في أكثر من مناسبة، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حلف الناتو، منذ أن تولى منصبه في يناير 2017، متهمًا أعضاء الحلف بالتواكل على الولاياتالمتحدة في الدفاع عنه، وعدم الوفاء بالتزاماته المادية تجاه الحلف. شبكة "سي إن إن" الأمريكية، ترى أن ترامب محق في انتقاد فشل أعضاء الحلف في الوفاء بالتزاماتهم في تقاسم أعباء الدفاع المشترك للحلف. وأضافت أن هذه الانتقادات ليست وليدة اللحظة، ولكن سبقه فيها كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين، باراك أوباما، وجورج بوش الابن، إلا أن ترامب عبر عنها بطريقة أقل دهاء، وغير دبلوماسية. حيث كان الرئيس الحالي أكثر حساسية تجاه تكلفة مظلة الأمن الأمريكية لحلفائها في آسيا وأوروبا، ويرى أن التحالفات التي تدعم القوة العالمية للولايات المتحدة من وراء نظارة المعاملات التجارية بدلًا من المصالح الجيوسياسية. واحتل موضوع الإنفاق على حلف الناتو جزءا كبيرا من حملته الانتخابية لعام 2016، حيث وصف التحالف بأنه "عفا عليه الزمن". وقال ترامب في حفل بثه في مارس 2016 "إنه يكلفنا الكثير من المال، وبصراحة، عليهم أن يدفعوا المزيد من الأموال، إننا ندفع بشكل غير متناسب"، مؤكدًا أن ذلك ليس "عادلا" بالنسبة لدافعي الضرائب الأمريكيين. اقرأ المزيد: قمة ترامب مع بوتين تثير قلق حلفائه الأوروبيين وفي قمة مجموعة السبع "الكارثية" في الشهر الماضي، انتقد ترامب حلف الناتو، وقال إنه "أسوأ من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية". ولكن قبل قمة حلف الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأسبوع المقبل، والتي يبدو أنها ستكون "كارثية" أيضًا، فإن غضب ترامب، الذي ظهرًا جليًا في الرسائل التي أرسلتها إدارته إلى عدة حكومات أجنبية، يثير المخاوف من أن نهجه المتشدد سوف يأتي بنتائج عكسية، ويضع الحلف في خطر. حيث إن ترامب لديه سجل حافل بالانسحاب من الاتفاقيات المتعددة الأطراف، مثل اتفاق باريس بشأن المناخ، والشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو يقاوم منظمة التجارة العالمية، ويقول إن كبار حلفاء أميريكا يهتمون فقط بالحصول على أموالها. ولذا ففي الوقت الذي قد تكون شكاوى الرئيس من الإنفاق الدفاعي لأوروبا مبررة، يخشى منتقدو ترامب من أنها قد تكون سببًا محتملًا لانشقاق النظام الدولي الذي جعل الولاياتالمتحدة أغنى وأقوى دولة في تاريخ العالم. وأشارت "سي إن إن" إلى أن سلوك ترامب وفلسفة "أمريكا الأولى" التي يتبناها، يعقدان الجهود التي يبذلها قادة مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لإقناع مواطنيهم بزيادة الإنفاق الدفاعي لتلبية المطالب الأمريكية. كما أن شكوك ترامب في المؤسسات الغربية، بالإضافة إلى اعتقاده الخاطئ بأن حلف الناتو يشبه ناديًا يدين فيه الأعضاء الأوروبيون بمليارات الدولارات للولايات المتحدة، يقوض جهود إدارته في مطالبتهم بمزيد من الإنفاق. اقرأ المزيد: الناتو والاتحاد الأوروبي يتفقان على زيادة وجودهما في العراق وما زال التزامه بتعهدات حلف الناتو غير واضحة، بسبب ترديده المتكرر لأفكار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تهدف سياسته الخارجية إلى تقويض الغرب وينظر إليه على أنه تهديد أمني متزايد من جانب بقية أعضاء التحالف ال29. أحد المخاوف الكبيرة هو أن ترامب قد يُلمح علنًا إلى أن الولاياتالمتحدة لن تدافع عن أعضاء التحالف الذين لا يوفون بإلتزاماتهم المادية تجاه الحلف، وهي خطوة من شأنها القضاء على فكرة