كلنا نعرف العروسة التي تقلبها على ناحية فتقول بابا، وعلى الناحية الأخرى ماما. نفس العروسة موجودة حاليا لكن طبعة 2011، على ناحية ماما وعلى الناحية الأخرى «أمنا الغولة». تلك عروسة أحزاب الغيب، التي لا نعرف بالضبط القيم التي يدعون إليها، فكلها في علم الغيب، متوارية خلف شعارات كبيرة، وحين يأتي الموضوع إلى التفاصيل تنكشف الخدعة. حين أرادت ديزني فتح فرع لها في الرياض، نشرت مواقع سعودية صورة لميني -أو ميمي كما نطلق عليها في مصر- وهي ترتدي النقاب، وتحتفظ بفيونكتها الوردية فوقه، على اعتبار أن خطوة كتلك مستحيلة، إذ لا بد لميني أن ترتدي النقاب لكي يجوز لها أن توجد على الأراضي السعودية. الصورة فعلا غريبة ولافتة للانتباه. لكنها أبعد ما تكون عن أي إساءة للإسلام، هي شكل كاريكاتيري لا أكثر ولا أقل. فلا ميني من مقدسات الإسلام، ولا النقاب لباسا لشخصيات مقدسة في الإسلام. لم يعلق أحد، من رآها ابتسم أو تجاهلها، بعبارة أخرى: عروسة أحزاب الغيب نظرت ناحية الصورة وقالت: «ماما». جميل. حين نشر نجيب ساويرس نفس الصورة نظرت عروسة أحزاب الغيب إليه وصرخت: أمنا الغولة. خمسة عشر محاميا قرروا رفع دعاوى ازدراء أديان ضد رجل الأعمال «المسيحي»، صفحة على الفيس بوك خصصت للهجوم على مؤسس حزب المصريين الأحرار. نقطة جانبية: تزامن هذا مع تلاش لأحزاب الغيب في معركة الدفاع عن حق دماء شهداء الثورة. في بلدنا «سوهاد» مثل شعبي: قال لك علمني الهيافة يابا، قال له تعالى في الفاضية واتشبح. هناك ألف سبب تستطيع أن تهاجم به حزب المصريين الأحرار، أو النهج السياسي لساويرس، لكن الابتزاز يجب أن لا يكون واحدا منها. الابتزاز مناف للأخلاق الحميدة، والأخلاق الحميدة ليست أن تغض البصر بافتعال وأنت تنظر إلى امرأة، بل أن تكون عادلا ونزيها ولا تكيل بمكيالين. أن تقول الحقيقة ولا تدلس على الناس. لو فكر ساويرس كمسيحي لما نشر هذه الصور، لكنه فكر كمواطن يشارك مواطنين آخرين صورة لفتت نظره. وهذا بالضبط ما لا يريده السياسيون الغيبيون. هؤلاء يريدون أن يعزف المسيحيون عن العمل السياسي تماما، وإن شاركوا فليشاركوا ب«نفس مكسورة»، وكأنهم ممسوك عليهم ذلة، أن يشاركوا كأقلية، أن يشاركوا كأهل ذمة.. باختصار، أن لا ينسوا ولو للحظة واحدة، تحت أي ظرف، أنهم مسيحيون. لكن ساويرس كسر هذه القاعدة التي حكمت حياة المصريين السياسية منذ ستين عاما. لقد تجرأ وأنشأ حزبا، وقد يتجرأ غدا ويهاجم سياسييهم المعصومين -كده راس براس يعني، ما هي خربت!- أحبوا أن يظهروا له العين الحمراء من البداية ويقولوا له «إحنا عارفين إيدك اللي بتوجعك»، وطبعا خلفهم جيش الهتيفة من جمهورهم الخشبي الذي حرموه نعمة التفكير. شخصيا، لا يعنيني ساويرس في شيء، ولا أدافع عنه هنا بصفته السياسية. تستطيع أن تقول فيه وفي حزبه -سياسيا- ما شئت، وحين تظهر لحزبه ملامح سأسن عليه أسناني كما سأفعل مع الآخرين تماما، لكنني أدافع عنه بصفته مواطنا من نفس درجة أي مواطن في مصر، بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه، وما حدث مع ساويرس يحدث بشكل آخر، وإن كان بنفس الجوهر، مع الدكتور عمرو حمزاوي، الذي يتعرض لحملة تكفير من نفس المصادر. السبب أيضا معروف، حمزاوي شخص فصيح اللسان واضح البيان تجرأ وروج لقيم سياسية مختلفة عن القيم التي تحتكرها أحزاب الغيب، وتخفيها عنا خلف شعارات واسعة، ولأن عقولهم فقدت القدرة على مناظرة الحجة بالحجة فقد اختاروا الطريق الذي اختاروه دائما مع من يختلف معهم، التكفير أو السعي إلى تشويه السمعة. لكن شيئا تغير في مصر، ويجب أن لا نتراجع عنه أو ننحني أمام الابتزاز. حين يجتمع الغباء والكسل مع احتكار الحقيقة فإن النتيجة تكون كارثة.