يسيطر على أفكاري سؤال لا علاقة له بالواقع وأبحث له عن إجابة. السؤال هو: إذا كان علي أن أختار بين أن يحكم العسكريون مصر أو الإخوان فأيهما أختار؟ السؤال له إجابة واقعية بسيطة، وهي لا هذا ولا ذاك، لأن هناك اختيارات أكثر وأكثر واقعية، وبالتالي أكثر تعقيدا. لكنني أبحث عن متعة الرياضة العقلية، وعن إجابة محددة.. الإخوان أم العسكر؟! اختاري. من دون تفكير أختار عقليا الإخوان!! ثم أبحث عن أسباب الاختيار.. فأجدها أسبابا معظمها ذاتية. أولها: بما أنني في الحالتين سأكون في صفوف المعارضة وهذا جيد. ففي حالة حكم الإخوان سأتمكن من المعارضة أقوى وأفضل.. لأنني أعرف من هم الإخوان وكيف يفكرون، وأتوقع طريقة تعاملهم مع المواقف المختلفة. أرى بوضوح أكاذيبهم وانتهازيتهم.. ألمس تعصبهم وطائفيتهم مهما غلفوها. أما العسكريون فلا أعرف من هم، ولا كيف يفكرون؟ ولا أتوقع ردود أفعالهم.. وأعتقد أن مثلي كثيرون. فكيف نعارض شيئا غامضا بل حتى كيف نؤيده؟ ثم إنني أشعر بالخوف من العسكريين، خوفا مبهما وغامضا، قد يجرني لاتباع الأسلوب الحالي لبعض زملائي الكتاب «في انتقاد الحكومة وتملق المجلس الأعلى»، ولا أخاف إطلاقا من الإخوان ولا الإسلاميين بكل فئاتهم، بل وتملؤني طاقة غضب. تعلمت أن أخاف من العسكريين منذ بداية عملي الصحفي، عندما أمرني أساتذتي أن لا أكتب عن الجيش بكل ما يخصه كلمة واحدة، حتى لو كانت مديحا، لأنها قد تجرجرني للنيابة العسكرية. وما زلت بعد هذا العمر أفاجأ بأن بداخلي بقايا هذا الشعور، يفرض رقابة ذاتية على كتابتي. مما يعني أنني سأضطر إلى جهاد نفسي أولا.. قبل الحياة كمواطنة معارضة في ظل حكم عسكري. وأكبر دليل على هذه العقدة النفسية، أنني لم أحاول التقاط صورة مع الدبابات والمدرعات وضباط الجيش كما فعل كل المصريين، وظللت أنفذ أمرا أحفظه عن ظهر قلبي.. هو ممنوع الاقتراب أو التصوير. بالذمة.. هل هذه نفسية تتحمل حكم العسكر؟ الأعجب أنني انبهرت بشعار «الجيش والشعب إيد واحدة» عندما سمعته للمرة الأولى في الميدان، وما زلت أذكر إعجابي بطريقة أداء شاب أعتقد أنه من الألتراس، وكيف استطاع تجميع الآلاف حوله في ثوان يؤدون رقصة تعبيرية مصاحبة للهتاف، وكيف اشتركت معهم بمنتهي الحماس؟ العجيب أنني في أعماق نفسي كنت مقتنعة تماما بأن هذا الشعب قرر أن يحرج الجيش! وكنت معجبة بهذه الطريقة العبقرية. أعتقد أن نظرية الإحراج المتعمد لا تنطبق على لحظة نزول الجيش للشارع يوم 28 يناير، التي لم أشارك فيها بشخصي، كنت في هذه اللحظة أؤدي دور الكومبارس الناطق، أقف في شرفة بيتي مع أصدقائي، نتابع الهجمات الوحشية التي يشنها جنود الأمن المركزي على شباب أعزل يقاوم بالتقاط القنابل المسلية للدموع وإعادة إلقائها، وكنا نؤدي دورنا بتشجيعهم أو بتزويدهم بالمياه، حين وصل إلينا نبأ نزول الجيش وفرض حظر التجول.. وبدا وقتها أن هذا الخبر لم يصل إلى جنود الأمن المركزي تحت بيتنا، فتطوعنا نحن «كومبارس الشرفة» بنقل الخبر إلى أبطال الشارع «صرخنا وهللنا.. الجيش نزل.. الجيش نزل».. فوجئنا بسؤال يأتي من مجموعة البنات الواقفات على أطراف أرض المعركة «معانا ولّا معاهم؟» فكرت طويلا ثم قلت «مش عارفة لسه مش باين!». بعد خمسة أشهر من الثورة ما زال السؤال قائما «معانا ولّا معاهم؟» وما زالت إجابتي كما هي «لسه مش باين». أما بالنسبة للإخوان.. فكل شيء انكشف وبان، للأغلبية وليس لي فقط.