صدر حديثا العدد 116 يناير- مارس 2018 من المجلة الفصلية "علم النفس" التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتورة آمال كمال، متضمنا ملفا خاصا عن الدكتور قدرى حفنى، أستاذ علم النفس، ومستشار تحرير المجلة، بعنوان "مسيرة عطاء". كان الموت قد غيب الدكتور قدرى حفنى قبل أيام؛ عن ثمانين عامًا إلا أشهرا ثلاثة، وهو أحد رواد علم النفس السياسى، وقد ترك دراسات وكتابات متفردة فى مجال تحليل الشخصية الإسرائيلية، مستخدماً تقنية الدراسة عن بعد، مستعينًا بما كتب ونُشر عن الإسرائيليين من مقالات ودراسات وروايات. ولد، حفنى، فى الثالث عشر من أغسطس عام 1938، حصل على ليسانس آداب، قسم علم النفس من جامعة عين شمس، ثم الماجستير عام 1971، والدكتوراه بعد ثلاث سنوات، عام 1974. وشغل أستاذ علم النفس السياسى، مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربى، وأسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، وعمل مستشارًا لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، ومثَّل مصر فى الملتقى الأوروبى العربى بإسبانيا، وشارك فى مؤتمر مدريد للسلام فى العام 1991، بجانب مشاركته فى العديد من الفعاليات العربية والدولية. وأسس، حفنى، وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاسرائيلية بمركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1974 - 1977، وأسس وتولى رئاسة وحدة البحوث النفسية بالمجلس الأعلى للسكان وتنظيم الأسرة 1972 - 1977، وعمل مستشارًا لمنظمة اليونيسيف بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة بدولة البحرين 1977-1979، وعضو لجنة علم النفس والتربية، المجلس الأعلى للثقافة والفنون 1981 – 2000، وشارك فى إدارة بحث "رؤى الصراع"، الذى أجرته جامعة نيويورك، 1981 – 1982. اهتم الدكتور قدرى حفنى بدراسة الشخصية الإسرائيلية عن بعد، وهو نوع من الدراسة يُعمل به عندما يكون التواصل مع الطرف الآخر غير متاح، وهو ما حدث مع حفنى، حيث لم يكن باستطاعته أن يذهب لإسرائيل ليدرس الشخصية الإسرائيلية عن قرب، فاعتمد على الوثائق والدراسات وكتب الأدب، حتى وصل إلى إنجازات مهمة جدًا فى هذا المجال، عبر عنها بوضوح فى كتابه المهم "تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية". ساهم قدرى حفنى أيضًا فى ترجمة مشتركة مع لطفى فطيم وفرج أحمد فرج، لكتاب فى غاية الأهمية اسمه "نظريات الشخصية" وهو كتاب متفرد فى موضوعه ومنهجه. أصدر الدكتور قدرى حفنى كتابات ودراسات وترجمات مهمة، منها: "دراسة فى الشخصية الإسرائيلية.. الأشكنازيم"، "التفسير النفسى للتاريخ" 1970، "نشأة علم النفس" 1970، "الدراسات النفسية بين التشابه والاختلاف" 1970، "علم النفس الصناعى والصراع الطبقى" 1971، "تجسيد الوهم.. دراسة سيكولوجية للشخصية الإسرائيلية" 1971، "المراهقة.. هل هى أزمة" 1972، "دراسة تجريبية لأثر الجمود الإدراكى والجمود الحركى على التعرض للإصابات فى الصناعة". حصل، قدرى، على جائزة الدولة التشجيعية فى علم النفس 1972، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1973، وجائزة زيور للعلوم