بالنسبة لي، كل مظاهرة، وكل اعتصام، وكل إضراب، وكل مظهر معارضة لسياسة ما أو حتى مظهر تأييد تقوم به الثورة يهدف لشيء واحد، ويندرج تحت عنوان واحد: استرداد الحقوق.. ليس في الأمر هواية، ولا في التظاهر في الشمس الحارقة أو النوم في الطرقات شيء مستحب. لا شك أن هؤلاء الشباب تمنوا لو سارت الأمور في خط مستقيم ولما اضطروا إلى الاحتجاج مرة أخرى.. الإعلاميون الذين يدافعون عن الثورة يفعلون ذلك في إطار عملهم، الوزراء والمسؤولون الذين يخدمون أهداف الثورة يؤدون وظيفتهم، لكن معتصمي التحرير هؤلاء هم الوحيدون الذين يقتطعون من وقتهم وجهدهم دون مقابل، من أجل التأكيد على حقوق الشعب، الحقوق الراسخة وليس العطايا والمنح.. كل مظاهرة غرضها واحد: استرداد الحقوق، ولا أحب أن يضيع هذا العنوان من عيني المتظاهر ولا من عيني من يشاهد المظاهرة من بعيد.. لا أحب للكلمات البراقة ذات الرنين -لا الجوهر الثوري- أن تشتت الانتباه.. ليس هناك إنذار أول ولا إنذار أخير إلا حين تنقطع السبل، والسبل لم تنقطع. المطالب متأخرة، والتباطؤ مقيت، لكن يجب أن تظل الثورة على نهجها: إصرار سلمي على الحقوق، وتجنب -بقدر الإمكان- أي تصرف لم تختمر أرضيته، ويجب أن لا تتراجع الثورة عن خطابها البسيط الذي يفهمه رجل الشارع (حتى لو لم يشارك في المظاهرة). الديمقراطية كنهج سياسي ترتكز على الشرح والإقناع، المظاهرات والإضرابات والاعتصامات هي حريات استثنائية تتيحها، لكن ينبغي أن لا تنسينا الركيزة الأساسية: الخطاب العقلاني الذي يشرح، ويحاور، ثم يختار، ليس في ما سبق ليونة، ولا دعوة إلى ليونة لو تفكرنا في الكلمات.. فهذه الوسائل تضمن الإحاطة بكل وجهات النظر والتفكير فيها قبل أن تتخذ قرارك، وبمجرد أن تتخذ قرارك تتخذه بعزم وتصميم، سيساعدك عليهما شعورك براحة الضمير، لأنك بذلت أقصى طاقتك في الوصول لقرارك. بالنسبة لي، كل مظاهرة هي مظاهرة «الأمن والأمان».. الأمن والأمان حقان أساسيان لكل إنسان، لأنهما الوسيلة لحفظ الحق الأول، حق الحياة. والمتظاهرون الذين يخرجون إلى ميدان التحرير يبتغون لكل إنسان على هذه الأرض أن يحظى بالأمن والأمان، كحق، وليس كوسيلة ابتزاز، ولا مقايضة باستمرار الفساد. متظاهرو التحرير ما خرجوا إلا ليقولوا الرأي الحكيم: لا أمن ولا أمان في ظل جهاز شرطة يروع المواطنين.. لا أمن ولا أمان إذا شعر المجرم أنه فوق القانون وأن ثمة من يحميه.. لا أمن ولا أمان إذا كانت الشرطة تستطيع اختطاف المواطن محمد عبد الرؤوف (لم يكذب مسؤول حتى الآن روايته)، وتعذبه لمدة خمسة أيام ثم تلقيه في ميدان رمسيس.. متظاهرو التحرير خرجوا لأنهم، مثلكم، يريدون الأمن والأمان.. وأول نقطة في مصر يريدون فيها الأمن والأمان هي نقطة الشرطة، القسم، الذي وجد ليدافع عن حقك لا لكي ينتهكه، لذلك يطالبون بإصلاح جهاز الشرطة، لا يطالبون بتصفيته ولا بتسريحه، فقط بمحاسبة من أخطأ وإثابة من راعى ضميره، بأن نفتح أمامه الباب إلى مسؤولية أكبر، لكي تقول السلطة للشعب كله: إن وقت السكوت عن الفساد قد ولى. ولأن الأمن والأمان يعني الاستقرار، فإن كل مظاهرة بالنسبة لي هي مظاهرة من أجل «الاستقرار».. هي مظاهرة من أجل أن نرسي الدعائم الحقيقية التي تجعلنا وتجعل العالم يشعر عندنا بالاستقرار، فتنشط السياحة، وتعود الاستثمارات، ويفتح ما أغلق من مصانع ومصالح، ولا ينهار الاقتصاد.. كل مظاهرة في التحرير، بالنسبة لي، هي مظاهرة لدعم الاقتصاد، لأنها تحارب من يعطله.. من يعطل الاقتصاد هو من تباطأ في ملاحقة الفساد والأموال المهربة.. من يعطل الاقتصاد هو من يتباطأ في إصلاح الجهاز المسؤول عن الأمن، ويتركه يمارس نفس الأساليب القديمة ويشق الصف الوطني ويهدم الاستقرار.. مظاهرة التحرير مطالبها نفس مطالبك. سواء شاركت في المظاهرة أو شاهدتها.. لا تجعل لافتة ما تأخذ عينيك بعيدا.. اللافتة واحدة: «استرداد الحقوق حقك وحق