تجسيد الفنان محمود عبد العزيز، دور "رأفت الهجان" في 3 أجزاء من المسلسل التليفزيوني الذي يحمل نفس الاسم، يبقى أهم أعماله بعدما حقق له شهرة كبيرة له بالعالم العربي. في الرابع من يونيو العام 1946، وبينما البلاد تشهد أوضاعًا سياسية واجتماعية ملتهبة في ظل الولاية الثالثة لرئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا، ومحاولة تشكيل وزارة قومية يشارك فيها ممثلون لجميع أطراف العمل السياسي؛ كانت الإسكندرية هناك في أقصى الشمال، على موعد مع مولد ساحرها الأول، ونجمها الأشهر، المزاجنجي صانع البهجة محمود عبد العزيز، الجان الأوحد للسينما المصرية، صاحب المكانة التي لا يشغلها سواه، والمساحة الإبداعية مترامية الأطراف، الذي رغم رحيله في 12 نوفمبر العام 2016، إلا أنه لا يزال حاضرًا بيننا بأعماله، وسيظل. رحلة كبيرة خاضها الساحر محمود عبد العزيز في رحاب الفن، بدأها منذ نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضي، كمساعد للمخرج نور الدمرداش، قبل أن يشعر الأخير بحسه الفني العالي، ويقرر أن يُشركه في دور صغير بمسلسل "كلاب الحراسة"، ثم أشركه بدور أكبر في مسلسل "الدوامة" (1973)، ليظهر عبد العزيز في العام التالي رحلة كبيرة خاضها الساحر محمود عبد العزيز في رحاب الفن، بدأها منذ نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضي، كمساعد للمخرج نور الدمرداش، قبل أن يشعر الأخير بحسه الفني العالي، ويقرر أن يُشركه في دور صغير بمسلسل "كلاب الحراسة"، ثم أشركه بدور أكبر في مسلسل "الدوامة" (1973)، ليظهر عبد العزيز في العام التالي في أحد كلاسيكيات السينما المصرية من خلال فيلم "الحفيد" (1974) للمخرج عاطف سالم، وينطلق في أول بطولة سينمائية له في فيلم "حتى آخر العمر" (1975)، ومنذ ذلك الحين، ولم يتوقف إبداع الساحر حتى وفاته. قدّم محمود عبد العزيز العديد من الأدوار الهامة الباقية في تاريخ السينما والدراما المصرية والعربية، ومن أشهرها أفلام "العار، تزوير في أوراق رسمية، إعدام ميت، الشقة من حق الزوجة، الكيف، جري الوحوش، البريء، الكيت كات، الساحر" وغيرها، ومسلسلات: "محمود المصري، باب الخلق، جبل الحلال، رأس الغول" وغيرها، إلا أن تجسيده دور "رأفت الهجان" في 3 أجزاء من المسلسل التليفزيوني، الذي يحمل نفس الاسم، يبقى أهم أعماله بعدما حقق له شهرة كبيرة له بالعالم العربي لم تحدث لأي نجم قبله ولا بعده، وأحد أهم الأعمال الوطنية في تاريخ الفن المصري. في عام 1987، كان محمود عبد العزيز على موعد مع نجاح أسطوري مع المخرج يحيى العلمي والكاتب صالح مرسي، حينما أدى دور "رأفت الهجان"، الذي يحكي ملحمة وطنية مستوحاة من قصة جاسوس مصري زرعته الاستخبارات المصرية في إسرائيل "اسمه الحقيقي: رفعت علي سليمان الجمال" للتجسس لصالح المخابرات المصرية، وفي الجزء الأول نتعرف على علاقته بالمخابرات المصرية، وعلى زوجته هيلين سمحون، ونتابع ترتيب المخابرات المصرية لاختلاق تاريخه اليهودي، وكيفية خروجه من مصر، لكي يبدأ رحلة الجاسوسية ضد تل أبيب. وفي الجزء الثاني (1990) نتعرف على كيفية دخول "رأفت الهجان" إلى إسرائيل، ومتابعة الموساد له طوال الوقت هناك، والاختبارات والصعوبات التي يتخطاها لكي ينجح في المجتمع الإسرائيلي، ودور المخابرات المصرية في تسهيل الأمور له وتدعيمه وتدريبه بكل السبل الممكنة في أثناء مهمته الوطنية، أما في الجزء الثالث (1992) نتعرف على نهاية الملحمة ودور "رأفت" العظيم في التجهيز لحرب أكتوبر، ونعرف كيف قابل زوجته "هيلين"، ونتعرف على كيفية تأمين المخابرات المصرية لخروجه من إسرائيل ومكافأته بشكل لائق ونصرته أمام عائلته في مصر. أجاد محمود عبد العزيز في الدور لدرجة مذهلة، كان ماكرًا تسلل إلى القلوب والعقول لدرجة تُشعر في لحظات كثيرة أنه جاسوس بحق، قرأ أفكار مشاهديه، وعرف كيف يُبكيهم ومتي سيضحكون، ونجح لدرجة أن الشوارع كانت تخلو من المارة وقت عرض "رأفت الهجان"، وإلى جوار الساحر العديد من النجوم، ومنهم يسرا، يوسف شعبان، تيسير فهمي، محمد وفيق، مصطفى متولي، شوقي شامخ، عادل أمين، نبيل الدسوقي، أحمد ماهر، إبراهيم نصر، تهاني راشد، نبيل الحلفاوي، يوسف العسال، غريب