توفي الروائي السوري حنا مينه، اليوم الثلاثاء، عن عمر ناهز 94 عاما، تاركًا رصيدا ضخما من الروايات والأعمال الأدبية الأخرى، حسبما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع "تويتر". وكانت شائعات وفاة حنا مينه تلاحقه كثيرًا، حتى اضطر، في شهر مارس الماضي، لإعلان وصيته، قال فيها: «أنا حنا بن سليم حنا مينه، والدتي مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، وقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقيني أنه (لكل أجل كتاب)، لقد كنت سعيدا جدا في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذورٌ للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإني لمن الشاكرين». وأضاف: «عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطا في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي، وليس لي أهلٌ، لأن أهلي، جميعا، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا علي عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية». وتابع: «كل ما فعلته في حياتي معروفٌ، وهو أداء واجبي تجاه وطني وشعبي، وقد كرست كل كلماتي لأجل هدف واحد: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض، وبعد أن ناضلت بجسدي في سبيل هذا الهدف، وبدأت الكتابة في الأربعين من عمري، شرّعت قلمي لأجل الهدف ذاته، ولما أزل.. لا عتبٌ ولا عتابٌ، ولست ذاكرهما، هنا، إلا للضرورة، فقد اعتمدت عمري كله، لا على الحظ، بل على الساعد، فيدي وحدها، وبمفردها، صفّقت، وإني لأشكر هذه اليد، ففي الشكر تدوم النعم». وقدم اعتذارًا في وصيته، قال في تفاصيله: «أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قُرّاء، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشي، محمولاً من بيتي إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاصٍ مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر مُتاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة.. لا حزنٌ، لا بكاءٌ، لا لباسٌ أسود، لا للتعزيات، بأي شكلٍ، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثمّ، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، أستغيث بكم جميعا، أن تريحوا عظامي منها». واختتم وصيته قائلًا: «كلُّ ما أملك، في دمشق واللاذقية، يتصرف به من يدّعون أنهم أهلي، ولهم الحرية في توزيع بعضه، على الفقراء، الأحباء الذين كنت منهم، وكانوا مني، وكنا على نسب هو الأغلى، الأثمن، الأكرم عندي.. زوجتي العزيزة مريم دميان سمعان، وصيتي عند من يصلّون لراحة نفسي، لها الحق، لو كانت لديها إمكانية دعي هذا الحق، أن تتصرف بكلّ إرثي، أما بيتي في اللاذقية، وكل ما فيه، فهو لها ومطوّب باسمها، فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذي خرجت هي، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه». يذكر أن "مينه" ولد عام 1924 في مدينة اللاذقية، وعاش طفولته في إحدى قرى لواء الإسكندرون، قبل أن يعود إلى اللاذقية مجددا، حيث عاش وكافح كثيرا حتى شق طريقه إلى الأعمال الروائية، وتنقل بين بلدان عدة، وسافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات، لكنه عاد إلى بلاده، وله دور كبير في تأسيس رابطة الكتّاب السوريين واتحاد الكتّاب العرب. ومثل كثيرين من الأدباء العرب، بدأ حنا مينه عمله في الصحافة، قبل أن يتركها لصالح القصص القصيرة ثم الروايات، حتى أطلق عليه "شيخ الرواية السورية"؛ حيث كتب الكثير من الروايات والقصص، يتحدث في معظمها عن البحر، ويصف حياة البحارة في مدينة اللاذقية، وصراعهم على متن المراكب والسفن ومع أخطار البحر. ومن أعماله: "المصابيح الزرق، حكاية بحار، نهاية رجل شجاع، الثلج يأتي من النافذة، المستنقع، الربيع والخريف، القطاف، المرفأ البعيد، والرحيل عند الغروب".