على خشبة المسرح كان يقف دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في منتدى أمني في مدينة أسبن، بولاية كولورادو، عندما أخبرته محاورته، أن البيت الأبيض أعلن على "تويتر" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعا نظيره الروسي فلاديمير بوتين لزيارة البلاد في الخريف. رد فعل كوتس كان غير تقليدي، حيث قال وهو يضحك "من فضلك، أعيدي ما قلتيه مرة أخرى!"، وبمجرد أن استوعب الموقف، أضاف: "حسنًا، سيكون هذا أمرا مختلفا". وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، أن ترامب طلب من مستشاره للأمن القومي جون بولتون دعوة بوتين لزيارة واشنطن، وكتبت ساندرز في تغريدة على موقع "تويتر"، أن "الرئيس ترامب طلب من جون بولتون دعوة الرئيس بوتين إلى واشنطن الخريف المقبل، ومناقشة ذلك الأمر قد بدأت". دعوة مثيرة للشكوك أشارت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن هذا الموقف الذي تحول إلى مشهد فكاهي كشف الطريقة التي يدير بها ترامب السياسة الخارجية الأمريكية، وحكم البلاد، منذ لقائه المثير للجدل مع بوتين يوم الاثنين، والذي أعرب فيه عن احترامه الشديد للرئيس الروسي في الوقت الذي كان ينتقد فيه الولاياتالمتحدة. وأضافت أن الأحداث التي لا يمكن تصديقها في الأيام الأخيرة، تثير حالة من الجدل في واشنطن وفي وسائل الإعلام، حول ما إذا كانت روسيا لديها بالفعل بعض المعلومات الاستخبارية التي يمكن أن تبتز بها ترامب، والتي قد تؤثر على سلوكه تجاه بوتين، حيث لم يكن هناك حتى الآن أي دليل معلن لدعم هذه القضية. لكن ستيف هول وهو مدير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في موسكو، أصدر تحذيرا مروعا، إذا أُثبت، سيحمل معه عواقب سياسية لا يمكن تفسيرها. وقال هول: "قبل قمة هلسنكي، لم أكن مستعدًا للوصول إلى هذه المرحلة، وأن أقول إن روسيا تمتلك مواد يمكن استخدامها لابتزاز دونالد ترامب". اقرأ المزيد: قمة «هلسنكي».. كيف بدا ترامب ضعيفًا أمام بوتين؟ وأضاف: "لكن بعدما رأيت دونالد ترامب يعامل بوتين بطريقة لا يمكن تفسيرها، فإن هذا الاستنتاج الوحيد هو ما يمكنني أن أتحدث عنه، أعتقد أن هناك معلومات وبيانات تشير ضمنًا إلى أن بوتين يمتلك معلومات تمكنه من ابتزاز ترامب، وإلا لماذا يعامله بهذه الطريقة؟". وبالنسبة لما حدث في أسبن، فإن دعابة كوتس غطت على الآثار المقلقة لحقيقة أن رئيس أكبر وكالة مخابرات في أمريكا، اكتشف من مراسل، على شاشة التليفزيون، أن الرئيس الروسي قد دُعي لزيارة واشنطن. كان الأمر مهينًا بالنسبة إلى كوتس، وهو الحدث الذي جاء بعد أيام فقط من إعلان ترامب أنه يصدق بوتين بأن روسيا لم تتدخل في الانتخابات الأمريكية، وشكك في تقارير الاستخبارات الوطنية التي تؤكد تورط روسيا. وفي أفضل الأحوال، كان ذلك مثالًا على فشل البيت الأبيض في اتباع الترتيب الوظيفي، حيث كان الإخفاق في إعلام كوتس بالدعوة بشكل مسبق للإعلان عنها، أمرًا محرجًا للغاية لمسؤول استخباراتي كبير كان يتكلم بشكل علني نيابةً عن الحكومة. لكن احتقار ترامب لوكالات المخابرات الأمريكية واستنتاجاتهم بشأن تدخل روسيا في الانتخابات أمر يمكن استبعاده، حيث يمكن أن يكون هذا أمر مقصودا لإهانة كوتس، بعد أن أكد أكثر من مرة أن روسيا ما زالت تتدخل في الديمقراطية الأمريكية. ترامب يخاطر بدعوة بوتين إلا أن "سي إن