التنقيب فى تاريخ المهندس صلاح هاشم، هو بالأحرى تصفح لماضى الجماعة الإسلامية. الرجل الذى أسس الجماعة الأشهر، فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، ظل بعيدا عن الأضواء سنوات طويلة، قبل أن يعاود الظهور مجددا، بصفته عضوا فى مجلس شوراها، الذى تم انتخابه بعد الثورة، وبعدها تُسنَد إليه مهمة لجنة المشروعات والجمعيات الأهلية والخيرية فى الجماعة، التى تتحسس خُطاها الأولى فى عالم السياسة والعمل المدنى المفتوح. هاشم رفض مؤخرا الترشح فى الانتخابات البرلمانية على الرغم من طلب أعضاء مجلس شورى الجماعة منه أن يترشح أكثر من مرة ويكون على رأس القائمة بسوهاج، إلا أنه يرى أن الانتخابات ينبع منها كثير من المشكلات والخلافات، وليس لديه الرغبة فى الدخول فى صراعات مع أحد خصوصا أن الموقف فى الفترة القادمة سيكون فى منتهى الحرج مع كثرة التحالفات وأيضا التيارات المستقلة الذين بدورهم سوف يستخدمون الأساليب المشروعة وغير المشروعة ونشر الشائعات بين الأطراف مما يؤجج الموقف سواء بين التيار الإسلامى-الإسلامى أو التيار الإسلامى-الليبرالى، بهدف السيطرة على الموقف، وقد يحدث نتيجة ذلك بعض الاحتكاكات. هاشم يرى أن تأخير الانتخابات أمر سيئ، وإجراءها فى هذه الأجواء يمثل أمرا سيئا، لكنه أخف الضررين، لذا يطالب المجلس العسكرى والأجهزة الأمنية أن يسعى للسيطرة الكاملة على الموقف قبل إجراء الانتخابات ولا يترك الشعب يقوم بهذه المهمة فالشرطة والجيش فى اعتقاد هاشم هما الأفضل للقيام بهذه المهمة، حيث إنه بين الأفراد تختلف الرؤى وتتباين وكل مجموعة تسير وفق رغباتها، فمجموعة تتبع شخصا قد ترى عكس ما تراه مجموعة شخص آخر، وفى النهاية يحدث الاحتكاك، وقد يؤدى ذلك إلى مفسدة. قصة تأسيس صلاح هاشم الجماعة الإسلامية، بدأت حين التحق بجامعة أسيوط فى عام 1972، فكان يجذبه الدرس الدينى الأسبوعى، الذى كان يقام فى صالة الجمانيزيوم فى الجامعة، وتتم استضافة بعض الدعاة من ذوى النزعة الصوفية فيه. عن تلك الفترة يقول هاشم «بدأت العمل فى الجماعة الدينية، وكان معى الدكتور حسين عبد العال، وكان طالبا فى كلية الصيدلة، والدكتور عبد المتعال عبد الواحد، الذى كان ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وخرج من السجن فى عام 1971، حيث بدأنا فى استضافة بعض دعاة أهل السنة والجماعة، أمثال الشيخ مصطفى درويش، إضافة إلى بعض دعاة الإخوان، قبل أن تنضم إلينا أسماء أخرى، كان من بينها الشيخ أسامة حافظ والشيخ كرم زهدى (رئيس مجلس شورى الجماعة السابق) والدكتور ناجح إبراهيم (منظِّر الجماعة ومهندس مبادرات وقف العنف)، فأقمنا ندوات شبه أسبوعية داخل كل مبنى فى المدينة الجامعية، علاوة على المعسكر الدينى، حتى عام 1975». فى عام 1975 تحديدا كان اسم «الجماعة الإسلامية» منتشرا على نطاق واسع فى الهند، فكان تفكير أعضاء الجماعة الدينية فى تغيير اسمها إلى ذلك الاسم، الذى ظلت تحمله حتى يومنا هذا، كما تم اختيار هاشم مسؤولا عنها «كعملية تنظيمية فقط، لا شرعية» على حد قوله ل«التحرير». رموز الإخوان الحاليون والسابقون أيضا، مثل عصام العريان وحلمى الجزار وإبراهيم الزعفرانى وأبو العلا ماضى، جميعهم انضووا، تحت لواء الجماعة الإسلامية، ولكن فى القاهرة. هذا الأمر استمر حتى عام 1978، حين تحولوا إلى جماعة الإخوان. فى ذلك التاريخ، كان الشيخ صلاح هاشم أتم دراسته الجامعية، فكان لزاما على أعضاء الجماعة الإسلامية اختيار خليفة له، فتولى أسامة السيد عبد الحميد، المهمة، إثر اعتذار أسماء رنانة فى تاريخ الجماعة، مثل حمدى عبد الرحمن، وكرم زهدى، وناجح إبراهيم، ومحمد شوقى الإسلامبولى، ورفاعى طه، وعلى الشريف، الذين رفضوا تولى المسؤولية من باب الأمانة والحرص عليها. لكن تهاون أسامة عبد الحميد فى مواجهة الشيوعيين فى جامعة أسيوط، وعدم رده على