نشرت صحيفة «الأهرام» أول من أمس هذا الخبر بالنص: «وافقت إدارة مصلحة السجون على إيداع النزيل مايكل نبيل مستشفى الأمراض العقلية والعصبية بالعباسية عقب إصابته ببعض السحجات نتيجة سقوطه المتكرر على الأرض أثناء عرضه على أطباء المستشفى. ويذكر أن النزيل مايكل نبيل قد تم حبسه بعد نشره عدة موضوعات على أحد المواقع الإلكترونية تسىء للقوات المسلحة». فما حكاية هذا السجين الذى تم إيداعه مستشفى المجانين نتيجة سقوطه المتكرر على الأرض؟! هو مدون مصرى شاب أُلقى القبض عليه فى مارس الماضى، وحكم عليه فى 10 أبريل 2011 بالسجن لمدة ثلاث سنوات من قبل محكمة عسكرية بتهمة إهانة القوات المسلحة، ونشر معلومات كاذبة! فقد نشر مقالا على مدونته الشخصية رصد فيه عددا من الانتهاكات التى قام بها الجيش ضد المتظاهرين بعد قيام الثورة. فهل هناك من نشر معلومات كاذبة أكثر من التليفزيون المصرى؟ وهل كتابة كلمات على النت تعبر عن رأى صاحبها تؤدى به إلى قضاء ثلاث سنوات فى سجن طرة؟ هذه قضية متصلة بحرية الرأى، أكثر منها قضية سب وقذف، فقد اطلعت على ما كتبه هذا الشاب على مدونته، ووجدت أن أكثر ما يقوله يمكن أن نختلف حوله، لكن السؤال هنا: هل من يكتب ما يعتقده، مهما كان معتقده هذا مغايرا للمعتقدات السائدة، يستوجب منا أن نسجنه فى السجن أولا، ثم نحبسه فى مستشفى المجانين ثانيا؟! لا بد أن نفرق بوضوح بين أى شطط فى التفكير، وحق الإنسان فى التعبير عن رأيه، وحتى يتضح لنا بعض من أفكاره الشاذة، سأنقل ما كتبه مايكل فى مدونته عن اتجاهاته الشخصية: «ليبرالى، علمانى، رأسمالى، نسوى، مناصر للغرب، مؤيد لإسرائيل، ملحد، مادى، واقعى، مناصر للعولمة، معادى للختان، مناهض للعسكرية، سلمىّ». وهذه الكلمات الصادمة، وغيرها أيضا يجب أن لا يدفعنا إلى سجنه، ولا إلى حبسه فى مستشفى للأمراض العقلية! لقد أضرب هذا التعس عن الطعام منذ أكثر من شهرين، وتدهورت حالته الصحية، وهو يتغذى فقط على العصائر والألبان التى تقدم له من وقت لآخر تحت إشراف طبى، كما قُدم طعن على الحكم الصادر عليه، وتم قبول الطعن فى 11 أكتوبر الحالى، وبدأت إجراءات إعادة المحاكمة فى 18 أكتوبر فى أثناء جلسة لم يحضرها المدون المحبوس ومحاموه، احتجاجا على محاكمته كمدنى أمام محكمة عسكرية. وقد تفضلت الدكتورة بسمة عبد العزيز، مدير الإعلام والتثقيف بالأمانة العامة للصحة النفسية، بإصدار بيان ترفض فيه إحالة المدون مايكل نبيل إلى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، وقد تبرأت وزارة الصحة من هذا البيان، وأحالت الدكتورة للتحقيق! وقد قالت د.بسمة: «ما دفعنى لإصدار هذا البيان هو الميراث السيئ فى تاريخنا لاستخدام المرض النفسى والعقلى كوسيلة للاغتيال المعنوى لبعض الشخصيات، وهو ما حدث لإسماعيل المهداوى، الكاتب الماركسى والمعارض لنظام عبد الناصر، الذى تم إدخاله مستشفى العباسية لمدة 17 عاما، وكذا الشاعر نجيب سرور، وقد فزعت من احتمالية أن يكون الأمر نفسه يتكرر مع مايكل.. لقد كنت أدافع بهذا البيان عن سمعة الطب النفسى وعن سمعتنا كأطباء».