إن" ترى أن إهانة كوتس لم تكن الأمر الأكثر إثارة للقلق في قرار دعوة ترامب لنظيره الروسي لزيارة العاصمة واشنطن الخريف المقبل، إذ كشف كوتس أنه ما زال يجهل ما حدث في الاجتماع الذي دام قرابة ساعتين في فنلندا، عندما التقى الرئيسان بمفردهما بحضور مترجمين فقط. اقرأ المزيد: 4 فرضيات دفعت ترامب إلى عدم انتقاد بوتين قبل «قمة هلسنكى» ويشير الكشف إلى أن محتوى اجتماع ترامب لا يزال لغزًا في المستويات العليا من حكومته، وهذا بدوره يوحي بعدم وجود عملية سياسية عادية، ويلقي شكوكًا جديدة بشأن السيطرة الغامضة التي يمارسها الرئيس الروسي على الرئيس الأمريكي. وقالت "سي إن إن" إن احتمال أن يزور بوتين واشنطن هو أمر مذهل في حد ذاته، ولكنه يتفق مع ممارسة ترامب المتمثلة في مضاعفة المعارك ورفض التنازل عن موقفه أمام منتقديه. وستكون زيارة بوتين مثيرة للجدل لأنها ستجلب خصمًا أمريكيًا متهمًا بتدبير مخطط للمساعدة في إيصال ترامب إلى رأس السلطة في الولاياتالمتحدة، في نفس الوقت الذي تجرى فيه انتخابات التجديد النصف التي تقول وكالات الاستخبارات الأمريكية إن موسكو تدخلت فيها بالفعل. واتفق محلل الأمن القومي الأمريكي والمؤرخ العسكري ماكس بوت، مع الفرضية القائلة إن الإخفاق في إخطار كوتس بالدعوة التي كشفت بوضوح حالة عدم الكفاءة المنتشرة في أروقة البيت الأبيض، ولكنه اقترح أيضًا أن "شيئًا أكثر شراً" كان يحدث. ويقول بوت إن "مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق حاليا مع دونالد ترامب في تواطئه مع فلاديمير بوتين للتأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، وهو الآن يتواطأ بشكل فعال مع بوتين ويلتقي بشكل خاص مع بوتين". وأعرب بوت عن شعوره بالإحباط من احتمال أن كبار المسئولين لا يعرفون ما اتفق عليه ترامب في الاجتماع الخاص مع بوتين في هلسنكي، في الوقت الذي بدأت فيه روسيا تسريب بعض التفاصيل. وأضاف المحلل الأمريكي "أن كبار الأشخاص في الحكومة الأمريكية الذين يجب أن يعرفوا ما حدث، بما في ذلك كوتس، لا يعرفون شيئا"، وأكمل "أن فكرة أن بوتين يعرف ما حدث لكن كوتس لا يعرف أمر خاطئ، خاصة بالنظر إلى العلاقة المشبوهة للغاية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين". اقرأ المزيد: «التأخير المتعمد وكرة القدم».. 5 مشاهد بارزة من قمة «هلسنكي» وطغت أنباء دعوة بوتين إلى واشنطن، على تطور آخر مثير للحيرة بعد قمة هلسنكي، حيث تراجع البيت الأبيض عن بيانه السابق بأنه كان يدرس عرضًا قدمه بوتين بإرسال مسؤولين أمريكيين إلى موسكو لاستجوابهم، وهو ما وصفه ترامب بأنه أمر "لا يصدق". وكان بوتين قد اقترح في القمة أنه سيسمح لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي لمقابلة المشتبه بهم المتهمين بالتدخل في الانتخابات الأمريكية في موسكو، في مقابل سماح واشنطن للمحققين الروس بالتحقيق مع مايكل ماكفول السفير الأمريكي لدى موسكو في عهد أوباما، والذي يعتبره بوتين عدوًا. وتراجع البيت الأبيض قبل ساعات فقط من تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية 98 لإصدار قرار يدين الفكرة. وحتى عندما أعلن عن التراجع عن الفكرة، أظهر البيت الأبيض احتراما غير عادي لبوتين، إذ قالت المتحدثة باسم ترامب، سارة ساندرز، إن الاقتراح جاء "بصدق من الرئيس بوتين، لكن الرئيس ترامب لا يتفق معه".