أسعار الخضروات اليوم السبت 6-7-2024 في المنيا    سعر الدولار اليوم السبت 6-7-2024 في البنوك مقابل الجنيه المصري    أيمن الجميل: نجاح المشروعات الزراعية الجديدة بالأراضى الصحراوية يفتح الباب لمضاعفة الرقعة الزراعية    الإصلاحي مسعود بزشكيان يفوز بانتخابات الرئاسة الإيرانية    مصدر بحماس: المحادثات بشأن المحتجزين الإسرائيليين تبدأ خلال 16 يوما بعد المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار    بايدن: لا أحد مؤهل للفوز في الانتخابات الرئاسية أكثر مني    إلغاء مباراة بالدوري لسبب طارئ.. جدول مواعيد مبارايات اليوم والقنوات الناقلة    بدء امتحان الكيمياء والجغرافيا لطلاب الثانوية العامة    تفتيش طلاب الثانوية العامة بالعصا الإلكترونية قبل السماح لهم بدخول اللجان    «الأرصاد»: انخفاض طفيف في درجات الحرارة.. والعظمى بالقاهرة 35 درجة    تفتيش طلاب الثانوية العامة قبل امتحان مادتي الكيمياء والجغرافيا    73 مليون دولار ل«Despicable Me 4» في أول 48 ساعة بدور العرض السينمائي    «تأثير الحزن».. جمال شعبان يوضح سبب وفاة أحمد رفعت    شاهد.. أخر لقاء قبل وفاة أحمد رفعت (فيديو)    البابا تواضروس الثاني يترأس القداس الإلهي وسيامة آباء كهنة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية    محافظ سوهاج الجديد لم يدخل مكتبه.. استهل عمله ببحث تطوير المنطقة الأثرية بأخميم    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»| اليوم    ضبط شقيق عصام صاصا لاتهامه في تزوير توكيل قضية بالهرم    عاجل.. الزمالك يرد على أنباء حرمانه من الجماهير أمام الأهلي بالسوبر الأفريقي    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    هيثم عرابي ينعى أحمد رفعت لاعب مودرن سبورت    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    15مليون جنيه تحسم مصير «أوباما» مع الزمالك    حكم النحر عند شراء سيارة أو بناء منزل جديد.. فرض أم بدعة؟    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    رئيس وزراء بريطانيا الجديد يتخذ أول قراراته: إلغاء قانون رواندا    بكام الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 6 يوليو 2024    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    مؤلف ففرقة العمال المصرية: أمضيت 7 سنوات في توثيق مشاركة نصف مليون مصري في الحرب العالمية الأولى    وزير الثقافة الأسبق: دار الوثائق القومية تعرضت لهجوم من الإخوان    أبرز تصريحات بايدن في أول مقابلة بعد مناظرته أمام ترامب    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في المالديف    توفيت في حادث سير.. من هي لونا الشبل مستشارة بشار الأسد؟    وزير التربية والتعليم يوضح أهم التحديات التي تواجه الوزارة    تشكيل فنزويلا الرسمي ضد كندا في كوبا أميركا 2024    قوات الدفاع الجوي الأوكرانية تسقط 4 صواريخ روسية موجهة شرقي البلاد    محمد حماقي يحيي حفل كامل العدد في بورسعيد.. صور    6 أعمال احرص على فعلها قبل صلاة الفجر.. تغفر ذنوبك وتوسع رزقك    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 "عاااجل" الدور الأول عبر بوابة التعليم الفني برقم الجلوس    عبد الرحيم علي يهنئ ماجد موسى بقرار مد خدمته رئيسًا لجمارك مطار القاهرة    مصرع شخصين وإصابة 7 في حادثي سير بالمنيا    حظك اليوم برج العذراء السبت 6-7-2024، على الصعيدين المهني والعاطفي    اتهام محامِ شهير بالتعدي على «فتاة» داخل مكتبه في الهرم (تفاصيل)    قرار من وزير التربية والتعليم الجديد بشأن الثانوية العامة    بعد دقائق.. ثروت سويلم ينفي نفسه بسبب الأهلي وبيراميدز (فيديو)    قصة تاريخ العام الهجري الجديد.. داعية يوضح    رأس السنة الهجرية 1446.. أجمل التهاني والأدعية    الغرفة التجارية: لا يوجد أي مؤشر لانخفاض أسعار السيارات في السوق    يقلل الاكتئاب ويحسن صحة العقل.. فوائد مذهلة للحليب الذهبي    تحمي القلب وتعزز الإبداع.. 7 فوائد صحية لنوم القيلولة يوميا    مرض أسماء جلال تسبب في خسارة وزنها خلال أيام قليلة.. تحذير من هذه الأعراض    الأنبا إغناطيوس برزي: الأسرار المقدسة منها خمسة عمومية    «خلينا ندي الفرصة للناس تشتغل».. مصطفى بكري بعد تشكيل الحكومة الجديدة    حزب الله: بهذه الصواريخ قصفنا مستوطنة مرجليوت    قداسة البابا فرنسيس يبعث برسالة إلى شباب مؤتمر اللاتين بمصر    «هنمنع عنكم طائرات الأباتشي».. نبيل فهمي يكشف تهديد أوباما بعد ثورة 30 يونيو (فيديو)    أكثر من قرن.. حزب العمال البريطانى من النشأة إلى السلطة    الصحة العالمية تحذر من مادة مسرطنة يستخدمها الملايين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر تحقيق «أجهزة قياس السكر.. موت على نفقة الدولة» بعد فوزه بجائزة مصطفى وعلي أمين
نشر في التحرير يوم 04 - 03 - 2018

- 7 حالات رصدها مُعد التحقيق على مدى 6 أسابيع بين الحياة والموت بسبب الجهاز
- توزيع أكثر من 100 ألف جهاز و150 ألف شريط تحليل سنويًّا على الأطفال من مرضى السكري
- التأمين الصحي يتعاقد على أجهزة وشرائط تحليل للسكر توزع على الطلبة وتُعرضهم للإصابة ب«الصرع وفقد البصر»
-جميع أجهزة قياس السكر في السوق غير مُسجلة.. و«الصحة»: نعتمد على شهادات الجودة في «الدول المعتمدة»
شعرت الطفلة الصغيرة رنا سعيد، صاحبة السنوات الثلاث بهبوط حاد رفع من درجة حرارتها، ودخلت في شبه غيبوبة ووقعت على الأرض فاقدة الوعي، هنا انتفضت الأم الثلاثينية واستدعت طبيب الأطفال القريب لتشخيص حالتها وإعطائها العلاج المناسب، فكشف عليها وأعطاها بداية "حقنة" لخفض حرارتها العالية، وأجرى لها تحليلا عشوائيا لقياس السكر والضغط، وأخبر الأم: "بنتك عندها السكر".
