كان النجاح الكبير الذى حققته شارة «المال والبنون» دافعًا في أن يعزف الموسيقار ياسر عبد الرحمن موسيقى تتر مسلسل «الضوء الشارد» التى تستطيع تمييزها بين ملايين الأعمال، لتعود بك إلى صعيد مصر قبل 20 عاما، حيث «رفيع بك العزايزي»، ممدوح عبد العليم، والذى كشف عن جوانب أخرى فى حياة الرجل الصعيدي لم نكن نعلمها، منها أن الحب ليس كلاما فارغا، كما حاول شقيقه «فارس»، محمد رياض، أن يقنعه بذلك، ليتذوق أيضًا من نفس الكأس الذي شرب منه أخوه بعد أن يقع فى غرام المرأة التي تزوجها شقيقه قبل رحيله، ولم يكن سهلًا على «كبير العائلة» الاعتراف بذلك، كونه رجلا صعيديا متمسكا بعاداته وتقاليده التي تقول إنه لا مكان للحب فى قلبه. ربما كانت ملامح ممدوح عبد العليم الشقراء سببًا في أن يتوقع البعض فشل المسلسل؛ فكيف لرجل وسيم يلعب دور رجل صعيدي؟، خاصة أننا اعتدنا على رؤية الفنانين أصحاب البشرة الغامقة فى هذه الأدوار، ويقول مخرج العمل مجدى أبو عميرة فى حوار سابق له، إنه لا أحد يجرؤ على أن يفرض عليه أبطال عمل من إخراجه، مستشهدًا بمسلسل «الضوء الشارد»؛ ففى وقت تحضيره استغرب الجميع من فكرة اختياره لممدوح عبد العليم في دور «رفيع العزايزى» لأنه أبيض وعيناه ملونتان، ولكن كل هذا تلاشى بمجرد عرض العمل، وتحقيقه نجاح كبيرا جدا وتحويل بطله إلى معشوق النساء فى تلك الفترة. «الدور ينادي صاحبه» هذا ما حدث مع الفنان الراحل ممدوح عبد العليم، الذى لا يختلف اثنان على موهبته، فحضوره الطاغي وأداؤه وانفعالاته الصادقة، جعلت «رفيع العزايزي» واحدا من أهم الأدوار التي قدمها؛ إذ جسد شخصية الرجل القوي الذى ورث العمودية عن والده وتحمل مسئولية كل شيء، فتجده شهمًا مع الفلاحين ورجلًا شرقيا غيورا على أهل بيته، وحبيبا مخلصا، كاد يضحى بحبه من أجل مصالح العائلة، ووصف مخرج العمل دور «رفيع» بأنه أعاد للشخصية الصعيدية هيبتها بما تحمله من فروسية ونبل. حكي عبد العليم عن ذكرياته مع «الضوء الشارد» فى لقاء تليفزيوني له، قائلًا: «أسهل دور عملته في حياتي، تصويره استغرق شهر ونص، على غير العادة بقعد 6 شهور أو سنة لما أخلص أي دور، والناس استقبلت وحبت دوري فى (الضوء الشارد) أكتر من (صفية والدير) رغم أنى اتفحت فى التمثيل»، ووجدت أسرة الفنان ممدوح عبد العليم أن دور «رفيع» هو نسخة طبق الأصل من الجد الأكبر للعائلة، وكانت والدته تقول لأقاربهم: «اتفرجوا على رفيع بيه هتعرفوا شخصية جدنا بالظبط». وهناك شخصية أخرى ارتبطت ب«رفيع العزايزي» وهى «فرحة» التى جسدتها الفنانة منى زكي وكان هذا العمل بداية انطلاقتها الحقيقة فى التليفزيون، وبمعنى آخر بوابة عبورها إلى قلوب جمهور الشاشة الصغيرة؛ ف«فرحة» هي فتاة هادئة بملامح رقيقة وعفوية وقعت فى غرام الأخ الأكبر لزوجها «فارس» -الفنان محمد رياض- بعد وفاته، ويلعب القدر لعبته حتى تتزوج من أخيه «رفيع» فى نهاية المسلسل، بعدما اعترف بحبه لها، وربما ظلت منى زكي حبيسة هذا الدور فلم تستطع تحقيق نجاح فى التليفزيون موازيا لهذه الشخصية، والذى ظل عالقًا فى أذهان محبيها، لذلك تسبب هذا الدور فى عقدة لها من التليفزيون، حيث تحول نجاح «فرحة» إلى شبح يطاردها، كونها لم تستطع تحقيق نجاح أكبر منها فى الدراما. تقول منى زكي، فى حوار نشر لها عام 2004: «شخصية (فرحة) والمسلسل حققا نجاحا كبيرا فاق المتوقع، وكنت شديدة النشوة من هذا النجاح الذي