أحمد رمزي.. عاش محبا للفن ومات كذلك، سطر بحضوره وخطاه نموذج الشاب المفعم بالحياة والمسكون بالشقاوة والمشاكسة، فألهم كثيرين معاني حب السينما وعشق الجسد الممشوق والحضور الأنيق، من خلال تقديم أدوار تمثيلية متجردة من كل ضروب التكلف، أصوله الأسكتلندية أضفت عليه هالة غربية طالما جذبت إليه المعجبات وجعلت منه أيقونة للموضة يُقلده شباب جيله، واشتهر بأدوار الشاب الوسيم، خفيف الظل في العديد من الأفلام الناجحة والبارزة التي أسهمت في تشكيل وجدان السينما المصرية، وساعده في أدواره عشقه وممارسته للرياضة. النشأة هو رمزي محمود بيومي أبو السعود، المولود في 23 مارس عام 1930، لأب يعمل طبيبًا وأم أسكتلندية، وتوفى والده نتيجة أزمة قلبية بعد خسارة كل أمواله في البورصة في يوم واحد عام 1939، وعملت والدته مشرفة على طالبات كلية الطب لتُربي ولديها بمرتبها حتى أصبح ابنها الأكبر "حسن" طبيب عظام على نهج والده، والتحق "أحمد" بمدرسة فيكتوريا وزامل فيها عمر الشريف، ودرس بعد ذلك في كلية الطب ثلاثة أعوام. رحلة مع الرفيق جاء حبه للفن من خلال عمر الشريف الذي ربطته به علاقة صداقة قوية قامت على المحبة منذ أيام الدراسة، واستمرت حتى وفاته، وكان شاهدًا على لحظة مهمة من حياته عندما قرر الزواج من فاتن حمامة، وفي عام 1954، أخبر "الشريف" صديقه أن المخرج يوسف شاهين اختاره ليكون بطل فيلمه الجديد "صراع في الوادي"، إلا أن "رمزي" صُدم عندما ذهب الدور في نهاية المطاف إلى "عمر" نفسه، لكن الحلم ظل يراوده بلعب دور سينمائي يوم ما، وعندما أسند "شاهين" دور البطولة الثانية في نفس العام لعمر الشريف في فيلم "شيطان الصحراء"، ذهب "رمزي" مع صديقه وانضم إلى عمال التصوير حتى يكون قريبًا من جو معشوقته السينما. بداية المشوار ذات ليلة، وبينما كان "رمزي" يجلس في صالة البلياردو كعادته، لمحه المخرج حلمي حليم الذي لفت نظره سلوكه وتعبيراته، فعرض عليه العمل معه في السينما وأسند له أول دور بطولة في فيلم "أيامنا الحلوة " في عام 1955، مع صديقه، الذي شجعّه، وزوجته والوجه الجديد وقتها عبد الحليم حافظ، ومع بداية مشواره الفني ترك الطب ودرس في كلية التجارة، لكنه لم يكمل تعليمه فيها أيضًا بسبب ولعه بعالم السينما والرياضة. أعماله "الجان" انطلق وبدأت رحلته الفنية، وقدّم خلال الفترة من 1956 وحتى 1974 أكثر من 60 فيلمًا منها: "صراع في المينا" أمام رشدي أباظة وهند رستم، "أين عمري" أمام يحيي شاهين وماجدة وزكي رستم، "لا تطفئ الشمس" أمام فاتن حمامة ونادية لطفي وشكري سرحان، "لن أعترف" أمام فاتن حمامة وأحمد مظهر، "القلب له أحكام" أمام فاتن حمامة، "ودعت حبك" أمام فريد الأطرش وشادية، "الأخ الكبير" أمام فريد شوقي وهند رستم، "رجل بلا قلب" أمام يحيى شاهين وهند رستم وزهرة العلا، "النظارة السوداء" أمام نادية لطفي وأحمد مظهر، "عائلة زيزي" أمام سعاد حسني وفؤاد المهنس، "السبع بنات" أمام حسين رياض ونادية لطفي وزيزي البدراوي وعبد السلام النابلسي، "شلة المراهقين" أمام ميرفت أمين ومريم فخر الدين وعماد حمدي، "غرام تلميذة" أمام نجلاء فتحي وسهير البابلي، "الأبطال" أمام فريد شوقي، "العمالقة" أمام ناهد شريف وبوسي وسمير