لم تصدق الأم كلام طبيب الباطنة، فأجرت لها تحليلا آخر أكثر دقة في مختبر طبي خارجي، فكانت النتيجة قريبة من سابقتها، معدل الجلوكوز في دم طفلتها الصغيرة يتجاوز نسبة الخطر ويسجل 400 ملجم، لأول مرة، فسارعت بها إلى المستشفى، وتم حجزها داخل وحدة الغدد الصماء والسكر بأبو الريش للأطفال.
ثلاثة أسابيع كاملة قضتها الأم داخل غرفة العزل الصحي بالمستشفى حتى استقرت حالة طفلتها الصحية، وغادرت مستشفى التأمين الصحي بخطى سريعة، وهنا بدأت رحلة المعاناة في البيت، فجهاز القياس الذي في حجم قبضة اليد وحصلت عليه من صديقتها المُصاب نجلها بالمرض ذاته لا يُعطي نتائج دقيقة عند القياس، ويُصيب الصغيرة بهبوط حاد ونوبات إعياء وأوجاع متكررة لا يتحملها جسدها الضعيف، نتيجة زيادة جُرعة الأنسولين التي تُحقن بها في كل مرة.
داخل غرفة العزل
الأم لم تكن تقوى على ثمن أقلام حقن السكر "اللانتوس" التي تجاوزت المائة وخمسين جنيهًا عقب ارتفاع سعر الدولار وزيادة تسعيرة الدواء في يناير الماضي، وأيضًا لا تتحمل مصروفات الصيدلية العالية، حيث تقيس لابنتها السكر 3 أو 4 مرات يوميا بواقع (6 جنيهات في كل مرة).
كما لا تملك ثمن شراء جهاز قياس السكر من الخارج، حيث يتراوح سعره ما بين 200 و500 جنيه، بالإضافة إلى شرائط التحليل الخاصة بها، التي يصل سعر العبوة الواحدة منها لأكثر من 250 جنيهًا.
وحين تقدمت بطلب لعيادة التأمين التابعة لها للحصول على جهاز قياس خاص بطفلتها، تأخر حصولها عليه لأكثر من 3 أشهر نتيجة نقص الشرائط الخاصة بالتحليل.
عفوًا.. الحالة «Hi»
بعد أن حصلت الأم على الجهاز بصعوبة بدأت مجددًا رحلة المعاناة في الحصول على شرائط التحليل، من الطراز ذاته "Free style" واستغرق الأمر كذلك أكثر من 70 يوما، للفوز ب"منحة التأمين لأطفال مصر"، كما تحب أن تُذكرها دومًا الطبيبة بعيادة أطفال مصر التي تتحكم في عملية دخول وخروج من يسعى للحصول على الجهاز بمقابل مادي محدد، وهو ما سجلناه برفقة أحد أهالي المرضى المتضررين من "جهاز التأمين".
أيام قليلة مرت على استعمال الجهاز الذي كثيرا ما يتصدر شاشته الصغيرة حرفا "Hi" اختصارًا لكلمة مرتفعة "high"، في البداية طمأنت الأم نفسها بعبارة: "عادي ممكن يكون خطأ مني في الاستعمال، فأعادت تشغيل الجهاز مرة ثانية وأخذت عينة دم أخرى من "رنا" ووضعتها على الشريط المُلحق، واختبرته بالجهاز فجاءت النتيجة كسابقتها بفارق يتجاوز 50 ملجم، وهو ما يتسبب في دخول ابنتها في "غيبوبة سكر" نتيجة الارتفاع المفاجئ لمعدلات الجلوكوز في الدم.
في تلك اللحظات كانت الأم تُعطي طفلتها جُرعة زائدة من الأنسولين المائي "Actrapid"، ظنًا منها أن هذا سوف يُقلل من معدلات السكر المرتفعة لديها، ولكنها سرعان ما تُفاجأ بابنتها تهبط أكثر ويصيبها الإعياء المتواصل ونوبات الهبوط المتكررة لساعات طويلة حتى تدخل الصغيرة في نوبة بكاء هيستيرية من فرط جرعة الأنسولين الزائدة التي حقنتها الأم بها، بناء على قراءات جهاز "التأمين" ولم يقو جسدها الصغير على تحملها.
