مثل كل أبناء قضيته امتلك الكاتب الفلسطينى إبراهيم نصر الله مشروعا للمقاومة، للدفاع عن أرضه، لإنقاذ الذاكرة الفلسطينية من الضياع والتزييف، فصاحب رواية "حرب الكلب الثانية" التي حصلت مؤخرا على جائزة البوكر العربية للرواية، ولد عام 1952 بمخيم الوحدات في عمان، لعائلة فلسطينية حرمت من أرضها وتاريخها الطويل، ودرس في مدارس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، ثم في معهد معلمي وكالة الغوث، فتركت هذه التجربة الأثر العميق في الطفل "إبراهيم"، وأدرك خلال تلك الفترة أن فلسطين موجودة داخل كل فلسطينى سواء كان قد رآها أو لا، وقد أسهمت هذه التجربة فيما بعد في رسم الخطوط التى سار عليها. امتلك من المواهب الكثير، فهو شاعر بالأساس، ناقد، روائي مصور، امتلك كل الأدوات التي من خلالها يمكن أن يدافع عن وطنه وأرضه، ويرى نفسه في كل هذه الأجناس الإبداعية، وامتلك إصرارا على ألا يجعل كل هذا الفن يفوته، فهو لا يحب أن يكون عابرا كسولا لهذه الفنون فقط. يحب أن يداعبها ويستخدمها في أعماله، ولا تتحول إلى مجرد ديكورات للنص الأدبي ومعماره، بل تتحول في أحيان كثيرة لتصبح جزءا أصيلا منه، كما حدث في روايته (شرفة الهذيان-2005) التي اجتمعت فيها فنون المسرح، الشعر، الفوتوغراف، التشكيل، السيناريو، الخبر الصحفي، الصورة الصحفية، الكاريكاتير، وبالطبع السرد الروائي. كانت بداياته الحقيقية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت الأجواء خلال تلك الفترة تمور بالكثير من الأحداث على الساحة العربية والفلسطينة، وجاءت حرب بيروت، فاكتشف أن الكلمة التي يكتبها قد تكون أقوى من الرصاصة التي يطلقها العدو الصهيوني، وأن الأغنية كوسيلة يمكن من خلالها أن يرسل ما يريد من رسائل وتنتشر وتحدث تغييرا كبيرا في الوعي الجمعي، فكانت البداية مع فرقة "بلدنا" فكانت أغنياته قمرا يضيء حين هبط الظلام على كل شيء، قد شهد النصف الثاني من الثمانينيات ظهور القصيدة الملحمية في تجربته الشعرية، وكان من أبرز تلك القصائد: الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق، الفتى النهر والجنرال، وقصيدة راية القلب ضد الموت، التي تأمل فيها نصر الله الموت من زواياه المختلفة، على الصعيد الفردي والإنساني الواسع، وصولا لقصيدته الملحمية (فضيحة الثعلب) التي كتبها عام 1990. وقدم مجموعة من الدواوين الشعرية والأغاني التى تركت بصمة واضحه في الساحة الثقافية العربية وهي: الخيول على مشارف المدينة عام 1980، نعمان يسترد لونه عام 1984، أناشيد الصباح عام 1984، الفتى والنهر والجنرال عام 1987، عواصف القلب عام 1989، حطب أخضر عام 1991، فضيحة الثعلب عام 1993، شرفات الخريف عام 1996، الموت والموتى عام 1997، بسم الأم والابن عام 1999، مرايا الملائكة 2001، حجرة الناي 2007، لو أنني كنت مايسترو عام 2009. إلى جانب إبداعه الشعري امتلك إبراهيم نصر الله مشروعا روائيا قدم العديد من الروايات منها ما صدر منفردا ومنها ما صدر تابعا لسلسلة، وقد أحدثت روايته الأولى (براري الحُمّى) صدى واسعا، في الوقت الذي عجز فيه آخرون عن استيعابها وفك شفرتها الأدبية، لما بها من تجريب. وفي سلسلة الملهاة الفلسطينية، التى تعتبر من أضخم السلاسل التي كتبت في الوطن العربي، إذ إنها تتحدث عن التاريخ الفلسطيني في أغلب مراحله، قدم نصر الله مجموعة من الروايات التي تطرح كل منها حقبة زمنية معينة من حياة الشعب الفلسطيني ومعاناته، وكل رواية مستقلة بزمنها وشخوصها وأحداثها، وهي: طيور الحذر 1996، طفل، الممحاة 2000، زيتون الشوارع 2002، أعراس آمنة 2004، تحت شمس الضحى 2004، وزمن "الخيول البيضاء" 2007، والتي وصلت إلى قائمة البوكر القصيرة لعام 2009، وقناديل ملك الجليل 2012. و قدم نصر الله في روايته (زمن الخيول البيضاء) ملحمة استثنائية ضمن مشروعه الروائي يتأمل فيها 125 عاما من تاريخ الشعب الفلسطيني برؤية نقدية عميقة ومستويات فنية راقية، انطلاقا من تلك الحقيقة الراسخة التي عمل عليها دائما والتي تقول بأن إيماننا بالقضايا الكبيرة يحتم علينا إيجاد مستويات فنية عالية للتعبير عنها. بعد حصوله على الجائزة كتب نصر الله على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ينتقد بعض القراء الذين يبحثون عن السهل والمباشر وكذلك بعض النقاد، قائلا: ليست الرمزية قائمة في الأدب فقط، بل في كثير من الأشياء التي نرضى بها فرحين، مكتفين من الحصان بصهيله، والشتاءِ بغيمة عابرة، والحريةِ بالأغنية التي تمتدح جمالها يعتز المرء بكل رسالة تصله، لكن بعض الرسائل لا يمكن الاجابة عنها للأسف، كأن يكون السؤال: ماذا تعني بهذا العنوان، هذه الكلمة، هذا المشهد؟ الحقيقة أن الكاتب لا يستطيع أن يُفسر كتبه التي يكتبها، فالتفسير من قبله، عمل ديكتاتوري، يقول فيه للقارئ: افهمني كما فسرتُ لك! وبهذا يغلق مخيلة القارئ، في حين أن العمل الإبداعي، أيا كان نوعه، عمل ديمقراطي، متعدد، بتعدد قارئاته وقرائه.. أما الأكثر إرباكا، فهو حين يسألك باحث أو ناقد السؤال نفسه: ماذا تقصد؟ وبودي دائما أن أجيب: ولماذا تبحث؟ ولكن الخجل يمنعني.