صبري، و"الأحضان الدافئة" أمام زبيدة ثروت وسمير غانم، كما قدّم عددًا من الأفلام الناجحة مع إسماعيل ياسين منها، "إسماعيل يس في الأسطول، إسماعيل يس في دمشق، ابن حميدو". وكان أجره فى الخمسينيات من القرن الماضي من أعلى الأجور بين كبار النجوم من أمثال شكري سرحان ورشدى أباظة وعمر الشريف، حيث كان يتقاضى عن الفيلم الواحد 400 جنيه، وكان أول من حصل على أجر 800 جنيه عن فيلم "غريبة" أول أفلام نجاة الصغيرة، عام 1958، ورغم أن المنتج رمسيس نجيب رفض هذا الأجر، فإن المخرج أحمد بدرخان أقنعه بأنه الوحيد الذي يصلح للدور، فوافق مضطرًا. الفراق والعودة وتسببت واقعة فيلم "صراع في الميناء"، عام 1956، في قطيعة دامت 8 سنوات بين "رمزي والشريف"، حيث إن غيرة "عمر" على "فاتن"، بعد كذبة مساعد المخرج الراحل يوسف شاهين، تسببت في قيامه بضرب "أحمد" بقوة لدرجة جعلته يتراجع تجاه مياه الميناء الملوثة بمخلفات السفن من الديزل، واندهش الجميع من هذا التصرف، خاصة أن "الشريف" أخذ الزوجة وترك موقع التصوير بعد انتهاء تصوير المشهد مباشرة، ورفض "عمر" مشاركة صديقه أي أعمال سينمائية لسنوات بعد هذا الموقف، حيث طلب عاطف سالم من "الشريف" أن يقوم بالدور الأول في فيلم "إحنا التلامذة"، عام 1959، أمام شكري سرحان وأحمد رمزي، لكنه اعترض وطلب يوسف فخر الدين ورفضت فاتن القيام بالدور الأول، في الفيلم واختيرت زيزي البدراوي بدلاً منها، وظلت القطيعة حتى تقابل الصديقان في عيد ميلاد ابنة الفنان صلاح ذو الفقار، وتصافحا، بعد أن كان كل منهما عرف الحقيقة، وأراد "عمر" الاعتذار ل"رمزي" بطريقته، فقام بالتنازل عن دور البطولة ل"رمزي" في فيلم "حكاية العمر كله" أمام فاتن حمامة وفريد الأطرش، عام 1979. نهاية الرحلة.. والصديق قدّم "رمزي" خلال مشواره الفني 111 عملًا سينمائيًا، يتميز معظمها بأدوار الشاب الوسيم خفيف الظل، وفي عام 1975 قدّم فيلمي "جنون الشباب"، و"الحب تحت المطر" مع ميرفت أمين، ثم قرر الابتعاد عدة سنوات حتى عاد من خلال فيلم "حكاية وراء كل باب"، ثم غاب مجددًا ولكنه أطال هذه المرة، وعاد إلى السينما عام 1995 من خلال فيلم "قط الصحراء" أمام لاعب الكونغ فو يوسف منصور، ثم شارك بعده في عام 2000 في فيلم "الوردة الحمراء" أمام يسرا ومصطفى فهمي وإخراج إيناس الدغيدي، وفي نفس العام مسلسل "وجه القمر"، وفي عام 2007 قدّم مسلسل "حنان وحنين" من أجل عيون رفيق دربه "عمر"، وفق تصريحاته، ومن جانبه أراد "الشريف" مشاركة "رمزي" في المسلسل لرغبته في حصوله على أجر كبير، لأنه كان يشعر بأن العمل هو الأخير في حياة "رمزي"، وهو ما حدث بالفعل، ودفع "عمر" من جيبه الخاص 150 ألف جنيه إضافية على أجر "أحمد" في المسلسل لمساعدته دون أن يعرف. الزواج وبعكس ما توقع الجميع عن "الولد الشقي" الذي أُغرمت به الكثير من الفتيات، تزوج ثلاث مرات فقط، الزيجة الأولى له كانت عام 1956 من عطية الدرملي، وأنجب منها ابنته "باكينام"، وكانت من عائلة أرستقراطية وكان زواجًا بسيطًا في كل شيء حتى لم يقم له حفلًا، ولكنه لم يستمر بسبب غيرة الزوجة الشديدة على "الجان". نجوى فؤاد.. «طبّل» لها حليم وتزوجها «رمزي» ولم تنجب لهذا السبب والزواج الثاني