بدأ الشك يساور قلب الأم في كذب قراءات الجهاز، فأجرت لها تحليلًا جديدًا من خلال جهاز آخر أكثر دقة أعطاها إياه أحد الأشخاص، فاكتشفت وجود فروق كبيرة بين قراءات الجهازين تتراوح ما بين 50 و100 ملجم، وبالقياس والمقارنة بين جهازي التأمين والصيدلية و"المختبر الطبي" جاءت النتيجة متغيرة في التحاليل الثلاثة، حيث سجل جهاز التأمين من طراز "Free style optium" قراءة 125 ملجم، بينما ارتفعت النسبة قليلا في جهاز الصيدلية "aqua Check" إلى 239 ملجم، في حين خرجت نتيجة تحليل المختبر "صائم" من نفس عينة الدم 225 ملجم، بفارق 100 ملجم عن "التأمين" و14 ملجم عن الجهاز الأمريكي.
على الفور تجنبت الأم استعمال جهاز "التأمين" لعدة أيام، واعتمدت على جهاز الصيدلية، حتى لا تعرض حياة طفلتها الوحيدة للخطر، ونظرًا للتكلفة العالية التي تتحملها يوميا، اتجهت الأم إلى طبيبة التأمين لتشكو لها ما حدث، وتطلب منها جهازا بديلا، بقولها: "الجهاز بيخرف مني وبيديني نتايج غلط ومش مظبوطة وغيرت الحجارة وبرضه لسه بايظ"، فردت عليها الطبيبة المختصة في عيادة التأمين المكتظة بالمرضى: "مش ذنبنا إنه باظ منكم، واحمدوا ربنا إننا بنديكم الجهاز والشرايط دول ببلاش، دي منحة جاية لنا من برة، ولو عاوزين شرائط تانية كويسة اشتروها من برة، وهو ده اللي عندنا لو كان عاجبكم".
مرة أخرى عادت الأم من التأمين بخفي حُنين بعد أن ذهبت لتحصل على شرائط التحليل فئة "50 شريط"، التي تتسلمها كل شهرين، ولا تكاد تكفي ابنتها أكثر من 3 أسابيع، حتى تنتظر مواعيد الدفعة المقبلة التي تطول كل مرة، وفي المرة الأخيرة قبل أيام حين سألتهم عن أسباب التأخير أخبرتها طبيبة عيادة التأمين أن "سعر الدولار ارتفع وفيه مشاكل كتير في الاستيراد"، فردت عليه والدة رنا في ضيق: "أنا مالي ومال الدولار.. أنا عاوزة الشرايط دي لبنتي وجهاز جديد أقيس لها بيه".
تقول والدة رنا: "لما الشرايط دي خلصت كنت عاملة زي العامية، وكل شوية أجري بيها على الصيدلية وساعات مايكونش معايا فلوس، وسكرها يكون عالي جدا أروح أديها أنسولين مائي بزيادة دون تحليل بمعدل 30 أو 40 وحدة، وأسيبها تلعب وتتحرك علشان ينزل، وفجأة ألاقيها بتصوّت وتتمرمغ في الأرض وتضغط على أسنانها من كتر الوجع، ومش بأقدر أفتحها لها إلا بصعوبة وتحصل لها تشنجات عصبية مرة واحدة، زي واحد عنده صرع.. ودلوقتي بتاخد جلسات كهربا على المخ".
الدموع تغلب الأم الثلاثينية، فتبكي بحرقة وهي تحمل طفلتها على يديها وتغادر عيادة التأمين الصحي، وتحكي جانبًا من معاناتها اليومية، فتقول: "من ساعة المرض ما جالها وإحنا رأسنا في وسط عنينا وتقريبا مش بننام، بسبب الأمراض التي حصلت لها بسبب السكر في أقل من سنتين من تعب في الكُلى ومشاكل في القولون وأزمات في القلب وهبوط طول الوقت، ونظرها ابتدى يروح وكل شوية يُغمى عليها وتترمي مني في الأرض وصحتها بتضيع مني يوم بعد التاني بسبب الحاجات الكتير الغلط اللي بتاخدها.. ده مايرضيش ربنا".
مستشفى الأطفال الجامعي التخصصي
هاربون من الموت إلى شبه حياة
لم تكن حالة رنا هي الوحيدة التي رصدها مُعد التحقيق على مدى 6 أسابيع، مدة عمر هذا التحقيق ممن تعرضوا لانتكاسات حادة بسبب قراءة جهاز قياس السكر غير الدقيقة، حيث تدهورت صحة 7 حالات أخرى مشابهة بعد شهور قليلة من اكتشاف المرض، عبر عينة عشوائية على الأطفال المرضى في 4 محافظات مصرية داخل عيادات "قطور، مبرة المحلة، طنطا" بمحافظة الغربية و"ابن سينا والنصر للتأمين" بحلوان، و"المطرية وأطفال مصر وأبو الريش" بالقاهرة، وعيادة ناصر الشاملة التابعة لمستشفى النيل للتأمين الصحي بالقليوبية.
داخل غرفة عيادة التأمين الصحي بقطور1
ففي الوقت الذي دخلت فيه الطفلة الصغيرة رنا في نوبات صرع تهدد حياتها، تخضع الطفلة منة الله حسيب، حاليا لجلسات كهرباء بسبب قراءات الجهاز الخاطئة بعيادة أطفال مصر، كما تسببت زيادة جُرعات الأنسولين في إصابة الطالب مهند عصام، بقرحة في المعدة وقصور شديد في وظائف الكلى تسببت في احتجازه بوحدة الغدد الصماء والسكر بمستشفى أبو الريش، بينما أصيبت نانسي محمد كمال بضعف تام في بصرها دفع ذويها لتركيب نظارة طبية لها بعد 3 سنوات من تناول علاج السكر.
كما تعاني سوسن من غيبوبة سكر متكررة تؤثر سلبًا على قدرتها على الحركة، فيما تعاني الطفلة سارة صبري حاليًا من مشكلات في القلب وزيادة في معدلات الشرايين التاجية.
