قصيدة "الأطلال" هي وصفه لقصة غرام الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي بالفنانة زوزو حمدي الحكيم، وقد كتب بعض أبيات هذه القصيدة بأحمر شفاهها، أثناء زياراتها له في عيادته. هناك في قرية "سنتريس" بمحافظة المنوفية في السادس من ديسمبر عام 1912، ولدت واحدة من الجيل الأول للفنانات المصريات اللاتي احترفن التمثيل، زوزو حمدي الحكيم، صاحبة الوجه الجامد الصارم، والصوت الحاد، وقوة الشخصية، وعدم اللين، والنجاحات الكبيرة في تجسيد العديد من الشخصيات بالغة القسوة، والجامعة ما بين تدبير المكائد والجريمة والخروج على القانون، حيث أفادها جمودها في أن يضعها المنتجون في الدائرة الصغيرة لأدوار الشر طوال رحلتها التي بدأت في السينما من خلال فيلم "الدفاع" (1935)، وصولًا إلى فيلم "وصية رجل مجنون" (1987) بعد اثنين وخمسين عامًا من البداية. ومن المفارقات الكبيرة في حياة زوزو حمدي الحكيم، أنها رغم تلك الملامح العابثة التي لم تكن تُوحي بأية رومانسية والتي مكنتها من أداء أشهر أدوارها في فيلمي “ريا وسكينة” (1952) و"المومياء" (1969)، إلا أننا إذا ما تطرقنا إلى حياتها الشخصية، نجد أنها دائمًا كانت جاذبة للرجال، ومنهم شداد مثقفون ومن المفارقات الكبيرة في حياة زوزو حمدي الحكيم، أنها رغم تلك الملامح العابثة التي لم تكن تُوحي بأية رومانسية والتي مكنتها من أداء أشهر أدوارها في فيلمي “ريا وسكينة” (1952) و"المومياء" (1969)، إلا أننا إذا ما تطرقنا إلى حياتها الشخصية، نجد أنها دائمًا كانت جاذبة للرجال، ومنهم شداد مثقفون تعلقوا بها، بل أن منهم من أحبها إلى حد إلقاء قصائد شهيرة فيها. وكانت زوزو حمدي الحكيم من الممثلات المثقفات، وكانت من المغرمات بالقراءة والبحث عن المعرفة في كل مصادرها، حافظة جيدة للشعر كما تُجيد إلقاءه نظرًا لنبرات صوتها القوية، ومن رواد الصالونات الأدبية، وحرصت منذ أن بدأت تشق طريقها إلى الفن على التواجد بالوسط الثفافي وحضور الأمسيات، وهو ما جعلها ترتبط بالعديد من العلاقات والصداقات في هذا الوسط. زوزو الحكيم كانت الملهمة الأولى لبعض فطاحل الأدب والشعر، ومن بينهم صديقها المقرب الأديب زكي مبارك والذي كتب فيها عددًا من قصائده الشعرية، والدكتور إبراهيم ناجي أحد شعراء مدرسة أبولو التي أنشأها أحمد زكي أبو شادي عام1932، والذي ترجم مشاعره نحوها في قصيدته الأشهر "الأطلال" والتي تغنت بها كوكب الشرق الست أم كلثوم. ووفقًا لجريدة "أخبار الأدب" (أكتوبر 2012)، نقل الكاتب محمد رجب، في مقالة تحت عنوان "أنا مُلهمة شاعر الأطلال"، اعترافات زوزو حمدي بأنها بالفعل المرأة التي كتب فيها إبراهيم ناجي قصيدته "الأطلال" ضمن ديوان "ليالي القاهرة"، وتقول: "تظل قصتي مع إبراهيم ناجي من أشهر القصص، لن أقول قصص الغرام، لأنه