ردد إبراهيم نصر الله في رسالة بعث بها إلى ندوة في رام الله تناقش روايته الأخيرة (زمن الخيول البيضاء) ما قاله على لسان أحد أبطالها أنه لا يقاتل كي ينتصر بل كي لا يضيع حقه. وقال نصر الله في رسالته التي قرأها فتحي البس المدير العام لدار الشروق للنشر والتوزيع في ندوة قدم فيها الكاتب محمود شقير شهادته عن نصر الله فيما عرض الناقد والروائي احمد حرب تحليلا للرواية "ليس ثمة الكثير الذي يمكن أن أقوله لكم هذا المساء (السبت) أكثر مما قلته في زمن الخيول للخيول وما قاله بطل الرواية لي (أنا لا أقاتل كي انتصر بل كي لا يضيع حقي) لم يحدث أن ظلت امة منتصرة إلى الأبد." وأضاف "أنا أخاف شيئا واحدا أن ننكسر إلى الأبد لان الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية قل لهم احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد." وصدرت رواية (زمن الخيول البيضاء) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وتقع في 511 صفحة من القطع الصغير مقسمة إلى ثلاثة كتب الأول بعنوان (الريح) والثاني (التراب) والكتاب الثالث (البشر) تتناول جميعها القضية الفلسطينية من أواخر القرن التاسع عشر وحتى النكبة عام 1948 . ومما قاله نصر الله في رسالته "يحلم الواحد منا بسماء أكثر اتساعا وطريق يؤدي إلى البيت فعلا ونافذة تطل على البحر ومساء حينما يهبط مبكرا لا يشغل قلوب الأمهات وهن ينتظرن أبناءهن." هاجر والدا نصر الله - الذي لم يكن قد ولد بعد فهو من مواليد عام 1956 في مخيم الوحدات بالأردن - من قرية البريج قضاء القدس والتي دمرت فيما بعد مثل مئات التجمعات السكانية الفلسطينية التي دمرت بعد حرب عام 1948 بعد أن رحل أو اجبر على الرحيل ساكنوها ليصحبوا لاجئين إما في وطنهم أو في البلاد العربية. وأضاف في رسالته "منذ زمن طويل وأنا احلم بهذا الحلم الجميل أن أكون بينكم كي تكون حكايتنا لنا وحلمنا لنا وغدنا لنا لكن من المفارقة هنا إن من يريد اقتلاعنا من الغد يعمل بالطريقة نفسها كي يقتلعنا من الماضي... إن حكايتنا التي لا نكتبها تصبح ملكا لأعدائنا... هذا اللقاء أغنية تحرس قلبي من برد المنافي وضياع الجهات هذا المساء عودة الخيول البيضاء إلى الخيول البيضاء." وتابع قائلا في رسالته "بإمكاني الليلة أن أنام مطمئنا فكلماتي هنا وأحلامي التي حلمتها هنا وأنا الذي أصبحت فعلا هنا لن يستطيع أحد أن يعيدني لأي مكان... شكرا لوطن يسترد أبناءه حيثما كانوا ويحررهم من كل ما لايشبه البحر والتراب فيهم." تأتي رواية (زمن الخيول البيضاء) تتويجا لسلسلة روايات بدأها نصر الله برواية (حمى البراري) 1985 و(الأمواج البرية) 1988 و(مجرد 2 فقط) 1993 و(عو) 1995 و(حارس المدينة الضائعة) 1998 و(شرفة الهذيان) 2005 . وقال شقير الذي التقى بنصر الله للمرة الأولى عام 1978 "لم يشأ إبراهيم نصر الله أن يكتب تجربته بأسلوب تقليدي خوفا من تسطيح التجربة وإدخالها في دهاليز الرصد التسجيلي للوقائع فاختار الطريق الأصعب ولكنه الأجدى فنيا المتمثل في كسر انتظام الحكاية التي تنطوي عليها الرواية عبر السرد واللغة الشعرية التي تلمح الى المواقف أكثر مما تشرحها وتكثف المشاهد أكثر مما تستطرد في الأخبار عنها." وأضاف "واختار (نصر الله) أن يدخل في مفارقة دالة حين استعان بجماليات اللغة الشعرية وغناها للتعبير عن قسوة المكان وفقره ولإظهار حجم هذه القسوة وهذا الفقر ناظرا إليهما من زاوية جمالية متعالية عليهما من جهة منصهرة فيهما من جهة أخرى." وينقل شقير عن نصر الله في رده على تساؤلاته حول روايته (حمى البراري) "لم أكن أعتقد أبدا أنني سأكتب رواية غيرها فقد كان الهدف ربما علاج النفس بالكتابة عن تجربة قوية ومؤثرة لا يستوعبها الشعر. تجربة لا تنسى أبدا." ويضيف شقير "والان