محرم فؤاد.. صوت النيل، الحنجرة الذهبية التي عبّرت عن شخصيتها الفريدة في الغناء، وجعلت صاحبها يحفر اسمه وسط عمالقة جيله، بدأ نشاطه الفني في خمسينيات القرن الماضي، وسجل حضورًا قويًا في الساحة الغنائية، التي كانت تعج آنذاك بالكبار، أمثال السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وغيرهم، ولكن اختلافه في الجمع ما بين الغناء الكلاسيكي العاطفي والشعبي جعل تواجده بارزًا، فرحل تاركًا من ورائه مئات الأغنيات، وعددا من الأعمال السينمائية، التي لا نزال نتذكرها. النشأة هو محرم حسين أحمد علي، المولود في 25 يونيو بحي بولاق بالقاهرة عام 1934، ينتمي لأسرة صعيدية ولأب يعمل مهندسًا في السكة الحديد، اكتشف موهبته وهو في الرابعة من عمره، انتقل وأسرته لحي شبرا والتحق بمدرسة السبتية، حيث شجعه معلميه على تنمية موهبته، لكن والده رفض عمله بالمجال الفني، وبعد وفاة الأب، وكان الابن لا يزال في الحادية عشرة من عمره، عمل لفترة كمغن في الموالد والأفراح، قبل أن يتقدم للاختبار في الإذاعة المصرية، وأُجيز كمطرب فيها. المشوار الفني نقطة انطلاقته الحقيقية كانت نهاية الخمسينيات، عندما قدّمه صديقه المطرب ماهر العطار للمخرج هنري بركات والمؤلف عبد الرحمن الخميسي، ليُقدّماه كمغامرة بطلًا سينمائيًا بديلًا لعبد الحليم حافظ، الذي رفض أن يُقدم دور "المغنواتي" في فيلم "حسن ونعيمة" أمام السندريلا سعاد حسني عام 1959، ليُحقق الشاب نجاحًا كبيرًا. بعد انطلاقته القوية توقع له الجميع أن يكون منافسًا للعندليب على زعامة الأغنية في مصر، فهو صوت جميل وصاحب إحساس عال وأداء تمثيلي جيد، وظل الجميع يترقب صعوده، ولكن هذا لم يتحقق، خاصةً بعدما كرر عدة تجارب سينمائية لم تحقق نجاحا كبيرا، ما أثر في نجوميته في عالم الغناء. شارك محرم في العام التالي لانطلاقته بفيلمي "لحن السعادة، وداعًا يا حب"، ثم شارك بعدها في 11 فيلمًا كممثل ومطرب، وأيضًا كمؤلف ومنتج، حيث قام بتأليف فيلم "ولدت من جديد" 1965، وشارك في إنتاج فيلمي "عشاق الحياة" 1971، و"الملكة وأنا" 1975، ومن أبرز أفلامه أيضًا "عتاب، العيش والملح، حكاية غرام، شباب طائش، نصف عذراء، سلاسل". محرم كان يجمع ما بين الغناء الكلاسيكي العاطفي والشعبي، فصوته كان يحمل جينات شعبية صرفة، ولكن في البداية كانت اختياراته تميل للجانب الكلاسيكي العاطفي في الكلمات، رغم أن الملحنين أمثال محمد الموجي كانوا يصنعون ألحانا تليق على صوته ذي المسحة الشعبية، وبعد فترة انتقل إلى تلك المنطقة التي حقق فيها نجاحًا وقدّم فيها أغاني خالدة. غنى نحو 300 أغنية وأكثر من 200 أنشودة وطنية، ومن أشهر أغنياته "غدارين، رمش عينه، والنبي لنكيد العزال، يا واحشني، تعب القلوب" وغيرها، وكانت آخر أغانيه "بحبك يا شبرا" قبل وفاته بعام. زيجاته في سجل محرم الزوجي والأسريّ سبع زيجات، الأولى كانت من الراقصة تحية كاريوكا، حينما أقنعها بإنهاء إضرابها عن الزواج، والذى استمر ثلاث سنوات حين التقى بها عام 1959، فكان بذلك الزوج رقم 11 في حياتها، وتزوجا لمدة قصيرة، وبعد انفصالهما تزوج من سيدة أجنبية لم يمكث معها كثيرًا، ثم جمعته قصة حب كانت حديث الأوساط الفنية حينها، مع اللبنانية ماجدة بيضون، دفعتهما للزواج، وأنجب منها طفله الوحيد "طارق"، إلا أنهما انفصلا عقب شائعات طاردت الزوج حول علاقته بالفنانة ميرفت أمين والتي قيل إنهما تزوجا سرًا، وفي عام 1975 تزوج من ملكة جمال الكون اللبنانية بعدما اشتركا معًا في فيلم "الملكة وأنا"، وفي نهاية الثمانينيات تزوج من الفنانة عايدة رياض واستمرا معًا 13 عامًا ابعدها خلالهم 7 أعوام عن الفن، حتى انفصلا بعد اتهامها في قضية آداب شهيرة، وتعد المذيعة التليفزيونية منى هلال آخر زيجاته وبقيت معه حتى وفاته. علاقته بالسندريلا كانت تجمعه علاقة قوية بالنجمة الراحلة سعاد حسني، نظرًا لارتباط بداية نجاحهما معًا وبطولتهما الأولى في "حسن ونعيمة"، ومن المواقف البارزة بينهما، أنه في أثناء تلقي السندريلا للعلاج في لندن في أواخر أيامها، فوجئت بزيارة محرم فؤاد لها، وعندما دخل المطرب الراحل إلى غرفتها لم يستطع التعرف عليها، خاصةً أنه كان قد ازداد وزنها وبدت عليها ملامح الكبر والشيب، وحينها توجه بسؤال صادم للسندريلا: "فين سعاد حسني؟"، فأدركت أن محرم لم يعرفها، فبكت وقالت: "أنا نعيمة يا حسن"، وهذه الواقعة كانت سببًا لها في أن لا تُفكر في العودة إلى مصر بعدما تغيّرت ملامحهما، حتى رحلت في ظروف غامضة بالخارج. آراء صادمة ُعرف عن الراحل صراحته وآراءه الصادمة أحيانًا، وفي حوار له قُبيل وفاته مع الإعلامي عمرو أديب، ببرنامج "القاهرة اليوم"، ذكر أن المطرب هاني شاكر "لا يصلح إلا لغناء الأطفال"، وأن الفنان علي الحجار "ينفع قائد للكورال". الرحيل إثر إصابته بأزمة قلبية بعد صراع مرير مع مرض القصور الكلوي الذي اضطره إلى إجراء عملية غسل الكلى مرتين في الأسبوع؛ رحل محرم فؤاد في 27 يونيو 2002، عن عمر يناهز 68 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا محفورًا في ذاكرة الغناء والسينما في مصر.