فى الأوقات السعيدة، المقال اليومى نزهة يومية، وفى الأوقات التعيسة، حيرة لا تنتهى. فى السادسة والنصف صباحا تطالعك أخبار عصام على عطا متوفيا فى السجن بشبهة التعذيب، و«بلطجية» أكتوبر، وتصريحات لا تستقيم مع منطق، أصحابها محميون بقوة القانون، وأخرى أصحابها لا يستحقون سوى التجاهل، لأن الضرب فى الميت حرام. وتسترجع مواقف فى الشارع إن دلت فلن تدل سوى على كم التشويه الذى أصاب منطق التفكير العام بعد عقود من التلقين والتعليم الذى يرفع شعار «التكرار يعلم الحمار». ويتحول المقال اليومى من حيرة يومية إلى عذاب، إلى واجب بلا متعة، إلى دواء مر الطعم قليل الفائدة. وإن كنت من عشاق الكتابة، يصير المقال اليومى زواجا بغير من تحب. مطالب أنت فيه بالابتسام على النكت ثقيلة الظل، وبإلباس اليأس حلة الأمل، وتزيين البوصة استعدادا للعرس، وإلا فإنك تثبط الجماهير «المتحمسة»، وتفت فى عزم الأمة «الناهضة» الراغبة فى التحرك إلى الأمام. ساعدونا يا عالم! ساعدونا يا مرشحى الرئاسة. يا قادمون من المجهول وإلى المجهول ستذهبون. يا عرسان بلا عرائس ولا عقد ولا كوشة ولا فرح. تحركوا. قدموا شيئا مقابل تلك المساحات التى تفرد لكلامكم الغث ورؤاكم الأضغاث. سلامة المنطق تقتضى أن تقدموا السبت ليكون لكم أمل فى الأحد، بدل أن تتركونا هكذا بلا أمل فى أحد. راجح العقل منكم قليل الهمة، وصاحب الهمة فيكم قليل العقل. ساعدونا يا أحزاب. يا من عدد مرشحيكم أكثر من عدد ناخبيكم. قدموا لنا شيئا، نستريح به من اللغط على لا شىء. ليشعر واحدنا بأهمية أن يكون «جادا»، وبأن الانتخابات القادمة انتخابات، لا إعادة -بوجوه جديدة- لفيلم فشل قديما. لا يعقل أن تكون وسيلتكم السياسية الوحيدة هى مظاهرة هنا أو هناك كل حين. ويا أحزاب الحشود، تحدثوا إلينا عن مفردات حياتنا اليومية لا عن دواخل مشاعرنا، تحدثوا إلينا عما نفعله فى الشارع، لا عما نفعله داخل جدران صدورنا. تحدثوا إلينا عن الدنيا كأننا نعيش أبدا، ودعوا الحديث عن الآخرة لغيركم، فالأمم تهلك وتنتكس إن عيشها ساستها على مظنة الموت غدا. ساعدونا يا أصحاب السلطة. أى سلطة تلك التى تصُفُّ أمتها خلف حائط على الناصية، متربصة، قلقة من اليوم، وخائفة من غد! أى سلطة تلك التى تبتهج بشق الأمة طوليا وعرضيا، مرة بالدين، ومرة بالمواطنة الشريفة، ومرة بأكواز المصالح المربوطة فى أعناق دواب المنتفعين! ساعدونا فإننا نريد أن نخرج من «جوار» الحائط وأن نسير فى الشوارع كما خلق الله، ممسكين بأيدى أطفالنا. نريد أن نذهب إلى العمل وإلى السينما وإلى الكورنيش، وأن نفكر لهم فى المدرسة، وفى الحرية. هل تفهمون؟ نريد أن نفكر لهم كيف يكونون مواطنين لا عبيدا. لا نريد لأحد أن يساومهم على حريتهم بوظيفتهم وأقواتهم وأمانهم وتعليمهم وفرصهم. لا نريد أحدا يساوم مصالحهم بمصالح أولاده، ويضحى بمصالحهم ليضمن مصالح أولاده. لقد أخذتم فرصتكم لعقود، وليس ما نعيش فيه الآن إلا النتيجة. من حقكم أن تعتقدوا أنها شهادة نجاح بتفوق، وأنكم صنعتم من الفسيخ شرباتا، من حقكم. لن نجادلكم فى هذا. شكر الله سعيكم وجزاكم بما تستحقون وآتاكم بعضا من فضله. لكن يكفى هذا، أعطونا فرصة. كما أنكم تتركون السباكة للسباكين من المواطنين، والخبز للخبازين من المواطنين، والطب للأطباء من المواطنين، كذلك اتركوا السياسة للساسة من المواطنين. كما أننا لا نتدخل فى وضع خطط الكر والفر فى الميدان ونثق بكم ونتحمل هزائمكم ونفرح لانتصاراتكم، كذلك اتركوا لنا وضع خطط حياتنا فى المدينة والقرية، وثقوا بنا، وتحملوا خيباتنا وافرحوا لإنجازاتنا. لا نريد منكم أكثر من هذا. كما أننا نرسل أبناءنا إليكم ونأتمنكم على أرواحهم، ائتمنونا على تعليم أبنائكم وسياسة حياتهم. إن انتكاسة المرض أشد وطأة من المرض نفسه، والعلة بعد ظن الشفاء أكثر مرارة. فساعدونا، لكى لا نصحو فى السادسة والنصف صباحا على طعم المرار فى حلوقنا. كل يوم!