دماء الشهداء التى سالت أمام ماسبيرو أشعلت غضب المسلمين والأقباط فى مختلف المحافظات، كما أسالت دموعهم. المصريون راعتم المشاهد المفجعة لجثث الضحايا وحجم التقاتل بين المتظاهرين وقوات الأمن، مساء الأحد الدامى، مطالبين المجلس العسكرى وحكومة الدكتور عصام شرف بالقصاص من المتسببين فى تلك الفاجعة، وإيجاد حل لحالة الانفلات الأمنى المتواصل، وسد الطريق على تكرار الأزمات الطائفية، بعد أن تحولت إلى طعنة خنجر مسموم فى ظهر مصر. ففى أسوان، حيث انفجرت أزمة كنيسة المريناب فى إدفو لتحرك الغضب القبطى فى كل محافظات مصر قبل أن ينتهى الأمر بمأساة ماسبيرو، بدا أن هناك بوادر لإسدال الستار على الأزمة، حيث كشف رئيس ائتلاف القبائل العربية فى أسوان منصور الشطباوى، عن التوصل إلى اتفاق نهائى خلال ساعات «لحل الأزمة بالطرق الودية، والمعروفة بجلسات العرب»، فيما رفض تحميل مشكلة المريناب مسؤولية ما حدث أمام ماسبيرو، لافتا إلى وجود أطراف وأجندات خارجية، تشعل الموقف الطائفى فى مصر. ورغم هدوء الأوضاع فى قرية المريناب، فإن أحداث ماسبيرو تلقى بظلالها، ومن ثم كثفت الأجهزة الأمنية من تعزيزاتها، ودفعت بتعزيزات إضافية، إلى القرية، بالتعاون مع 400 من أبناء القبائل العربية، التى قررت حماية الأرواح، ومساكن المسيحيين. أما فى الإسكندرية، فقد نظم العشرات من الأقباط والمسلمين وأعضاء اتحاد شباب ماسبيرو مساء أول من أمس، وقفة احتجاجية أمام مكتبة الإسكندرية للتنديد بالأحداث المؤسفة التى شهدتها منطقة ماسبيرو، فيما أدى المشاركون الأقباط الصلوات، إضافة إلى وقوفهم دقيقة حدادا، على أرواح الضحايا والشهداء. مطالب المشاركين فى الوقفة، تركزت على سرعة القبض على كل من اعتدى أو حرّض على الاعتداء على كنيسة المريناب فى أسوان، وإعادة بناء الكنيسة، وإقالة المحافظ، إضافة إلى إجراء تحقيق فورى فى أحداث ماسبيرو. يأتى هذا بينما نظمت مجموعة من الأقباط، عقب نهاية الوقفة الاحتجاجية، مسيرة انطلقت من أمام مكتبة الإسكندرية إلى كنيسة العذراء فى منطقة المنشية. رفض الخروج فى مظاهرات أو مسيرات، واللجوء إلى الصلوات والدعاء والصوم، بحسب توجيهات البابا شنودة وقرارات المجمع المقدس، ذلك كان حال أقباط السويس، منذ وقوع أحداث ماسبيرو، حيث تجمع المئات للصلاة فى كنيسة العذراء مريم فى حى الأربعين، فيما حرص معظم الكهنة فى مختلف كنائس السويس على إقامة الصلوات من أجل أن يعم السلام مصر والمصريين. وكيل مطرانية السويس القمص أنطونيوس ميلاد، يرى أن «مندسين، يقفون وراء أحداث ماسبيرو، لإحداث وقيعة بين الجيش والشعب المصرى»، فيما أكد وكيل وزارة الأوقاف فى المحافظة الدكتور كمال بربرى، أن «أطماعا خارجية، تريد اختراق نسيج الشعب المصرى». من جانبها، طالبت جماعة الإخوان المسلمين فى الدقهلية، قيادات الأزهر الشريف، والكنيسة الأرثوذكسية، بالقيام بدورهم التاريخى فى توحيد الصف وعودة اللُّحمة للنسيج الوطنى الواحد. الجماعة طالبت أيضا، فى بيان لها، المجلس العسكرى والحكومة، بسرعة إجراء التحقيق فى تلك الأحداث، وإعلان النتائج على الشعب بمنتهى الشفافية، وإعلاء سيادة القانون فوق كل اعتبار، وسرعة إجراء الانتخابات وفق جدول زمنى مناسب، للتعجيل بنقل الحكم إلى سلطة مدنية تتحمل المسؤولية بعودة الاستقرار للبلاد، بينما رفضت أى تلميح بالتدخل الأجنبى فى شؤون مصر. فى المقابل، نظمت أمس مجموعات من شباب الثورة المستقلين وحركة شباب «6 أبريل» فى المنصورة، وقفة بالملابس السوداء فى ميدان التحرير أمام مبنى ديوان عام محافظة الدقهلية، تعاطفا مع الضحايا والشهداء من المسيحيين ورجال القوات المسلحة، رافعين لافتات وشعارات مثل «دم مسيحى دم مسلم... لا فرق كلنا مصريين»، و«دى دى مش فتنة.. دى بلطجة»، بينما قال أيمن الدياسطى مسؤول اللجنة الإعلامية لحركة «6 أبريل» فى المنصورة «كلنا مصريون، والحزن يعتصرنا جميعا». فى السياق نفسه، علق حزب الحرية والعدالة فى الفيوم، على أحداث ماسبيرو، بالإشارة إلى أن مشكلات الوطن يجب أن يتم حلها فى إطار التفاهم المشترك، وسيادة أحكام القانون، مع إقرار حق التظاهر السلمى للجماهير، لكنه شرط هذا التظاهر بعدم الاعتداء على الآخرين، وعدم تعريض أمن وسلامة الوطن والمواطنين أو مؤسسات الدولة للخطر، ورفض فى بيان له أول من أمس، أن يتحول الحق فى التظاهر السلمى إلى اشتباكات وإطلاق نار وسقوط قتلى وجرحى على هذا النحو غير المسبوق، داعيا إلى فتح تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الحادثة، وإحالة المتسببين فيه إلى المحاكمة العاجلة. جميع كنائس الفيوم وأديرتها، شهدت، على مدار اليومين الماضيين، حراسات مشددة، خشية وقوع أى أعمال شغب أو عنف، بينما وجّه مدير أمن الفيوم اللواء صلاح العزيزى، بتعزيز الكنائس بسيارات إطفاء وإسعاف، إضافة إلى تشديد الحراسة على جميع الهيئات الحكومية والبنوك والمستشفيات والمدارس. من جانبهم، أعلن كبار قساوسة دير مار جرجس فى العزب بالفيوم، عدم اعتزامهم القيام بمسيرات أو وقفات احتجاجية، حتى لا يستغل أصحاب النفوس الضعيفة الأمر وتشتعل الفتنة مرة أخرى. «بالروح بالدم نفديك يا صليب» شعار ردده نحو 150 من أقباط سوهاج، خلال الوقفة الاحتجاجية، التى نظموها مساء أول من أمس فى ميدان الثقافة، قبل أن يقرروا الاستقرار أمام مطرانية مارى جرجس فى مدينة سوهاج، للتنديد بأحداث ماسبيرو، بينما كانوا يرفعون لافتات «سلمية سلمية»، و«يسقط النظام العسكرى»، و«نعم للوحدة الوطنية». مدير أمن سوهاج اللواء عبد العزيز النحاس، حاول إنهاء الوقفة الاحتجاجية بطرق ودية قبل أن يتدخل راعى المطرانية ليفتح نقاشات مع المتظاهرين، انتهت إلى مغادرتهم المطرانية بعد نحو ثلاث ساعات من تجمعهم أمامها. محافظ بنى سويف المستشار ماهر الظاهر بيبرس قام أمس بجولة ميدانية، فى بعض شوارع مدينة بنى سويف للاطمئنان على الحالة الأمنية، بدأها مترجلا فى منطقة مقبل، فيما تفقد الكنيسة المرقسية هناك، قبل أن ينتقل إلى شارع 23 يوليو حيث الكنيسة الكاثوليكية. وكيل مطرانية بنى سويف الأنبا فرانسيس فريد، من جانبه، علق على أحداث ماسبيرو، بالإشارة إلى أن أصحاب المصالح وفلول الحزب الوطنى، يريدون العودة مرة ثانية، والقضاء على مكتسبات الثورة. بينما قال مدير أمن بنى سويف اللواء عطية مزروع، إن مجموعة من الأقباط، قاموا بالتعبير عن رأيهم، أمام مبنى ديوان عام المحافظة، بطريقة سلمية، دون قطع طرق، وتمت متابعتهم من بعيد «لمنع الاحتكاك بين الطرفين، المسلمين والمسيحيين»، على حد قوله. كما حمّل مجلس ثوار المنيا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المسؤولية الكاملة عن تصاعد الأحداث، فيما اتهم الإعلام الرسمى بممارسة تحريض مباشر وصريح واستعداء مصريين ضد مصريين، قبل أن يشدد المتحدث باسم المجلس مظهر صفوت على استنكار أى محاولة للاستقواء بالخارج، مطالبا بمحاسبة كل من تسول له نفسه بأن يعلى مصلحته الطائفية الضيقة على مصلحة مصر العليا وأمنها القومى. الدعوة السلفية فى أسيوط، من جانبها، أدانت أحداث ماسبيرو والاعتداء على القوات المسلحة والشرطة المصرية والممتلكات العامة والخاصة والمطالبات بالتدخلات الأجنبية، معتبرة فى بيان لها أن مثل هذه الدعوات تعكس تواطؤا بين أطراف داخلية وخارجية تستهدف إدخال مصر إلى حالة الفوضى الخلاقة، فيما حذرت الحكومة المؤقتة من «سلق قانون دور العبادة الموحد»، مطالبة بترك الأمر كله للبرلمان المنتخب. كنيسة السيدة العذراء فى الأقصر، استجابت لطلب المجمع المقدس بالصوم ثلاثة أيام، للتعبير عن غضبهم لسقوط ضحايا ماسبيرو، وقال سكرتير كنائس الأقصر جرجس نصرى، إن نهاية فترة الصوم غدا (الخميس)، وسيختتم بصلاة كبرى على أرواح الشهداء.