عدد كبير من الطلاب، الذين التقاهم معد التحقيق كانوا يسجلون نتائج عالية لمعدلات الجلوكوز في الدم تصل في بعض الأحيان إلى 600 ملجم، وكثيرا ما تظهر لهم على الشاشة عبارة "High" بأول حرفين عند القياس، ومن ثم تعطيهم الأمهات جُرعات أنسولين مائي زائدة لمعادلة ذلك الارتفاع المفاجئ يُطلقون عليها "المُعادل أو جرعة التصحيح"، ولكن في غالبية الحالات كانوا يفاجؤون بتعرض ذويهم لأعراض انخفاض السكر ويدخلون في غيبوبة سكر ونوبات هبوط حادة تتكرر معهم من حين لآخر.
حدث ذلك مع 7 حالات في المحافظات الأربع، وكانت نتائج القياس عبر "جهاز وشرائط التأمين" صادمة، بالمقارنة بالنتائج المعملية الدقيقة، حيث تراوح الفارق بينهما من (40 -100) ملجم، وهو ما يتعدى المعايير المسموح بها دوليا.
عبر القياس في أكثر من معمل خارجي تمكنا من القيام بإجراء ثلاثة تحاليل مختلفة لنسبة السكر في الدم في نفس الوقت، لأكثر من حالة، أحدها عبر أشرطة التحليل بجهاز القياس التقريبي الخاص بالتأمين، والآخر عبر جهاز بشرائط أخرى، والتحليل الأخير في مختبر طبي للتأكد من مدى صلاحية الشرائط وجودة الجهاز، خاصة بعد التفاوت الكبير في قراءات الجهاز لأكثر من حالة مرضية خلال الساعة الواحدة.
بعد لحظات من القياس والتحليل جاءت النتيجة صادمة عبر المقارنة، حيث إن نتائج تلك الأجهزة "optium" تختلف عند استعمال شرائط التحليل الموزعة على المريض من قبل هيئة التأمين الصحي بالفرع التابع له، عن النتيجة التي تخرج عبر استخدام نفس الأشرطة الموجودة لدى الطبيب بالتحليل من خلال جهاز قياس آخر، فضلا عن النتيجة الثالثة الصادرة من المختبرات الطبية الخارجية لعدد من الحالات التي أجرينا لها التحليل في مختبرات طبية مختلفة، وكذلك الشرائط التي توزع عليهم كانت تُعطي نتائج عالية غير دقيقة وبفارق كبير للغاية عن النسبة الأصلية.
نتائج القياس تخالف المعايير الدولية
جرعات أنسولين زائدة تساوي أمراضًا إضافية
عدد من استشاري الغُدد الصماء وأطباء السكر أكدوا خطورة تلك القراءات غير الدقيقة لأجهزة قياس السكر التي يتعاقد عليها التأمين الصحي مع الشركات الخاصة والتي تصل في بعض الأحيان إلى الإصابة بالعمى والجلطات القلبية والصدمات الدماغية والشلل، وتتسبب في حدوث الوفاة.
مريض السكر يحتاج إلى 3 مراحل من أجل التأكد من دقة جهاز القياس وشرائط التحليل المستخدمة من عدمه، حسب الدكتور طارق العريني، أستاذ مساعد بطب المنيا، استشاري الباطنة والسكر والكلى بالتأمين الصحي، بداية من تحليله للسكر التراكمي الذي يتم كل 3 أشهر، بالإضافة إلى تحليل الصائم والفاطر الذي يُجرى داخل معمل طبي، وصولًا للقراءات المنزلية التي تتم على مدى اليوم داخل البيوت للمتابعة الدورية من قبل المرضى وذويهم.
يقول العريني: "حينما تكون القراءات غير دقيقة حسب تعبيره فإن المريض وأهله يضاعفون من جُرعة الأنسولين المستعملة دون حاجة طبية إليها، مما يتسبب في حدوث مضاعفات جسيمة للمريض أخطر من السكري ينتج عنها نوبات هبوط متكررة تصل إلى غيبوبة سُكر، وهي عبارة عن نوعين، بالزيادة أو النقصان لمعدلات الجلوكوز في الدم التي قد ينتج عنها تشنجات عصبية وإن لم تعالج جيدا تنتهي بحدوث الوفاة".
مقارنة بين ال 7 حالات
كما تؤثر أجهزة القياس غير الدقيقة وشرائط التحليل منتهية الصلاحية أو المغشوشة والفاسدة على قرار الطبيب والمريض، لأنها تضللهما وتتسبب في مضاعفات خطيرة يحددها العريني بأنها غالبا ما تبدأ في إصابة المريض بقصور شديد في وظائف الكلى، وهو ما يُطلقون عليه ب"اعتلال الكلى السكري"، بالإضافة إلى زيادة معدلات حدوث التهابات الأعصاب الطرفية وقصور الدورة الدموية الطرفية الذي قد ينتهي "بالقدم السكرية" وخطر بتر القدم نتيجة حدوث الغرغرينا، وصولًا إلى تزايد مضاعفات السكر على العين واعتلال الشبكية الذي ينتهي في معظم الأحوال بفقدان البصر بصورة كلية.
وعلى مستوى الشرايين قد يحدث تصلب الشرايين التاجية للقلب وتصلب الشرايين الدماغية في ظل استمرار كذب القراءات، حسب تعبير العريني، دون الانتباه لخطورة ذلك، الأمر الذي ينتهي في معظم الأحوال بالجلطات القلبية والصدمات الدماغية والشلل على الترتيب.
