بعد ترقب دام لأكثر من 12 عامًا، أخيرًا افتتح متحف ومركز "إبداع نجيب محفوظ"، والذى بدأت فكرته عام 2006، عقب وفاة أديب نوبل، فى المنطقة التى نشأ فيها وترعرع فى كنفها. على مقربة من الجامع الأزهر بينما نلتفت بحثًا عن متحف أديب نوبل، صادفتنا لوحة إرشادية مكتوب عليها "متحف نجيب محفوظ" تشير بسهم مائل إلى الناحية الأخرى من الطريق، قبل أن نضل وجهتنا سألنا أحد الباعة الجائلين فأشار بيده إلى ممر ضيق، تخطينا زحام المارة وسلكنا الممر المنحدر إلى أسفل، عرفنا المكان بالتحديد من وسائل الإعلام المنتشرة أمامه، صعدنا عدة درجات لأعلى، مررنا إلى الداخل عبر بوابة "كشف المعادن"، استقبلنا رجال أمن المتحف بترحاب.. ها نحن فى عالم نجيب محفوظ. تعود أدراج قصة "متحف نجيب محفوظ" إلى عام 2006 بعد وفاته، أى قبل 12 عام من الآن حيث نادى جمع من الكتاب والمعنيين بالثقافة بعمل متحف يخلد ذكرى الأديب العالمى، وهو ما استجاب له وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى وتم إصدار قرار وزارى بتخصيص مبنى "تكية محمد أبو الدهب" الأثرى متحفا لنجيب محفوظ، وبعد تلك الأعوام تعود أدراج قصة "متحف نجيب محفوظ" إلى عام 2006 بعد وفاته، أى قبل 12 عام من الآن حيث نادى جمع من الكتاب والمعنيين بالثقافة بعمل متحف يخلد ذكرى الأديب العالمى، وهو ما استجاب له وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى وتم إصدار قرار وزارى بتخصيص مبنى "تكية محمد أبو الدهب" الأثرى متحفا لنجيب محفوظ، وبعد تلك الأعوام الطويلة خرج أخيرا عالم نجيب محفوظ إلى النور. سألنا على سعر التذكرة، أخبرنا المنظمون أن الدخول مجانا وسيستمر لمدة شهر من الافتتاح، خطوات داخل المتحف ووقفنا فى بهو الدور الأرضى، فى الواجهة صورة كبيرة للأديب العالمى، وعلى اليمين واليسار لوحات زرقاء مدون عليها أقواله واقتباساته، ومن خلال تفقدك للمكان والتدقيق فى تفاصيله، تجد جهدا كبيرا قد بُذل ليخرج لنا بهذا الشكل رغم الصعوبات التى واجهت المشرفين على العمل كونه مبنى أثريا يتبع وزارة الآثار، ويعزز هذا الجهد أول حجرة موجودة فى الدور الأرضى تحمل اسم "السبيل"، لم تطلها يد التطوير وما زالت محافظة على هيئتها الأصلية. دقائق فى المكان واصطحبنا أحد المنظمين فى جولة تفقدية للمتحف، بدأناها بالدور الثانى بقاعتى "أوسمة ونياشين" المتجاورتين، وخصصت قاعة لجائزة نوبل فى منتصفها تُعرض الشهادة الأصلية للجائزة، وتزين جداريتها صور للحاصلين على الجائزة العالمية فرع الآداب حتى العام السابق، فضلا عن حيثيات ترشيحه إلى الجائزة، ونص الكلمة التى كتبها محفوظ وقالها بدلا عنه الكاتب محمد سلماوى. "أنا ابن حضارتين تزاوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاها عمرها 7 آلاف سنة هي الحضارة الفرعونية والثانية هي الحضارة الإسلامية، ولست في حاجة إلى التعريف بالحضارتين لأحد منكم وأنتم من أهل الصفوة والعلم". ومن قاعة "نوبل" إلى قاعة "أصداء السيرة"، وتحتوى على عدد من الصور العائلية، وبعض مقتنيات النجيب الشخصية ك"زجاجة عطر، فرشاة، ماكينة حلاقة، علبة سجائر ماركة كينت، بايب، نظارة، ساعة، بدلة، وحذاء" فضلا عن "قلم" قد أهداه الراحل توفيق الحكيم له، وإهداء بخط يده يهنئه بعيد ميلاده السبعين. أما عن غرفة "الحارة" فتعرض فيها تسجيلات صوتية لمحفوظ مركبة على مشاهد متنوعة يحكى فيها عن كيفية تناوله وتصويره للحارة المصرية، ثم قاعة "السينما" وفيها تعرض الأفلام المأخوذة عن رواياته، وقاعة "رثاء" وهى غرفة زجاجية كبيرة فى منتصفها تمثال لرأس نجيب محفوظ معلق عليه قلادة النيل التى حصل عليها، وقاعة "فيلموجرافيا" وخصصت فقط لعرض صور أبطال أفلام النجيب. فى قاعة "تجليات" نجد