إساءاتهم إلى الذات الآلهية، كان سببا كافيا، بحسب هاشم، لطلب عزله، من قبل «الإخوة» فى الجماعة الإسلامية، ولم يكن أتم شهرين فى ذلك المنصب. وعليه تم اختيار الدكتور ناجح إبراهيم لقيادة الجماعة، بناءً على ترشيح من الشيخ أسامة حافظ، لتنتقل الجماعة على يديه إلى مرحلة جديدة فى تاريخها، بعدما خرجت من نطاق الجامعة إلى المدن والقرى، التى كان ناجح إبراهيم يجوبها فى فترات الإجازة، من أجل الدعوة إلى الله تعالى. إذا كانت الجماعة الإسلامية نشأت حركةً دعوية، فلماذا لجأت إلى استخدام العنف وقوة السلاح؟ سؤال وجهته «التحرير»، رد عليه هاشم بسرد حوادث العنف الأولى، التى بدأت فى عام 1978، الذى شهد استقبال الرئيس الراحل أنور السادات، لشاه إيران، الذى كان محل غضب عارم من قِبل الجماعة الإسلامية (كغيرها من التيارات آنذاك)، فخرج أعضاؤها فى مظاهرات فى أسيوط، انطلاقا من مسجد ناصر، لتقع احتكاكات، سقط على أثرها عنتر كمال، أول قتيل فى تاريخ الجماعة. بعدها بدأ التضييق على أعضاء الجماعة فى الجامعة، وكانت أول حادثة كبيرة فى هذا الشأن، ما بات يُعرف فى أدبيات الجماعة بحادثة «سور الجامعة»، وتمت مطاردة عدد من أعضائها، وُقبض على الشيخ على الشريف، فى مسقط رأسه، نجع حمادى، بينما كان يقيم معرضا خيريا للأهالى، هناك، فقام الشيخ كرم زهدى، بمساعدة مجموعة من أعضاء الجماعة، بتخليص الشيخ على، من الحجز، قبل ترحيله، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الجماعة، كان الهروب هو سيد الموقف فيها، ثم كان اللقاء الشهير بين كرم زهدى، والشيخ محمد عبد السلام فرج فى القاهرة، فى عام 1981، وكان اتفاقهما الشهير على قتل السادات. «عُرض علىّ الأمر فى ديسمبر 1980، لكنى رفضته».. يشير بها هاشم إلى فكرة قتل الرئيس السادات، مبررا موقفه بأن «القتل ليس من نهج الجماعة»، حتى إنه قال لكل من تحدث إليه فى هذا الشأن من أعضاء الجماعة «نحن نعترض بكلمة، بمظاهرة، لكن أن يصل الأمر إلى القتل، فلا»، قالها صالح نصيحة خالصة لوجه الله، قبل أن يسافر فى الأول من يناير عام 1981 إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك. هاشم لم ينقلب يوما على هذا النهج، رغم كل حوادث العنف التى وقعت، وارتبطت بالجماعة الإسلامية «ظل توجهى كما هو، فى الدعوة إلى الله، وبناء الفرد والمجتمع، من خلال الحلقات العلمية والتربوية، أما الجنوح إلى العنف فلم أشارك فيه، ورفضته منذ البداية». وفى هذا الإطار خلص هاشم، فى التسعينيات من القرن الماضى، إلى أطروحة متوازنة ومبتكَرة، لحلّ المشكلة بين الجماعة والأمن، خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات، قدم منها نسخة إلى السلطات المصرية، وإلى أعضاء الجماعة المحبوسين، وإلى الآخرين الذين كانوا خارج مصر. كما كان له دور مؤثر، فى إقناع بعض الهاربين فى زراعات الصعيد، من أبناء الجماعة، بتسليم أنفسهم، وإلقاء السلاح، كان من بين هؤلاء علاء عبد الرازق، الذى كان يعد لاستهداف أوتوبيس سياحى أمريكى فى أسيوط. موقف هاشم من قضية العنف، ورأيه المناهض لاستخدامه، لم يحمياه طويلا من السجن والاعتقال. فى عام 2000 ورد اسمه فى القضية رقم 2057، بدعوى مساعدته مجموعة علاء عبد الرازق ماليا، قبل إخلاء سبيله، بعد ثبوت عدم تورطه، كما أن خلافه مع أحد مسؤولى ملف الإسلاميين اللواء مصطفى رفعت، على خلفية رفضه الإفصاح عن الإيميلات المتبادلة بينه وبين مصطفى حمزة، بخصوص عودة والدة قاتل السادات خالد الإسلامبولى إلى مصر فى عام 2002، تسبب فى الزج به مرة أخرى إلى المعتقل ثمانية أشهر، قضاها بين مقر أمن الدولة فى مدينة نصر، وسجن أبى زعبل، ثم ملحق المزرعة فى طرة. هاشم يرى أن الجماعة تسير حاليا، فى خطين متوازيين، فهى تعيد بناء نفسها مرة أخرى، مع عدم ترك الساحة السياسية أو التأخر عن الركب العام السائد فى البلاد».