من الفنانة نجوى فؤاد واستمر 17 يومًا فقط، وكانت أقصر زيجاتها، وقال "رمزي" لمجلة "الموعد" إنه وافق على الزواج منها حفاظا على سمعتها، بينما هي قالت إنه "كان على خلاف مع زوجته أثناء فيلم (جواز في خطر)، عام 1963، وعرض عليَّ الزواج فوافقت على الفور، وعقب الزواج سافرت لأمريكا لإحياء حفل وحينما عُدت وجدته عاد لزوجته فانفصلنا". أما زيجته الثالثة فكانت من المحامية اليونانية نيكولا، وكان تعارفه عليها من خلال والدها الذي كان يعمل محاميا أحبها كثيرًا وأقر أنه قد اختار الزوجة الصحيحة، أنجب منها ابنته نائلة، وابنه نواف، الذي وُلد مصابًا بإعاقة ذهنية، وهو يتعلم ويعيش مع والدته في لندن، واستمر زواجه بها حتى الرحيل. رحيل الجان وإثر جلطة دماغية حادة؛ توفي أحمد رمزي في منزله بمنطقة الساحل الشمالي يوم 28 سبتمبر 2012 عن عمر ناهز 82 عامًا، وفي أواخر أيامه كان لا يلتقي من الفنانين إلا النجم أحمد السقا الذي كان يعتبر "رمزي" والده الروحي، وقبل ثلاثة أعوام من الوفاة، قدما معًا قصة حياة "رمزي" من خلال برنامج حمل اسم "الأستاذ والتلميذ" وأخرجه نبيل عبد النعيم، وأدخله "السقا" إلى مدفنه بيده. أحمد السقا.. «فارس» السينما الذي تسول بأمريكا وطُرد من «التحرير» لم يعلم عمر الشريف بوفاة أحمد رمزي إلا بعد يومين، لأنه لم يجرؤ أحد على إبلاغه بالخبر، حيث كان وقتها في فرنسا، ونقل إليه ابنه "طارق" الخبر، وصرّح "الشريف" وقتها إنه لن يعود مرة أخرى إلى مصر بعد وفاة "رمزي"، لأنه لم يعد هناك شيء يعود من أجله، مضيفًا: "رمزي كان حتة مني، هو صديق العمر الأكثر وفاءً وإخلاصًا، ورحيله قطم ظهري". تفاصيل الوفاة روتها ابنته الكبرى "باكينام"، في تصريحات صحفية، وقالت: «استيقظ كعادته في السّاعة الثانية عشرة ظهرًا، وخرج من حجرة النوم متوجّها إلى الحمّام، نادى على "عبد الله" الذي يرافقه منذ أكثر من 40 عامًا طالبًا منه إعداد الإفطار، عندما دخل الحمّام شعر بالدوران، فسقط على الأرض، أحسّ خادمه بأنّ شيئًا ما وقع، فنادى عليه يا أستاذ رمزي، ردّ عليه بصوت مخنوق "الحقني يا عبد الله"، لم يستطع عبد الله أن يرفعه من على الأرض، فنادى جاره في الفيلا التي بجواره، وهي فيلا الراحل صالح سليم، صديق عمر والدي، ويسكن فيها دائمًا، نجله الأكبر خالد سليم الذي سمع صوت الخادم، فجرى بسرعة، وكان عبد الله قد طلب الإسعاف، فرفع خالد والدي من على أرض الحمّام، وحاول أن يُجلسه على الكنبة، فيما كان صوت والدي خافتًا للغاية، وقال له: "أنا مش قادر أتحرّك يا خالد"، جاءت الإسعاف، وحملت والدي، وأثناء سيرها باتجاه مستشفى العلمين، كانت روح والدي قد صعدت إلى بارئها، ولم يحضر جنازة أبي أحد حتّى صديقته هند رستم، فقد كان يقول: الحزن في القلب فقط، والذي يذهب لتقديم العزاء يكون هدفه التصوير، لذلك سارع إلى شراء مدفن في سيدي عبد الرحمن، بالقرب من البدو وأهل السّاحل الشماليّ الذين كانوا يعشقونه ويخدمونه، لذلك لم يُشارك في تشييع جنازته سوى أهل السّاحل الشماليّ وخالد صالح سليم وأحمد السّقا وطارق عمر الشريف، بالنيابة عن والده الذي هو مريض في فرنسا»، ورحل "الجان" بعد أن ترك حضورًا استثنائيًا في تاريخ السينما المصرية.