابق... كلنا خائفون من الغد، لأنه مجهول فى علم الغيب، والنفس البشرية تخشى كل مجهول، وتخاف كل ما لم تختبره من قبل، ولا شك فى أن ما نمر به هذه الأيام، لم نختبره من قبل قط، طوال العقود الستة الماضية، وربما لهذا تحاول كل فئة مقاومة خوفها، عبر سلسلة من المطالب، التى قد تزيل عنها بعض الخوف، ولكنها، وفى الوقت ذاته، تضاعفه فى نفوس البعض الآخر، الذى يسارع إلى عرض مطالب أخرى متعارضة، ويتواصل الصراع، بالخوف، من أجل درء الخوف... البعض يسعى لمواد فوق دستورية، تضمن مدنية الدولة، التى نادت بها الثورة مع اندلاعها، وتضمن الحرية، والديمقراطية، وعدم خضوع المواطن العادى لأهواء شخصية، أو فتوى فردية، والبعض الآخر ينادى برفض الفكرة، ووضع دستور دينى بحت، تحت اسم الدولة الإسلامية، أو الدولة الدينية، ويصر على أن هذا هو السبيل الوحيد لحكم البلاد، والمواطن العادى البسيط خائف، من هذا وذاك، لأنه ليس بالثقافة الكافية، ليعرف الفارق السياسى، بين هذا وذاك، ولا ما الذى يمكن أن يؤدى إليه كلاهما... وللحديث بقية.