لن يستغرقك الأمر طويلا، كى تستنتج كيف كانت حياة مينا دانيال، قبل أن تقتله رصاصة تهتكت على إثرها رئته، بعدما أشار بعلامة الصليب حين استشعر الخطر. طوال الطريق إلى بيته فى عزبة النخل، لن تقابل سيارة أجرة واحدة أو حتى مواصلة عامة، بل «التوك توك» وحده يستطيع السير فى الطرقات المغبرة جدا غير الممهدة والضيقة، ثم تواجهك حقيقة أن أموال رصف الشوارع ذهبت لبناء مسجد عملاق، قيد الإنشاء، قبل أن تصل لمنزل فقير، فيه غرفة مينا الصغيرة وعلى الجدران ملاحظات أخته الكبرى مارى التى توجهه لضرورة أن لا ينسى صينية السمك التى أعدتها له. وفى مدخل الشقة الضيقة وقفت نادية فلتس بشارة متشحة بالسواد والصمود. لا ترى أم الشهيد -كما تصف نفسها- جانيا واحدا قضى على «شباب ولدى اللى شافه القلب قبل ما تشوفه العين» على حد تعبيرها «إلا الحكومة بس.. وبقية الشعب مالوش ذنب حتى السلفيون والإخوان، هتشرّقوا هتغرّبوا هى الحكومة» وتضيف: «المسلمين اللى قتلوا الأقباط معذورين من اللى شافوه فى الإعلام الفاسد اللى قال لهم إننا بنقتل الجيش» متسائلة «إزاى نبقى أقلية ونقتل الجيش، أمال الجيش هيحمى البلد والشعب إزاى؟”. أم مينا أوضحت ل«التحرير» أنها لا تثق إطلاقا فى نتيجة التحقيقات فى أحداث ماسبيرو التى انتزعت منها ابنها، «لأنهم هيشقلبوا الحقيقة طبعا» ولذلك فهى تريد استقالة الحكومة من ناحية، وتبدى من ناحية أخرى تسامحا حقيقيا مع كل المسلمين، الذين وصلتها تعازيهم، وتعهد لها شاب سلفى برد حق مينا. «لو عاد بى الزمن لن أمانع فى خروج ابنى الأصغر لتظاهرة الأحد». قالتها، ثم بررتها بأن مينا «خرج عشان بلده وحريته. بس هى الفرقة اللى واجعانى إنما مينا شهيد. والملايكة خدت روحه وأصحابه زفوه من ميدان التحرير فى علم مصر زى ما وصاهم قبل ما يموت. وقعدت أقول له فى المستشفى يوم الاتنين صباحيتك يا عريس». «أنا كنت عارفة إنه نازل المظاهرة مع إخواته مارى وشيرى من الأول.. دا انا كمان كنت قلت لإسحق (ابنها الأكبر) ياخد مراته ويروح.. وقلت له ما تخافش إحنا فى حمى الجيش كما تقول بلهجتها الأسيوطية. لكن جاءت الريح بما لا تشتهى السفن حين انتبهت على صرخة شيرى فى التقرير المصور الذى نقلته «قناة الطريق المسيحية» عن التظاهرة على الهواء مباشرة بينما هى تتابعه فى منزلها فى أسيوط فصرخت بدورها على الفور، وقبل أن يخبرها أحد بحقيقة ما جرى «ولدى مات يا إبراهيم (زوجها) ولدى مات قلبى بيقولى إنه مات». لن تفيدك أم مينا أو توصلك لحل المشكلة القبطية على نحو دقيق، فهى لا ترى حلا إلا «تحطوا إيديكو فى إيدينا ونحرر البلد.. وبعدين الحل كله فى إيده هو» وأشارت إلى السماء.