النفسية، مركز الدراسات النفسية والنفسية - الجسدية، لبنان، 2004، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، 2000، فيما قامت جامعة عين شمس بإصدار أطروحتى الماجستير والدكتوراه ضمن مطبوعات الجامعة التى يجرى تبادلها بين الجامعات. فى الملف الخاص تنشر المجلة حوارا أجراه الدكتور خالد عبد الغنى من الراحل الكبير، تحت عنوان "حوار مفتوح مع العالم والإنسان قدرى حفنى"، ننقل جزءا مما ذكره ردا على سؤال عن طفولته: "كان أبى صعيديا فقيرا نزح من قريته ليلتقط رزقه فى المدينة بادئا بالسعى وراء والده بائعا متجولا للفاكهة، وبفضل طفل فقير كفيف اسمه طه حسين مكنه العهد الملكى البائد من استكمال تعليمه، وتبوأ منصب وزير المعارف ليعلن أن التعليم كالماء والهواء، مكرسا مجانية التعليم التى بفضلها استطاع والدى أن يلحقنى بالمدارس الحكومية المجانية، وبفضل ابن موظف بريد بسيط اسمه جمال عبد الناصر التحق بالجيش المصرى ليستولى على السلطة عام 1952 وليقرر استمرار مسيرة طه حسين، فتمتد المجانية للمتفوقين بالجامعة تمكن والدى للمرة الثانية من أن يتيح لى استكمال دراستى الجامعية. لقد عارضت عبد الناصر ونظام حكمه وما زلت أرى في أسلوب حكمه عوارا كبيرا، لكنى لا أستطيع أن أنفى عنه انحيازه للفقراء". وردا على سؤال عن سنوات اعتقاله بتهمة الشيوعية، يذكر: "انتظمت فى الدراسة الجامعية منذ عام 1954 حتى عام 1958 وحصلت على الليسانس الممتازة فى علم النفس من جامعة عين شمس والتحقت بالعمل فى الكفاية الإنتاجية إخصائى نفسى للقياس والتدريب. ودخلت المعتقل مع الحركة الشيوعية عام 1959 وخرجت فى 25 يوليو 1963 من المعتقل ومعسكر التعذيب لأواجه الحياة من جديد بعد ما يقرب من أربع سنوات كان الاعتقال مختلفا آنذاك، لم نكن قد سمعنا عن مؤسسات حقوق الإنسان ولا عن ضرورة العرض على النيابة إلى آخره..". ونشرت المجلة مقالا أخير كتبه الدكتور قدرى حفنى، عنوانه "الإرهاب فى بلادنا"، جاء فيه: "الحرب ضد الإرهاب مصطلح شديد الاتساع، يتوقف معناه على تحديد المتحدث لما يعنيه الإرهاب بالنسبة له. إن من يوصف بالإرهابى قد يوصف من قبل ممارسى ذلك الإرهاب بالبطل الفدائى، ولذلك ينبغى أن نحدد طبيعة ذلك الإرهاب الذى يواجههنا تحديدا دقيقا فمن خلاله نستطيع أن نميز بين حربنا على "هذا الإرهاب"، وحروب سابقة خاضتها أمتنا ضد الفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين، ومن ثم نستطيع أن نحدد توقعاتنا لمسار تلك الحرب واحتمالات نهايتها... أؤكد على أمرين متكاملين: الأمر الأول أن غالبية من يمارسون ذلك الإرهاب إنما هم من أبنائنا؛ والأمر الثانى أن إدارة ذلك الإرهاب تتم بعيدا عن بلادنا، ومن ثم فإن اختزال الأمر كله فى أن ثمة فريقا منا شرد وضل الطريق سوف يخفى عنا تلك الأصابع الممتدة من بعيد تحرك وتمول وتسلح وتكفل غطاء إعلاميا ومأوى آمنا للإرهاب. ومن ناحية أخرى فإن اختزال الأمر فى مجرد مؤامرة أجنبية تستأجر مجموعة من المرتزقة تسعى إلى تدميرنا سوف يجعلنا نغفل مسئوليتنا تربويا وإعلاميا بل وسياسيا عن ترسيخ تربية تخلق التربة الصالحة لانزلاق شبابنا فى غواية ممارسة الإرهاب.