منة الله
الدكتورة منى سالم، أستاذ طب الأطفال بطب عين شمس أوضحت أن عدم معايرة وبرمجة وتكويد تلك الأجهزة من قبل الشركات الموردة بصفة دورية حتى لا تفسد، يعد "جريمة" تدخل تحت باب "الغش التجاري"، فضلًا عن عدم توعية المرضى والأمهات بتغيير "حجارة" الأجهزة لأطفالهن وفحص الأشرطة جيدا قبل الاستخدام، والتوجه من حين لآخر للمستشفى للتحليل المعملي الدقيق للتأكد من صحة تلك الشرائط وتحليل الدم في مُختبرات ومعامل طبية أكثر دقة، حتى لا يصاب المريض بمضاعفات غيبوبة السكر التي تؤدي في بعض الأحوال للوفاة.
«تخريف» أجهزة القياس
وحول الأسباب التي تؤدي لخلل بنتائج أجهزة القياس وتسببها في مضاعفات عكسية لمريض السكر، أوضح الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ طب الأطفال والغدد الصماء بجامعة طنطا أن هيئة التأمين غالبًا ما تُعلن عن مناقصات جديدة للتعاقد على أجهزة وشرائط التحليل الخاصة بمرضى السكري، وتقدم الهيئة عروضًا مختلفة تتقدم إليها شركات توزيع الأدوية، ولكن الهيئة حسب تعبيره لا تختار سوى عرض من اثنين: إما جودته أقل أو "ضارب تاريخ" والاثنين أسوأ من بعضهما البعض، وهو ما يتسبب في "تخريف" تلك الأجهزة والتسبب في مضاعفات خطيرة بعد تعاطي جرعات أنسولين زائدة، وبالتالي فلا يكون أمام المريض إلا أن "يلجأ إلى الله وحده".
الدكتور ياسر صديق، فني تحاليل طبية كان له رأي مختلف بشأن الأجهزة الموجودة في المعامل الطبية الخاصة بالقياس، حيث تكون مزودة بخاصية شديدة التقنية تُخرج نتيجة التحليل في أقل من 30 ثانية، حيث يتم أخذ العينة من المريض بالسكر لفصل مشتقات الدم، ويتم الاختبار على ما يطلقون عليه ال sirum أو "البلازما" وكرات الدم التي يوجد بها الدم نفسه، وبالتالي تخرج النتيجة مضبوطة، بينما الجهاز القديم الذي يستعمله جميع مرضى التأمين الصحي لو بطاريته ضعيفة بحسب تعبيره يُظهر لنا نسبة سكر عالية جدا ولو كمية الدم كبيرة نفس الشيء، وبالتالي فإن تلك الأجهزة تصبح كارثية على مرضى السكري، على حد قوله.
الدكتور إبراهيم عمارة، أستاذ التحاليل الطبية بالمعهد القومي للسكر قال إن معايرة تلك الأجهزة تتم بطريقتين، الأولى عبر المعايرة الأصلية للجهاز كل شهرين من خلال أنابيب ومحاليل للمعايرة خاصة بالشركة الموردة ونسبة الخطأ في قراءات تلك الأجهزة لا تتعدى 2.5%، أما الطريقة الثانية فتتم عبر المعايرة الذاتية التي يقوم بها المريض بنفسه في المنزل بصورة يومية عبر القياس أو ما يسمى ب"standard" المكتوب تركيزه الثابت عليه، ويتم القياس به بدلا من دم المريض لمعايرة الجهاز به والمفروض ألا تزيد على 5% على أقصى تقدير.
أستاذ التحاليل الطبية بالمعهد القومي للسكر
وأكد عمارة أن عدم توزيع شركات الأدوية محاليل جودة لمعايرة أجهزة القياس بصورة دورية، وفي ظل غياب ثقافة الوعي الصحي لدى غالبية المرضى، كثيرًا ما يقع المرضى ضحية نصب لتلك الشركات التي توزع عليهم أجهزة طبية بلا محلول جودة "Quality control"، وهي عينة معروفة التركيز يتم توزيعها مع جهاز القياس المُستخدم للتأكد من مدى دقة قراءاته من عدمه داخل البيوت.
بعض الشركات تُعطي مستوى واحدا فقط عند القياس "high" وهذا خطأ تقني في التصنيع، حسب تعبيره، لأن النتائج التي تخرج في المحتوى أو المستوى العالي تكون مضبوطة، ولكن ماذا عن النتائج والقراءات في المحتوى الأقل؟
وأضاف أستاذ التحاليل الطبية بالمعهد القومي للسكر أن غالبية شرائط التحليل تكون أكثر عُرضة للهواء بسبب طريقة الحفظ السيئة وفتحها دون استعمال مما يعرضها "للأكسدة" التي ترفع من نتائج القياس وتسجل قراءات عالية، يترتب عليها تناول جُرعات أنسولين زائدة، فضلا عن أن غالبية مرضى السكر يقيسون معدلات الجلوكوز في الدم بناءً على أول نقطة من عينة الدم التي تكون أكثر عرضة للتلوث والهواء يؤثر على القراءات سلبًا.
وأشار عمارة إلى أنه في الوقت ذاته نطلب من المريض تحليل نسبة هيموجلوبين السكر، مضيفا: "لو افترضنا أن النتيجة طلعت فوق 20% مثلا وهي نسبة غريبة، واكتشفنا أن النسبة دي متكررة مع 10/20 حالة، في هذه الحالة يتم إجراء تحليل في معمل خارجي، وإن استمرت القراءات على ما هي عليه يتم وقف الجهاز تماما حتى تأتي شركة الصيانة وتعيد برمجته ومعايرته من جديد أو إعدامه بالاتفاق مع وزارة الصحة والسكان".
2016-12-22 12
يا موت مين يشتريك
المفاجأة التي توصلنا إليها في أثناء إعداد هذا التحقيق كانت في تداول نحو 28 جهازا لقياس السكر بالسوق المحلية غير مُسجلة لدى وزارة الصحة، وتكتفي الوزارة بشهادات الجودة الأوروبية والأمريكية، وهو ما وصفه محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية المصرية ب"الفشل الذريع" في إدارة منظومة الصحة.