محمود، عفاف شعيب، صبري عبد المنعم، وغيرهم كثيرون. المفارقة أنه حسب المخرج علي عبد الخالق، والناقد طارق الشناوي، فإن المسلسل كان معروضًا منذ البداية على الفنان عادل إمام، الذي كان قد حقق نجاحًا كبيرًا في مسلسل "دموع في عيون وقحة"، إلا أنه اعترض على كتابة السيناريو بطريقة الFlash Back "الرجوع للوراء"، فذهب المسلسل لمحمود عبد العزيز ليُجسد من خلاله العديد من الشخصيات "رأفت الهجان - ليفي كوهين - ياكوف بنيامين حنانيا - ديفيد شارل سمحون"، وعلى إثر ذلك حدثت أزمة بين الزعيم والساحر. محمود عبد العزيز تحدث عن أزمته مع عادل إمام، في حوار صحفي عام 2005، وقال: "اختلق البعض أزمة من لا شيء على صفحات الصحف، كل ما أتذكره هو أنه تم ترشيحي للدور، ثم تم ترشيح عادل من بعدي، فقلت حسبي الله ونعم الوكيل"، واستمر الجفاء بينهما حتى التقيا صدفة في شارع أحمد عبد العزيز، يُضيف: "وجدته يناديني من شباك سيارته، فسلمت عليه، فشعر هو باختلاف في نبرتي معه، فقال لي: يا عم إن كان على الهجان حلال عليك"، حينها رفض الساحر التحدث في الأمر بسبب رؤيته الفنانات ليلى علوي ونبيلة عبيد وأخريات في سيارة خلفهما. وبعد هذا اللقاء بفترة تلقى محمود عبد العزيز اتصالًا من جهاز المخابرات، لإبلاغه بأنه هو من سيجسد دور "رأفت الهجان"، وبالفعل وقّع على العقد، إلا أن الأزمة بين الساحر والزعيم اشتعلت مجددًا أثناء تصوير المسلسل، ويقول عبد العزيز: "في أحد البرامج سألني المذيع: هل ما زال عادل إمام هو نجم الإيرادات الأوحد؟ فأجبت: لا طبعًا يوجد آخرون يحققون إيرادات كبيرة، لكن تم اقتطاع إجاباتي ل(لا) فقط، وقبل أن ينتهي البرنامج كنت أبحث عن عادل في كل مكان، فقد حدث مونتاج لإجابتي، ومن هنا تضاعفت الشائعات والخلافات لفترة طويلة". ظلّت الأزمة بين النجمين مستمرة حتى التقيا في حفل زفاف ابنة الفنانة زهرة العلا والمخرج حسن الصيفي، ويقول عبد العزيز: "فور دخول عادل إمام الحفل وجدته ينظر لي مبتسمًا، اقتربت منه وتعانقنا وجلسنا وقتًا طويلًا تعاتبنا، وأوضحت له الحقيقة الكاملة وتأكد وتأكدت أن هناك من كانوا يسعون لاستمرار الخلافات بيننا". الفنان أحمد شاكر، جار وصديق محمود عبد العزيز، روى في حوار له ببرنامج "الستات ميعرفوش يكدبوا"، أن الساحر حصل على بطولة "رأفت الهجان" بعد أن التقى الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أثناء أدائه العمرة في السعودية، وأضاف: "الساحر قالي: أنا كنت مترشح للدور أول ترشيح، وعرفت إن عادل إمام حاول ياخذ الدور مني، سيبتها على ربنا، وأخدت ولادي وطلعت عمرة للسعودية، وهناك كنت قاعد عند حد من الأسرة المالكة، وقالي إن مبارك جاي، فراحوا لبسوني الزي الوطني السعودي، ووقفت معاهم، فمبارك شافني، قال: إيه ده شبه محمود عبد العزيز، كلهم ضحكوا، وقلتله هو أنا يا فندم، وجاي هنا علشان حصل كذا كذا، وحكيتله الموقف، وقولتله أنا زعلان يا ريس، قالي لا أنت اللي هتعمل الدور، ورجعت مصر وعملت الدور". وللمسلسل العديد من الكواليس التي لا زالت تُكشف بمرور السنوات، ففي سبتمبر 2018، كشفت الفنانة عفيف شعيب، خلال لقاء لها ببرنامج "الحكاية"، إنها رفضت دورها في المسلسل عندما عرضه عليها المؤلف صالح مرسي، وذلك لأنها كانت انتهت من دورها البطولي في مسلسل "الشهد والدموع" وقتها، وعندما قرأت دور "شريفة الهجان" شعرت أنها ستكون مجرد "كومبارس"، وعليه حاول المخرج يحيى العلمي قناعها لكنها أصرّت على رأيها في الرفض، حتى تلقت اتصالًا من وزير الإعلام صفوت الشريف، وقال لها: "بلاش غرور وكبرياء.. اعملي الدور"، وأغلق الهاتف في وجهها، ومن ثم وافقت على الدور. وعند ظهور المسلسل، أنكر الموساد الإسرائيلي في البداية وجود مثل ذلك الجاسوس في تاريخ معاركهم مع الاستخبارات المصرية، وأنها مجرد أوهام، وتحت ضغوط الصحافة الإسرائيلية لم يكن لدى الموساد خيار إلا أن يعترف بالقصة مع اختلاف الأحداث وبرواية أخرى (يمكنك مطالعتها من هنا)، وهناك إجماع على الدور الكبير الذي قام به "رأفت الهجان" في خدمة مصر وأرضها، ويبقى مسلسل "رأفت الهجان" العمل الوطني الأهم في تاريخ الدراما المصرية، ويظل محمود عبد العزيز أحد أساطيرنا الفنية.