صنع لي جماهيرية لا يمكنني إنكارها، ورغم سعيى الدائم لتقديم أعمال تليفزيونية فإنني مع الأسف حاولت مرارا ولكني لم أجد نفس النجاح الذي حققته في الضوء الشارد، فقد خضت تجربتين بعده، وهما مسلسلي (وجع البعاد) و(جحا المصري) ورغم أن العملين رائعان، فإن الناس في الشوارع ظلت تناديني ب(فرحة) ولم يتذكروا اسمي في أي من المسلسلين السابق ذكرهما، وفي الوقت الذي سعدت فيه بتذكرهم للضوء الشارد شعرت ببعض الحزن لأن معنى ذلك أنني أخفقت في مسح اسم فرحة باسم آخر، وهذا يعني أن نجاحي بعد فرحة أقل بكثير وهو ما أزعجني». وتتفق منى زكي هنا مع ممدوح عبد العليم، الذي وافق على المشاركة فى المسلسل التاريخي «الطارق» رغم اعتذاره عن أدوار تاريخية من قبله، حتى يتمكن من تغيير صورته فى «الضوء الشارد»، حيث كانت لديه رغبة فى كسر سيطرة نجاح «رفيع» بعمل آخر مختلف من حيث الشكل والمضمون وإيجاد نجاح من نوع آخر، وفقًا لتصريحاته لجريدة الشرق الأوسط. وهناك الكثيرون الذيم وقعوا فى غرام «فارس» وحزنوا لوفاته، ولكن ما لا يعلمه البعض أن الفنان محمد رياض كان لا يرغب فى أن يموت بمسلسل «الضوء الشارد»، وحاول مرارًا وتكرارًا مع المخرج مجدي أبو عميرة لتغيير نهايته ويستمر الدور طوال الأحداث لكن الأخير رفض، ومع ذلك يعتبر «رياض» أن «فارس» من أحب الأدوار إلى قلبه. «وهبي السوالمي» -الفنان يوسف شعبان-، «الحاجة ونيسة» -الفنانة سميحة أيوب-، «عم غزال» -الفنان جمال إسماعيل-، «رئيسة» -الفنانة سلوى خطاب-، «نجاة» -الفنانة سمية الخشاب-، تلك التوليفة التي قدمها السيناريست محمد صفاء عامر، عاكسًا الصراع الطبقي بين الإقطاعيين القدامى (عائلة العزايزة) وطبقة الملاك الجدد (عائلة السوالم) الذين كانوا أجراء فيما مضى، ويعد «عامر» أحد أساتذة كتابة الدراما الصعيدية فى مصر، لدخوله فى أعماقهم ولم ينصب تركيزه فقط على قضية الثأر، وعن ذلك يقول: «عندما أكتب عن الصعيد، أكتب عنه من الداخل بصفتى صعيديا». كانت هناك فكرة مطروحة قبل 9 سنوات، وتحديدًا عام 2009، بين الثلاثي الفنان ممدوح عبد العليم، المخرج مجدي أبو عميرة والمؤلف محمد صفاء عامر، خاصة بتقديم جزء ثانٍ من المسلسل، الذي حقق نجاحًا منقطع النظير، ولا تزال نسب مشاهدته تتزداد مع إعادة عرضه فى كل مرة على شاشة التليفزيون، وكان «رفيع العزايزي» واثقا من نجاح الجزء الجديد بسبب حب الجمهور الشديد للعمل. وحينها صرح محمد صفاء عامر بأن قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري وافق على الجزء الثاني ورصد ميزانية ضخمة من أجل تنفيذه، وأن هذا الجزء سيشهد تغييرات كبيرة فى الأحداث، ولكن التصريح الصادم حينها أن الفنانة منى زكي رفضت المشاركة فى «الضوء الشارد 2»، لذلك تم إلغاء شخصية «فرحة» من الأحداث بدلًا من إسنادها إلى فنانة أخرى، ويبدو أن هناك أسبابا حالت دون خروج هذا العمل، دعونا نتوقع معكم أن الكثير من المشاركين فى هذا العمل عام 1998، أصبحوا نجومًا فربما صغر حجم الدور كان سببًا فى عدم قبولهم المشاركة فيه، مثل: سمية الخشاب والتى كان ينتظر ردها مؤلف المسلسل، وكان ينوى فرد مساحة أكبر لدورها بعد أن أصبحت نجمة ولها اسمها. فى النهاية، رحل «رفيع بيه العزايزي» تاركًا لنا «الضوء الشارد»، الذى يحمل كواليس مشوقة وقعت خلف الكاميرا، لا يزال المشاهدون يهتمون بمعرفتها، نظرًا لعشقهم للشخصيات التى قدمها المسلسل.