وأضاف إسماعيل: "ماعندناش منظومة صحية في مصر ومافيش أي مواصفات قياسية مصرية لأي منتج أو مستلزم طبي باستثناء السرنجات، وهي مواصفات قديمة أيضا مأخوذة من المواصفات الأوروبية منذ عام 1986".
غالبية شركات الدواء الموردة لتلك الأجهزة القياسية الخاصة بمرضى السكري تكتفي بالحصول على شهادتي المواصفات القياسية المُعتمدة من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وعلامة الجودة الأوروبية (C.E Marking Approval) المُعتمدة من قبل دول الاتحاد الأوروبي.
وأوضح إسماعيل أن الشركات الدولية التي كانت تمنح تلك الشهادات المعتمدة وعددها 12 شركة حول العالم، بعد أن كانت تطلب 3200 دولار لاستخراج تلك الشهادات المعتمدة، وصل سعرها اليوم إلى أكثر من 60 ألف دولار حتى تحولت صحة المريض إلى "بزنس"، ومن ثم لا بد من سرعة إنشاء هيئة مصرية مختصة للغذاء والدواء كما هو الحال في السعودية لاعتماد تلك الأجهزة ووضع المواصفات القياسية الخاصة بهذه المنتجات التي تمس صحة المواطن المصري.
شهادات الجودة من «الدول المرجعية»
حين واجهنا الدكتورة رشا زيادة، رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة اعتذرت عن المقابلة أكثر من مرة، واكتفت بالرد الهاتفي، وأوضحت أن حصول تلك الأجهزة على شهادات الاعتماد والجودة من "FDA" و"ISO" و"C.E" هو نوع من أنواع التسجيل التي تحصل عليه من أجل الإفراج الجمركي، وهذا يعني أن هذا المنتج تسري عليه الإجراءات الخاصة بإصدار المواصفات المطلوبة من قبل هيئة الاعتماد والجودة التابعة لوزارة الصناعة التي لديها كود بمواصفات كل المنتجات الموجودة بالسوق المصرية حسب المتطلبات ونوعيات الأجهزة والمستلزمات الطبية المستوردة.
وقالت زيادة: "هناك أجهزة نكتفي فقط برؤية شهاداتها، لأنها تأتي من دول مرجعية، منها أجهزة السكر، وهناك أجهزة الموجات فوق الصوتية والرعاية نطلب فيها شهادات أخرى".
وأضافت: "في حالة دخول أجهزة قياس للسكر أو منتجات أخرى مخالفة لمواصفات هيئة المواصفات والجودة، يتم فتح التحقيقات في ذلك، وتعتمد الوزارة في منح تلك الأجهزة للاعتماد والجودة على التأكد من ثلاث نقاط جوهرية، بداية من أوراق تلك الأجهزة التي تؤكد تداولها بالخارج، مرورًا بالمطابقة للمواصفات القياسية الخاصة بالأيزو، وصولًا للاعتماد من FDA وC.E الخاصة بجودة التصنيع المعتمدة عالميا".
"فيه دول كتير بتعمل نفس الإجراءات بتاعتنا دي، يعني إحنا مش مخترعينها طالما عندنا جهة رقابية سليمة بتراقب المستلزمات الطبية المستوردة اللي فيه جزء منها يُراقب بالكامل وجزء تاني ما بيبقاش فيه إجراءات، ومع ذلك كلنا بنعاني من الأجهزة المهربة"، هكذا ردت مدير الإدارة المركزية لشئون الصيدلة على سؤال مُعد التحقيق حول عدم تسجيلها بالوزارة، مؤكدة أن الاعتماد فقط على تلك الشهادات والتداول في الدول المرجعية، وفيما يخص الأجهزة التي بها خلل تقول زيادة إنه من المفترض أن تُرسل تلك الشركات بيانا بها ويتم بعد ذلك اتخاذ إجراءات الإعدام بالتنسيق مع إدارة الصيدلة.
فاكسيرا
«فاكسيرا» تنسحب.. ودخول موزعين جدد
خلال التواصل مع شركات الأدوية الموزعة لأجهزة القياس بالتعاقد مع الهيئة العامة للتأمين الصحي، اكتشفنا دخول مستوردين جُدد على خط التوزيع إلى جانب الشركة الرئيسة التي تتعاقد معها الهيئة منذ عشرات السنين، وهي الشركة القابضة للمصل واللقاح "Vacsera"، التي توقفت عن استيراد تلك الأجهزة وتوزيعها، وهما شركتا "Multipharma" التابعة لرجل الأعمال الدكتور أحمد العزبي، رئيس غرفة صناعة الدواء، وصاحب سلاسل صيدليات "العزبي"، والذي دخل مؤخرًا على خط توزيع تلك الأجهزة وشرائط التحليل على الصيدليات والمستشفيات التابعة للتأمين الصحي منذ مناقصة إبريل قبل الماضي، بالإضافة إلى شركة "رامكو فارم" لتجارة وتوزيع الأدوية، وكلاء شركة "Abbott"الأمريكية المُصنعة لتلك الأجهزة والشرائط والمتعاقدة مع التأمين وتورد له الشرائط والأجهزة الخاصة بمرضى السكري منذ أكثر من 8 سنوات.
"الأجهزة والشرايط دي جات علينا بالخسارة وبطلنا توزيعها منذ أكتر من سنتين لعدم توافر السيولة المالية الكافية".. هكذا جاء تعليق الدكتورة منال نور، العضو المنتدب للشركة المصرية لخدمات نقل الدم، إحدى شركات "فاكسيرا" لتُلقي بالكرة في ملعب "مالتي فارما".