لم تربطني بناجي أي علاقة حب، الحكاية كلها بدأت عندما كان يأتي إلى المسرح الذي أعمل به يشاهد ويتابع أعمالنا الفنية لاهتمامه بالفنون مثل اهتمامه بالطب، ثم تولى بعد ذلك علاج أعضاء الفرقة، ومن هنا بدأت العلاقة تتوطد بيننا خاصة بعد مرض والدتي". تُضيف: "أخذ ناجي يتردد على منزلنا لعلاجها ونحن نتردد على عيادته، بعدها أصبح صديقًا لنا، في إحدى المرات سمعت أغنية أم كلثوم (الأطلال)، وإذا بي أكتشف أنني قرأت هذه الأبيات من قبل، لكن الست تغنيها بطريقة مختلفة، عدت إلى الروشتات، التي كان يكتبها ناجي لوالدتي، وجدت كل بيت من أبيات القصيدة على كل روشتة من الروشتات، ويناديني فيها ب(زوزو)، أو (حياتي) أو (صديقتي الحبيبة) أو (صديقتي المقدّسة)، لا أنكر أنني بادلته بعض أبيات الشعر، لكنه ليس كشعر الغرام الذي يكتبه لي، ناجي لم يكن يكتب الشعر لي فقط". ووفقًا للمقالة، زارته زوزو في عيادته وأدمنت الزيارات، وكان ناجي يدون قصة حبه لها كلما زارته وهي تتواري خلف الفحص الطبي، وكتب لها خلف روشتة الدواء بعد شهر واحد من ترددها عليه وقال: يا حبيبا زرت يوما.. أيكه.. طائر الشوق مغني.. ألمي.. لك إبطاء المذل المنعم.. وتجني القادر المحتكم.. وفي زيارة أخرى كتب لها يصور غرامها قائلًا: "هل رأى الحب سكارى.. مثلنا"، وكتب خلف إحدي روشتاته يصور موقفا آخر من غرامها فقال: ومشينا في طريق مقمر.. تعدو الفرحة فيه.. قبلنا.. وضحكنا.. ضحك طفلين معا.. وعدونا.. فسبقنا ظلنا.. إبراهيم ناجي بنفسه أكد أنه وقع في حب زوزو الحكيم بعدما جذبته بثقافتها وجمالها الهادئ أثناء ترددها علي عيادته لعلاج والدتها، ولخص غرامه بزوزو الحكيم قائلًا: "هي قصة اثنين.. رجل وامرأة.. تحابا ثم افترقا.. هي أصبحت أطلال جسد.. وهو أصبح أطلال روح"، كما أن دواوين ناجي حافلةً بأكثر من قصيدة كُتب تحت عنوانها إهداء إلى "ز". وفي مقالة لإبراهيم ناجي بعنوان "ثلاث زوزات عرفتهن"، عن زوزو ماضي، وزوزو نبيل، وزوزو الحكيم، ويقول عن الأخيرة: "هي أديبة صافية، عرفتها قبل أن تنزلق إلى الشاشة، عرفتها وهي تكتب مذكّراتها عن أدباء مصر جميعًا، وقرأت لها أجمل فصل قرأته في حياتي عن زكي مبارك، عرفتها وهي تجاهد في تَعَلُّم الفرنسيّة، وتناضل لتعلُّم الإنجليزية، وتقاتل لتكون أول فتاة مثقفة في مصر، فلما جرفتها السينما انتهت إلى (عفريت مراتي) فسكن العفريت بيتها، ومن يدري هل دبّ إلى قلبها؟ مسكينة زوزو، إنّها تحمل دماغًا رهيبًا وقلبًا طيبًا". الكاتب وديع فلسطين، وقد كان من أصدقاء ناجي المقرّبين ووكيلاً لرابطة الأدباء التي كان ناجي أول رئيس لها، علّق على هذا المقال، وقال: "ناجي كان متيمًا بواحدة من الزوزات". وتزوجت زوزو الحكيم ثلاث مرات، الزيجة الأولى وهي لم تبلغ السادسة عشرة بعد، وذلك عندما زوّجها والدها مضطرًا لأول عريس مناسب يتقدم لخطبتها نظرا لأن جمالها كان حديث شباب القرية، وذلك بالرغم من اقتناعه الكبير بضرورة تعليمها، خاصةً وأنها قبل زواجها مباشرة كانت قد اقتربت من الحصول على البكالوريا، وبالفعل اشترط والدها على زوجها ضرورة استكمال ابنته لتعليمها، ولكن الزوج نكث وعده، مما جعلها تهرب إلى منزل خالها بالقاهرة، لتستكمل الدراسة وتحصل على شهادتها، مما دفع الزوج إلى تطليقها. زواجها الثاني كان سريًا عام 1930، من دونجوان الصحافة الكاتب محمد التابعي، لكن زواجهما لم يستمر أكثر من شهر، وتقول ابنته شريفة التابعي، في حوار لجريدة "النهار" (سبتمبر 2010): "عرفت كغيري أن الأستاذ كان متزوجًا من السيدة زوزو حمدي الحكيم، ولم يدم زواجهما لفترة طويلة، وقد وجدت في بعض وثائق التابعي ويومياته جزءًا يتكلم فيه عنها، ولم يتم نشر هذه المذكرات". والغريب أن هدى التابعي - زوجته - علِمت بزواجه سرًا من أحد الصحافيين الذي أخبرها بأنه تزوج زوزو لمضايقة روز اليوسف التي أحبها، وتشير شريفة التابعي الى أن علاقة زوزو حمدي الحكيم ووالدها لا يعلمها الكثيرون بخلاف علاقته مثلًا بأسمهان فكانت مخطوبة له رسميًا. ويروي الكاتب مصطفى أمين أن لزوزو فضل كبير على الصحافة المصرية، ويقول: "بعد أن خرجت أنا والتابعي من (روز اليوسف)، وصل إليه خطاب من مطلقته زوزو حمدي الحكيم تقول له فيه: لقد كان من أمانينا أن نصدر مجلة.. أنا عندي مجوهراتي وثمنها مائتا جنيه.. أضعها تحت تصرفك لتبدأ بها المشروع الذي تمنيته لك". ويكمل: "هذه الرسالة كان لها فعل السحر في قلبي، إنها فعلت فينا أكثر من مليون جنيه، وصحيح أن طلعت حرب أقرضنا من بنك مصر مائتي جنيه بدأنا بها (آخر ساعة)، ولكن لم أنس خطاب زوزو يومًا، لم تلهمنا وحدنا، ولكنها ألهمت أيضًا شاعرًا من أكبر شعراء مصر، وهو الدكتور إبراهيم ناجي، أغلب قصائد الغزل التي نظمها كانت من وحي حبه لها، وقصيدة (الأطلال) هي وصفه لقصة غرامه بها، وقد كتب بعض أبيات هذه القصيدة بأحمر شفاهها". وبعد عدة سنوات من طلاقها الثاني تزوجت في منتصف الأربعينيات من شخص يُدعى حسين عسكر، وقد استمر زواجها الثالث ربع قرن أنجبت خلاله ابنتها الوحيدة، وقد ظلت وفية له في حياته وباقية على عهده بعد رحيله، وتقول عنه: "هو صاحب القلب الوحيد الذي أخلصت له وأخلص لي، ابتعدت عن الناس جميعًا واكتفيت به وبحبه، كان يقرأ قصائد ناجي التي أرسلها لي، وخطابات الحب التي يلاحقني بها، وما كان ليغار منه، أولًا لأن ناجي ماضِ وانتهى، وثانيًا لأنه كان هزيلًا، ضئيلًا، نحيلًا، لا يملأ عين امرأة ولا يثير غيرة رجل، فقط كان شاعرًا غير عادي وروحًا شفافة". عشقت زوزو الحكيم الفن ومهنة التمثيل بكل الصدق فأخلصت في جميع أعمالها حتى رحلت بعد رحلة معاناة مع المرض في 4 نوفمبر 2003.