لماذا يتعامل الإخوان وكأنها الفرصة الأخيرة؟ لماذا سيطر عليهم شعور أحمد عز فى انتخابات 2010؟ الحكايات المتداولة عن تفاصيل تحالف الإخوان مع الأحزاب فى التحالف الديمقراطى، تشير إلى وصول حالة أحمد عز إلى ذروتها: رغبة هائجة فى الاحتكار، إلغاء الحلفاء وتحويلهم إلى مجرد أتباع يلتقطون ما تتركه يد الجماعة. لماذا يريدون التحالف مع أحزاب أخرى؟ لأن الجماعة غالبا اختارت الدخول إلى النظام الجديد على جناح مدنى، لكى تصنع فارقا بينها وبين السلفيين. الاختيار الثانى كان اعتماد خطاب أكثر تطرفا من السلفيين وهو ما لم يكن فى استطاعة الجماعة الإقدام عليه بعد سنوات من تقديم نفسها رمزا للإسلام المعتدل. يتعامل الإخوان مع الانتخابات على أنها فرصتهم فى تعويض سنوات القمع الطويلة، وحصادهم بعد أن أُلغيت السياسة ولم يبق أمام القطاعات العريضة إلا الاحتكام إلى قوى عليا كبيرة فى مواجهة الدولة المستبدة، ولم يكن فى غياب مقرات الأحزاب إلا المساجد ليقاوم بها الشعب جبروت الديكتاتور وحراسه. المشكلة هنا ليست أن الإخوان تيار إسلامى، أو يمثلون المرجعية الإسلامية، لأن المرجعية المسيحية موجودة فى أحزاب أوروبية، والدولة الحديثة لم تقم أساسا ضد الدين أو من أجل إلغاء التدين، لكنها قامت لتحرر المواطن من سيطرة من يقدمون أنفسهم على أنهم وكلاء الله.. أو المتحدثين باسم الإسلام. كأنها معركة من أجل نصرة الإسلام لا من أجل نجاح برنامج انتخابى قد يثبت فشله. وهذا هو اللعب على عواطف قطاعات دفعت فاتورة حداثة الدولة ولم تستفد بها، وبدلا من الحلم بتغيير الواقع عاشت هذه القطاعات فى انتظار أن تنال حقها فى الجنة. الثورة قطعت هذا الخط الممتد والمتصاعد من 60 سنة، لتفصل بين تغيير الواقع والوصول إلى الجنة، ولتنير منطقة مظلمة فى الوعى تسيطر عليها فتاوى متضاربة بداية من عدم الخروج على الحاكم إلى تكفير المختلف معى فى الدين أو الرأى أو جارى الذى أتعارك معه على من يدفع نور السلم. الفتوى أصبحت بديلا عن السياسة فى غياب السياسة، والشيخ كان بديلا عن السياسى فى زمن مطاردة السياسيين، والصراع السياسى جهاد ومعركة أخيرة لا مجرد موقعة يكسب فيها تيار أو يخسر.. وهكذا. هل لو خسر الإخوان أو السلفيون سيخسر الإسلام؟ هذا وهم كبير، لأن الإسلام أكبر من تيار سياسى أو فصيل يخوض معركة انتخابية، والدين ليس وسيلة دعاية لمرشح يريد أن يوجه طعنة إلى منافسه فيحتكر الدين لاسمه. هذه ألعاب انتخابية تتكرر كأن الثورة لم تهدم نظام استبداد، وتريد أن تصنع بدلا منه نظاما ديمقراطيا لا يقوم على الإقصاء والإلغاء ويسعى إلى الاحتكار. فى مثل هذه الأوقات من العام الماضى استيقظنا ذات يوم على الأستاذ محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين يتحدث عن «ماء السماء الطهور».. كنا على أعتاب انتخابات 2010، لم أصدق الكلمة فى البداية عندما نُشرت نقلا عن كلمات للأستاذ بديع فى حفل إفطار بطنطا. هل قالها فعلا؟ وهل يريد الإخوان غسل «أوساخ» مصر بماء السماء؟ ولماذا اختصت السماء الأستاذ بديع وصحبته بالماء الطهور؟ وما العناصر المكوِّنة لماء السماء لتكون قادرة على تغيير مصر من حالة «الوسخ» إلى النضافة العمومية على يد المرشد وجماعته؟ وتساءلت: هل لدى الجماعة خبراء فى تنظيف الدول والمجتمعات بماء السماء؟ يبدو أن المرشد كان على راحته فى طنطا، وأفلت لسانه بكلمات كاشفة عن لعبة استغلال السماء فى الصراع السياسى.. ما علاقة السماء بالمعركة الانتخابية؟ ولماذا حصل الإخوان على توكيل الماء الطهور وحدهم؟ وكيف تستمر كذبة أكثر من 80 سنة كاملة؟ لا يحمل الإخوان، ولا غيرهم، توكيلا من السماء للوصول إلى السلطة، وكما قلنا للرئيس مبارك إن الله لا يختار الرؤساء، نقول للإخوان إن ماء السماء ليس من أدوات العمل السياسى، وتصوير الجماعة على أنها جيوش الملائكة التى ستعلم المصريين الفضيلة وتنهى سنوات الضلال، فكرة مستوردة من أيام سلطة الكنيسة، وربما تنطلى على شرائح مسكينة من شعب محروم سياسيا، لكنها فكرة مفضوحة. لا أحد يحمل تفويضا من السماء، ولا صكوك غفران، ولا توكيلات من الله بإدارة بلد أو مجتمع. والأزمات فى مصر ليست نتيجة فساد أخلاقى، ولكن نتيجة فساد سياسى، يضعف النفوس، والإصلاح ليس فى غسل الأوساخ بماء السماء، ولكن بتداول السلطة، ووضع بنية ديمقراطية للعلاقة بين السلطة والمجتمع، وهذه أفعال يقوم بها سياسيون لا مبعوثو عناية إلهية.