نتائج متضاربة عند القياس
داخل مبنى جانبي على مقربة من مركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في مساكن الشيراتون بمدينة نصر يقع مقر شركة "Multi Pharma" للأدوية، الوكيل الحصري الحالي لتوزيع شرائط التحليل وأجهزة القياس على مرضى السكر بالعيادات التابعة للتأمين الصحي، التقينا بالدكتور هيثم عامر، مدير المبيعات بالشركة، الذي أوضح أن بداية التعاقد مع التأمين كان في شهر إبريل الماضي بعد المناقصة الأخيرة التي رسيت على "Multi Pharma"، أحد وكلاء شركة "Abbott" بنحو 150 ألف عبوة شرائط لتحليل السكر (50 شريطا/ عبوة) وتوريد الأجهزة حسب الطلب.
"من المفترض أن تكون هناك جهة طبية مختصة تحدد لنا إذا كان الجهاز يعطي قراءات خاطئة أم لا، مثلما يحدث مع التموين الطبي.. لكن حتى الآن لم تأتني شكوى واحدة من أي جهة".. بهذه العبارات نفى زميله الدكتور محمد حسن، مدير المبيعات بالشركة وجود أي أزمات خاصة بجهاز القياس الذي توزعه الشركة بالمجان ضمن المسئولية الاجتماعية المنوطة بالشركة، وذلك بالاتفاق مع "Abbott"، مضيفًا: "عندما يطلب التأمين أجهزة جديدة نورد له ب(أورنيك) علاج، وفي حالة وجود أي مشكلات في قراءات الجهاز تتحمله الشركة وتقوم بعمل معايرة له (control soluation) أو تستبدله بجهاز آخر".
«أبوت»: أعدمنا 500 جهاز قياس في عامين
راسلنا الشركة الأمريكية "Abbott"، بداية عبر البريد الإلكتروني، باعتبارها المُصنع الرئيسي لتلك الأجهزة والشرائط التي يتعاقد التأمين معها طوال 8 سنوات كاملة، ولكن دون إفادة، فاتصلنا بالرقم الخاص بالمكتب العلمي لها في القاهرة، وحددنا موعدا مع المسئول المختص عن الشرائط والأجهزة الخاصة بالسكر لمواجهته بما توصلنا إليه.
مكتب شركة أبوت بالتجمع الخامس
داخل مبنى شاهق بحي التجمع الخامس في القاهرة الجديدة تابع لشركة "مايكروسوفت" يقع مقر مكتب الدعم العلمي للشركة على مساحة 3 أدوار، التقينا الدكتور عمرو يوسف، مدير المبيعات بفرع الشركة الأمريكية بالقاهرة، الذي أوضح أن الشركة حين تكتشف وجود أي خلل في قراءات أجهزة قياس السكر عند استخدامها بما ينتج عنه مضاعفات خطيرة تتسبب في وقوع حالات وفاة يتم استبدالها وإعدامها في الرقابة الدوائية بمعرفة وزارة الصحة.
وقال يوسف إن 75% من مشكلات تلك الأجهزة يكون سببها الشخص الذي يقوم بالقياس، في حين أن 25% تقع على عاتق الشركة، التي تكون غالبًا بسبب الشرائط نتيجة التلوث أو الرطوبة أو وضع الشريط بصورة خاطئة، على حد قوله.
وأضاف عند تكرار ذلك يؤكد مدير مبيعات "أبوت" أن الشركة تصل إلى "الباتش" وهي علامة مميزة لهذه الأجهزة التي أصابها الخلل ويتم سحبها من السوق، تمهيدًا لحصرها وإعدامها والتي تُستخدم مع أشرطة "فري ستايل"، حرصًا من الشركة على سلامة الإجراءات المُتبعة وضمان مستويات الأمان للمستهلك.
وأشار يوسف إلى أنه يتم الإعدام بالتنسيق مع الإدارة المركزية لشئون الصيدلة والدواء عبر مفرمة الرقابة الدوائية من خلال رقم سري للجهاز "serial number" ثم تغليفه في أكياس حظر بيولوجي Bio Hazard للتأكد أنها غير صالحة للاستعمال، ويتم إعطاؤهم محاضر بذلك وخلال العامين الماضيين تم إعدام نحو 500 جهاز قياس من أصل 100 ألف جهاز من طراز "فري ستايل أوبتيوم".
"إحنا عندنا جهازين لقياس السكر، وماليش أي تعاقدات مباشرة مع مصر، ولكن تعاقدي يكون من خلال وكيل خاص بي منذ عام 2009 وفي كل مناقصة التأمين الصحي بيعمل فحص فني لها ويجربوه في عياداتهم ويسجلوا القراءات المختلفة، والمناقصة الأخيرة كان داخل فيها 16 شركة أدوية رسيت على مالتي فارما".. هكذا اختتم يوسف حديثه بعد أن أوضح أن الأيزو حين تقوم بمعايرة تلك الأجهزة تكون باختبار ما لا يقل عن 15 ألف جهاز قياس للسكر تُعطي قراءات تزيد على 20%، موضحًا أن "العيب ليس في الجهاز لأنه مجرد قارئ كهرباء والمسألة كلها في الشرائط".
وأضاف أن الشركة الأمريكية وزعت نحو 100 ألف جهاز لمرضى السكري ب"التأمين" على مدى 6 سنوات مجانًا، وثمن الجهاز الواحد لا يقل عن 300 جنيه بإجمالي 28 مليونًا.
إعدام الأجهزة الفاسدة
الدكتور علي حجازي، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي أكد خلال اتصال هاتفي أن أطباء التأمين يعلمون الأطفال وأمهاتهم كيفية معايرة جهاز القياس في المنزل في حالة حدوث أي خطأ به من كثرة الاستعمال، وداخل كل عبوة شرائط يوجد بها شريط تتم المعايرة من خلاله، على حد قوله.
