عندما نسأل: لماذا لا يحاكم مبارك أمام محكمة عسكرية؟ يقولون: لقد ترك الحياة العسكرية عندما تم تعيينه نائبا للرئيس. وعندما نسأل: لماذا إذن تتحدثون عن جنازة عسكرية له؟ يقولون: لأنه أحد القادة العسكريين. طبعا، لا نتوقع تفسيرا لهذا التناقض من المجلس العسكرى، الذى يجد نفسه فى مأزق، بين تقديم رجل اختارهم فى مناصبهم، وعملوا معه لسنوات إلى المحاكمة، وتطبيق القانون خصوصا أن الاتهامات الموجهة إليه تصل إلى تهمة الخيانة العظمى! الجميع يتابع بشغف أحوال مبارك الصحية، كل التفاصيل، البعض ينتظر خبر الرحيل، ولكن هذه المرة ليس على طريقة الشخص الذى يقرأ مانشيتات الجرائد، ويصاب بالاكتئاب، لأنه لم يجد خبر وفاة، لا ينشر فى صفحة الوفيات، وإنما مانشيت فى الصفحة الأولى! المختلف هذه المرة هو رد فعل المصريين، يرفعون أيديهم كل صباح بالدعاء لمبارك ليظل حيا، هم على استعداد للتبرع له بأيام من أعمارهم ليطول عمره، بل يمكن أن يخرجوا ليهتفوا: «يا مبارك خد دواك.. كلنا عايزين شفاك». ليس حبا فيه بالطبع، إنما انتظار لمشهد آخر مختلف لم يعتادوه، أن يروا رئيسهم خلف القضبان. لا يفعل المصريون ذلك تشفيا، هم لا يعرفون الشماتة، لكن هو درس لمن سيأتى بعده، أننا قادرون على محاسبة المخطئ حتى رئيس الجمهورية، وهذا هو الأهم! لكن، سواء أرحل قبل أو بعد المحاكمة، فهو يستحق «جنازة» تليق بعصره، لن تكون جنازة شعبية، مثل عبد المنعم رياض، أو عبد الناصر، أو طه حسين، أو أم كلثوم، أو عبد الحليم حافظ. تصفح صور جنازاتهم يكشف لنا كيف خرجت الجماهير لتبكيهم، وتودعهم، هؤلاء كانوا جزءا من الشعب، بعضهم مات على الجبهة، لم يجبن، عبروا عن الشعب، وتماهوا مع أحلامه، لم يخشوا الجماهير ولم تخشهم الجماهير. أما جنازات عصر مبارك فلم تكن شعبية، حتى من احترمتهم الجماهير حرمهم مبارك من جنازات تليق بهم، هل ننسى أمنية نجيب محفوظ، الذى تمنى أن تقام له جنازة شعبية تخرج من مسجد الحسين؟ لكن قامت أجهزة الأمن بالتحفظ على الجثمان، بل وقام الأمن بتمرير أجهزة الكشف عن المتفجرات على جسد نجيب محفوظ، خشية أن تضع منظمة إرهابية متفجرات تهدد أمن الرئيس، بل إن النعش الذى صلى عليه فى الحسين كان فارغا من جثمان محفوظ، الذى حرم من جنازة تليق به، ومن جموع كتب وعبر عنها طويلا فى أعماله. الأمر ذاته ينطبق على سعاد حسنى التى قتلوها ولم يسمحوا أيضا لأحد أن يسير فى جنازتها. جنازة عسكرية شرف كبير، لكن مبارك لا يستحق هذا الشرف، حتى لو حدثت الوفاة قبل أن يصدر القضاء كلمته بالإدانة أو البراءة. لسنا فى حاجة إلى انتظار المحاكمة، فالشعب الذى احتقره طويلا أصدر حكمه بناء على الأدلة الواضحة. فى أى بيت مصرى، ثمة دليل واضح على جرائم مبارك. الشعب نفسه قرر إذن أنه لا جنازة عسكرية لمجرم، سواء انتظرنا حكم المحكمة أم لا! سننتظر بشغف 3 أغسطس المقبل، ولكن قبل هذا التاريخ إما يرحل مبارك، وإما سيصاب بتدهور صحى يدفع إلى تأجيل المحاكمة، كما يتوقع البعض. وحتى هذا اليوم نتمنى أن يأخذ مبارك دواءه.. فالشعب يريد بالفعل لأول مرة شفاءه! مرة أخرى عن الأمن الوطنى يتحدث مصطفى الفقى كثيرا، وكذلك مكرم محمد أحمد. ولكنهما لم يقولا أى شىء، حتى الآن، يتعلق بالسنوات التى قضياها برفقة الرئيس المخلوع، وإن كان يمكن اعتبارهما «صندوقا أسود» للنظام، على الأقل حتى وقت قريب. الفقى ومكرم مطالبان الآن بأن يقدما شهادتيهما عن هذا العصر. تحديدا أن يجيبا عن السؤال، الذى طرحه الروائى، عبده جبير، فى مقال له هذا الأسبوع، فى جريدة «أخبار الأدب»: هل صحيح أن مبارك أسس عام 1986 تنظيما سريا باسم «جهاز الأمن الوطنى» يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة؟ وهو يختلف عن الجهاز الجديد، الذى أسسه الوزير، منصور العيسوى، وإن كان يحمل اسمه. مهمة جهاز مبارك كانت تجنيد الكتاب والمثقفين، وتصعيدهم للمناصب القيادية فى الإعلام، والأحزاب، وقوى المعارضة، والوزارات المختلفة.. وكان للفقى دور فى ترشيح من يصلح للتجنيد منهم فى كل مؤسسات الدولة، ولا يزال الجهاز يمسك بكثير من الخيوط، فى محاولة إما للانقلاب على الثورة، وإما لتعطيل مسيرتها. أحد ضباط الجهاز حاول تجنيد جبير الذى رفض بالطبع، واتصل بمكرم الذى وعده بالتدخل لدى الفقى حتى يتركوه فى حاله.. أتمنى أن يقول لنا مكرم والفقى الحقيقة كاملة!