مكتب وكرسى محفوظ وجزءا كبيرا من مكتبته الخاصة ودراسات وأبحاثا كتبت عنه، وفى الخلفية شاشة يعرض عليها لقاءاته التليفزيونية، وخصصت قاعة "أحلام الرحيل" لنجيب محفوظ ما بعد حادثة الاغتيال، وتشمل بعض أدواته وهو فى أواخر عمره، وعدد خمسة "كشاكيل" مليئة بالخواطر والكتابات التى خطها بيده بعد الحادثة بعدما أثرت المحاولة الغادرة على حركة يده، وتظهر فيها الكتابات متعرجة بشكل واضح. الطابق الثانى من المتحف يضم غرفتين متجاورتين منفصلتين عن باقى الغرف، تصعد لهما عدة درجات، الأولى مخصصة لمدير المتحف، والأخرى قاعة مؤلفات محفوظ، وهى مكتبة يمكن للزائر فيها أن يطلع على أى من المؤلفات الموجودة ويستعيرها للقراءة داخل القاعة، فضلا عن شرفة خارج نطاق تلك الغرف ويطلق عليها "مقهى الحرافيش" لم تدخل طور التفعيل بعد، وكشف لنا أحد المنظمين أن المقهى سيتم تفعيل خدماته قريبا، مع إمكانية استضافة حفلات توقيع ومناقشة الكتب فيه. انتهينا من الدور الثانى وصحبنا مسؤول آخر إلى الدور الأرضى، ويشمل عددا من المكتبات العامة ومكتبة سمعية بصرية ومكتبة للطفل، ومنفذ بيع لمؤلفات نجيب محفوظ وبعض المترجمات لأعماله. جولتنا فى متحف "نجيب محفوظ" انتهت ولكن لم تنته ملاحظاتنا، بداية من اختيار تكية محمد أبو الدهب الذى كان موفقا للغاية، فهى تقع فى أحضان عوالم النجيب التى سخر نفسه للكتابة عنها وخباياها، والأشخاص المحيطون بالمكان هم أبطال رواياته الذين لا يغيرهم الزمن، فضلا عن عملية التطوير والترميم المتوازنة التى لا يبدو عليها المبالغة والتهويل ولا التقليل، شملت المبنى من الداخل فأضفت عليه روح نجيب محفوظ الساكنة، إضافة إلى صور محفوظ ومقولاته وصوته الذى يتردد فى قاعات المتحف، واللون الأزرق الذى كان يفضله، لتدخلك كل هذه التفاصيل لعالم نجيب محفوظ. المهندس المعمارى كريم الشبورى، مصمم العرض للمتحف قال إن تصميمه جاء ليتضمن تخصيص 8 قاعات بعدما كان مقتصرا على قاعتين فقط، ورغم ذلك فمن أهم المآخذ على المتحف أن غرفه ليست مليئة بالمقتنيات كما كان منتظرًا، خاصة وأن ابنة الأديب "أم كلثوم" أهدت وزارة الثقافة الكثير من المقتنيات التى تخص الراحل، ما أثار تساؤلات حول أسباب غيابها، لا سيما أن هناك معروضات رآها الكثيرون ليست على قدر كبير من الأهمية ليتم عرضها، مثل الصور التى خُصصت لها أكثر من قاعة، وصوره الشخصية المنشور أغلبها على الإنترنت منذ سنوات، وعليه نُسبت لابنة الأديب تصريحات عن فقدان مقتنيات بعينها، ولكنها خرجت ونفت وأشادت بالدور الذى لعبته وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم لأجل افتتاح المتحف الذى طال انتظاره، فهل المقتنيات التى تخص الراحل هى بالأساس أقل من أن تُعرض فى متحف بهذا الحجم وتكفى فقط لغرفتين كما كان مقررًا فى البداية؟ تضاعفت التساؤلات حول مقتنيات المتحف، حينما اكتشف زواره أن سجادة الأديب الفاخرة التى أهداها له الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، قد استُبدلت بها أخرى لا تخص نجيب محفوظ، وعن ذلك صرحت ابنته "أم كلثوم"، بأنها مستاءة لغياب السجادة وبعض مقتنيات والدها الأخرى، وأخفت ذلك يوم الاحتفال حتى لا تفسد حالة الفرح بالمتحف، وبدورها أصدرت وزارة الثقافة بيانا يؤكد أنها تملك تلك المقتنيات ولكن دون الإشارة إلى مصيرها. حينما توجهنا بهذه الأسئلة للمسئولين عن المتحف خلال زيارتنا، قالوا إن افتتاح المتحف بهذا الشكل الذى هو عليه لا يعنى أنه شكل جامد وغير متغير، بل سيتم إضافة مقتنيات جديدة تباعًا. ووسط تساؤلات مشروعة حول غياب مقتنيات لنجيب محفوظ، وفرحة بخروج المتحف إلى النور أخيرًا بعد سنوات طوال، أصبح هناك متحف يخلد ذكرى أديب نوبل العالمى نجيب محفوظ.