بعد هذا العدد من الروايات التي اكدت حضور ابراهيم نصر الله في المشهد الروائي العربي يمكنني القول ان بداية فنية ناضجة كهذه ما يمكنها ان تنقطع أو تتوقف وكان من الطبيعي ان يتوالد منها كل هذا الابداع وكل هذا الحضور." وقال حرب في تحليله للرواية "تتميز (زمن الخيول البيضاء) عن سابقاتها أو ربما عن مثيلاتها في الرواية العربية بالاتساع والشمولية في تناولها لتاريخ القضية الفلسطينية من أواخر القرن التاسع عشر وحتى النكبة في عام 1948 ... لتكون في المنتج النهائي رواية ملحمية تتوافر فيها خصائص البناء الروائي الملحمي من الناحيتين الموضوعية والفنّية." وأضاف "في (زمن الخيول البيضاء) المكان هو فلسطين كل فلسطين. تتركّز الأحداث في قرية "الهادية" (وهي قرية متخيلة تقع في وسط فلسطين بالقرب من القدس وللاسم مدلولات مجازية ورمزية مرتبطة بالرؤية الملحمية للتاريخ الفلسطيني) وتمتد جغرافياً وبشرياً إلى يافا وحيفا والقدس والخليل وغزة... والزمان هو الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى عام النكبة 1948 أي أكثر من سبعين عاماً من التاريخ الفلسطيني الحديث." وأوضح حرب أن هذه الفترة زاخرة بالأحداث التاريخية المفصلية في نشوء وتطور القضية الفلسطينية سواء ما يتعلق منها بالصراع الخارجي مع القوى المهيمنة من الأتراك والانجليز والقوى الصهيونية المرتبطة بالاستعمار... أو ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الداخلي الذي كان يتخذ شكل التنافس المدّمر بين الزعامات والقيادات الفلسطينية التقليدية والذي كان يصل إلى درجة الخيانة والتعامل مع العدو والى حد تقويض النسيج الاجتماعي والوطني ما بين الريف والمدينة." وقال "هي بحق رواية صيرورة شعب". وقدم حرب عرضا لأوجه التشابه بين (الإلياذة) لهوميروس ومنها ما تتعرض له قرية الهادية في زمن الخيول البيضاء لحصار مشابه لحصار طروادة وما يلحق بهما من حريق ودمار وموت وتهجير. وقال حرب إن تقسيم الرواية إلى ثلاثة كتب أو أجزاء بعناوين ( الريح ) و(التراب) و(البشر) "وهذا التقسيم يشكل البنية التاريخية والفنيّة والرمزية الأساسية للرواية فمن الناحية التاريخية يغطي كل كتاب مرحلة تاريخية سياسية من تاريخ فلسطين الحديث ...هي على التوالي مرحلة الحكم التركي ومرحلة الانتداب الانجليزي ثم الهجمة الاستعمارية الصهيونية ويتوازى ذلك مع ثلاثة أجيال من البشر من عائلة الحاج محمود في الهادية وهم الحاج محمود والحاج خالد محمود ومحمود الحاج خالد وثلاثة أجيال من الخيول تتمثل في المهرة "الحمامة" وابنتها وحفيدتها". وأضاف "فان الكتب الثلاث تمثل دراما السقوط الفلسطيني التدريجي من الفردوس.." ويأخذ حرب على نصر الله "بأنه يحمّل رمز الخيول أكثر مما يحتمل من الدلالات والمعاني والإيحاءات... " ويشير نصر الله في مقدمة روايته إلى انه أنجز العمل على جمع شهادات شفوية على مدى عشرين عاما وتوجه بالشكر للكتاب الفلسطينيين والعرب "الذين ساهمت مذكراتهم وكتبهم في إضاءة الطريق لي وقد جرى تثبيت أسماء أعمالهم في نهاية الرواية". وتستعد إحدى شركات الإنتاج العربية لإنتاج مسلسل درامي استنادا إلى رواية (زمن الخيول البيضاء) ونقلت صحيفة الدستور الأردنية عن محمد زعيتر المدير التنفيذي لشركة طارق زعيتر وشركائه في الأردن القول "ان مسلسل زمن الخيول البيضاء الذي سبق لها أن أعلنت عن نيتها إنتاجه قد تم التوافق حوله مع المخرج السوري حاتم علي ليكون منتجا منفذا ومشرفا على إنتاجه في العام 2009 ." وأضافت الصحيفة "ليكون (المسلسل) أولى الإنتاجات الدرامية التي تتناول التاريخ الفلسطيني من مرحلة لم يسبق للدراما العربية تناولها لتأتي متزامنة مع إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية . (رويترز)