الدفاع الجماعي التي تعتبر أساسية بالنسبة إلى هوية حلف الناتو، ومن المؤكد أنها ستسعد موسكو. أن تخلف حكومات الناتو في الوفاء بتعهداتها الخاصة بإنفاق 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بالإضافة إلى القدرات العسكرية المتضائلة للقوى الرئيسية مثل بريطانيا لطالما أثار غضب واشنطن. حيث قال الرئيس باراك أوباما في بروكسل في عام 2014 إنه "إذا كنا نتحدث عن الدفاع الجماعي، فهذا يعني أن على الجميع أن يتحركوا، لكني لدي بعض المخاوف بشأن انخفاض مستوى الإنفاق الدفاعي بين بعض شركائنا في حلف الناتو". وأضاف "أن الوضع في أوكرانيا يذكرنا بأن حريتنا ليست مجانية، ويجب أن نكون مستعدين لدفع ثمن معداتنا، وجنودنا، ومنحهم التدريب المطلوب، حتى نثق بشكل كامل في حلف الناتو، وقوته وقدرته على الردع بفعالية". وقبل ست سنوات من كلمة أوباما، دعا الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في قمته الأخيرة لحلف الناتو، أعضاء الحلف إلى "زيادة استثماراتهم الدفاعية لدعم عمليات الناتو والاتحاد الأوروبي"، مضيفًا أن "أمريكا تعتقد أن الأوروبيين سيستثمرون في دفاعهم، لتصبح أقوى وأكثر قدرة أيضًا". اقرأ المزيد: في قمة «هلسنكي».. بوتين هو الرابح الأكبر وتشير أحدث بيانات الناتو، في عام 2017، إلى زيادة في الإنفاق الدفاعي بنسبة 4.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي بين أعضاء التحالف الأوروبي وكندا. ويتزايد الإنفاق العسكري بين معظم الأعضاء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغوط الأمريكية، والمخاوف المتجددة من التوسع الروسي بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. لكن في الوقت الذي صدر فيه التقرير قبل عام، كانت ست دول فقط في الناتو تنفق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو هدف لجميع الدول حتى عام 2024. إلا أن الشبكة الأمريكية أكدت أن شكاوى الولاياتالمتحدة كانت أكبر من الأرقام فقط. فهناك قلق كبير بشأن قدرة القوات المسلحة لأعضاء حلف الناتو، حيث تسبب الركود الكبير وضغوط الميزانية في الدول التي لديها برامج رعاية اجتماعية أكبر من الولاياتالمتحدة، في اتخاذ بعض القوى الأوروبية قرارات مؤلمة. بريطانيا على سبيل المثال، لديها حاملتا طائرات ضخمتان جديدتان ستصبحان جاهزتين للعمل بشكل كامل في السنوات القادمة، وتقومان بتجديد قواتها النووية. لكن في وقت سابق من هذا العام، حذر قائد الجيش البريطاني، الجنرال نيكولاس كارتر، من أنه بعد سنوات من التخفيضات الدفاعية، من الممكن أن تقل قدرة بريطانيا على مواجهة القوات الروسية في معارك داخل سورياوأوكرانيا، إذا لم يتم بذل جهود لمضاهاة قدراتهم. اقرأ المزيد: قمة بوتين وترامب في ضاحية بفنلندا.. والكرملين: ستناقش الأزمة السورية وفي الوقت الذي يشعر فيه ترامب بالغضب من حجم إنفاق أعضاء حلف الناتو، إلا أن هناك قلقا كبيرا بين شركاء التحالف ومؤيدي الناتو في الولاياتالمتحدة من أن الرئيس الأمريكي لا يعترف بالقيم المشتركة التي تدعم التحالف، أو يقدر دوره التاريخي الحيوي. وقد تم التأكيد على هذه الفجوة من خلال استقالة السفير الأمريكي في إستونيا جيمس ميلفيل هذا الأسبوع، وكتب ميلفيل في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنه "بالنسبة للرئيس أن يقول أن الاتحاد الأوروبي أنشأ للاستفادة من الولاياتالمتحدة، وللحصول على أموالنا، أو أن يقول إن الناتو سيئ مثل نافتا، ليس أمرًا خاطئًا فحسب، ولكنه يثبت لي أن الوقت قد حان ليغادر منصبه".