على الرغم من أن المعتاد الآن، هو الحديث باسم الثورة، وبحماس المعتصمين، ومحاولة إثبات الوطنية والبطولة، على نحو مبالغ فيه، والإصرار على تسويد الصورة فى عيون كل المصريين، باعتبار أن هذا هو خير دليل على ثوريتك وتأييدك المطلق للثورة ومعتصمى التحرير، فإن لى رأيا يخالف معظم الزملاء الأفاضل، مع احترامى الشديد لكل منهم، ولوجهات نظرهم، ومنظورهم إلى الأمور.. فعلى الرغم من مناداتى الكثيرة والطويلة بحتمية الثورة على النظام السابق، عندما كان فى أوج قوته فى السلطة، ومن فرحتى الغامرة بتحول الحلم إلى حقيقة، فإننى أتساءل الآن: ما الذى يسعى إليه التحرير بالضبط؟!.. أهو حقا تحقيق أهداف الثورة، أم إخضاع الحكومة، وإثبات أن فئة جديدة قد ورثت مصر من النظام السابق، وستحكمه بالقوة ولى الذراع؟!.. لو أن الهدف هو إنقاذ الثورة، كما تعلو الهتافات، فقد أعلن المعتصمون مطالبهم، والمفترض أن ينتظروا تحقيقها، ما دامت الأمور تسير فى هذا الاتجاه، أما أن يضربوا عن الطعام، لكى تتم مشاورات اختيار الوزراء الجدد بكوتة، ومن دون ترو، فهذا سيعنى وزارة غير جيدة، واعتصام جديد بعد شهر أو شهرين، للمطالبة بتغييرها.. ولست أفهم فى الواقع كيف يتم الاختيار بهذه الخطورة، وبأسلوب كهذا، فماذا لو أضرب عشرة آلاف شخص عن الطعام، حتى يتحقق لهم مطلب، يضر ثمانين مليونا؟!.. هل تتم التضحية بشعب كامل، من أجل هؤلاء الآلاف العشرة، أم التضحية بالآلاف العشرة، من أجل شعب كامل؟!... معادلة يستحيل حلها، على نحو يصنع دولة قادرة على الصمود وتجاوز المحنة، لأنها باختصار معادلة بلا حل، وأسلوب لا يناسب الموقف.. والسؤال الأهم هو: هل قام الشباب بالثورة من أجل مصر وشعبها ومستقبلها، أم من أجل أن يعتلوا هم كرسى السلطة، ويستبدلوا جبروت بجبروت؟!.. ولو أنهم يفعلون هذا من أجل الشعب، فلماذا يحاربون الشعب، ويسدون علية الطرقات، ويوقفون الأعمال، ويهددون ويتوعدون كل يوم؟!.. كم من الشعب ربحوا، عندما عطلوا المصالح، وعندما أغلقوا مجمع التحرير، وعندما قطعوا الطرقات، أمام كل ذى حاجة وصاحب مصلحة؟!.. كم من الأصوات سيربحوها، فى الانتخابات القادمة، ما داموا لا يبالون بالشعب نفسه على هذا النحو، وما دام هناك إعلام لم يعد يرى سوى السواد، أو لم يعد يرغب فى رؤية سواه؟!.. حديثى هذا سيغضب الكثيرين، ويستفز العديدين، ولكن الله -سبحانه وتعالى- لم يضع هذا القلم فى يدى، حتى أرضى ميدان التحرير، بل هو أمانة أرضى بها ضميرى، وأرضى بها خالقى (عزّ وجلّ).. وللحديث بقية.