الأطفال المرضى
وأوضح حجازي أن جهاز "فري ستايل" لا يُكلف الهيئة جنيهًا واحدًا، ولكن التكلفة الأكبر على التأمين تحدث في حالة ما إذا كان "الجهاز فاسدا" قائلًا إن: "الأزمة بتحصل لما هياخدوا جرعات أنسولين زائدة، وبالتالي يحصلهم مضاعفات، واللي هيعالجهم عيادات ومستشفيات التأمين، ولو ثبت ذلك بالمعايرة يُسحب فورًا من السوق ويُسلم إلى الشركة لإعدامه في هيئة الرقابة الدوائية"، وبالتالي فإن وجود أي خلل في تلك الأجهزة والشرائط معناه سحب لموارد الهيئة واستنزاف لأموال التأمين الصحي في مصر.
الخطأ وارد
لاحقًا اتجهنا إلى الطرف الرئيسي في القضية الذي تجري كل الممارسات والمناقصات والتعاقدات بأمره وبإشرافه المباشر، والمتمثل في الإدارة المركزية للتموين الطبي والصيدليات الكائنة بشارع الأهرام، فرع مصر الجديدة.
"شغالين في الشرائط والأجهزة دي من أكتر من 20 سنة، ومافيش مريض واحد اشتكى لنا منها والخطأ وارد".. بهذه العبارات أرجعت الدكتور ليلى السيد، مدير الإدارة المركزية للتموين الطبي والصيدليات الخلل في تلك الأجهزة الذي يكون سببه المواطنين نتيجة سوء الاستعمال أو عدم توعيتهم بالقدر الكافي على تشغيل تلك الأجهزة أو سقوطها من قبل الأطفال، وبالتالي تأثير كل ذلك على القراءات.
وحول التعاقد على مدى السنوات التسع الماضية مع شركة واحدة "Abbott" دون غيرها لتوريد شرائط التحليل وأجهزة القياس الخاصة بمرض السكري ذكرت السيد أن تلك العملية تكون مطروحة عبر مناقصة عامة منشورة في الجرائد وترسى من قبل الهيئة العامة للتأمين الصحي على الشركة المُطابقة للمواصفات القياسية الواردة ضمن كراسة الشروط، وكذلك السعر المُخفض ضمن أكثر من 16 عرضا، وتكون الكمية المطلوبة من أجهزة القياس مكتوبة على أمر التوريد الخاص بالأشرطة والتي تُحدد كم جهازا نحتاج إليه ولا يتم تحديد عددها إلا بعد التوريد.
أطفال على قوائم التأمين
ومن جانبها أكدت الدكتورة رجاء مصطفى عبد الحميد، مدير عام إدارة التموين الطبي والصيدليات، فرع القاهرة أنه في ظل العجز الجاري يتم السحب في الوقت الحالي من مناقصة برلين من خلال إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة التي تختص بالتوريد والتوزيع على الشركات، خاصة بعد وجود عجز كبير في شرائط التحليل المتاحة لدى التأمين الصحي.
المناقصة الأخيرة التي دخلت فيها الهيئة كانت في منتصف مارس قبل الماضي وتستمر لمدة عامين، ومن خلالها استوردت الهيئة نحو 150 ألف عبوة "شرائط" لتحليل السكر من طراز "فري ستايل" "فئة 50" شريطا، حسب عبد الحميد.
وأوضحت مدير عام إدارة التموين الطبي والصيدليات: "إحنا استهلاكنا عالي جدا ومحتاجين كميات كبيرة والأجهزة ما أقدرش أحددها إلا إذا دخلت خدمة ولو المريض لسه جديد بنوزع عليه جهاز دون مقابل، ولو عنده واحد وحصل به خلل أو سجل نتائج غير مضبوطة، المفروض يروح بيه للشركة تعايره أو تعيد برمجته أو تغيره له، وأنا كتأمين صحي مش بأجيب غير نوع واحد من الأجهزة الخاصة بقياس السكر اللي عندي في المناقصة والمعروف ب"فري ستايل أوبتيوم".
الثقافة هي السبب
"أنا من 3 شهور ماعنديش أجهزة قياس للسكر، والهيئة مجرد وسيط بين الشركات والمرضى ونوفر لهم الأشرطة دي بالمجان، ولو في مشاكل في المعايرة بيرجع للشركة مش لينا".. هكذا قالت الدكتورة راوية لاشين، مساعد رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي وبعبارات مقتضبة نفت أي مسئولية للتأمين الصحي عن وقوع أخطاء وصفها استشاريو الغدد الصماء والسكر ب"القاتلة"، لما يقرب من 500 ألف طفل مصاب السكر في مصر يتعاملون مع التأمين الصحي.
وأضافت لاشين: "كل ما في الأمر أن التأمين يُشخص ويُعطي العلاج فقط ويتسلم أشرطة تحليل السكر من قبل الهيئة، ولا يمكن أن تكون هناك شكاوى متكررة من تلك الأجهزة وشرائطها دون أن تصل لمديري العيادات بالفروع المختلفة".
العناية المركزة
مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر
وحول تسبب قراءات تلك الأجهزة الكاذبة في إصابة مرضى السكر بمضاعفات، أوضحت لاشين أنه لا علاقة بين هذه الأجهزة والتسبب في وقوع أمراض لهم، قائلة: "هذا الموضوع ليس له أي أساس من الصحة أو المصداقية العلمية، ف"مريض السكر اللي سكره بيرتفع بيروح في غيبوبة على أقصى تقدير، وبيطلع الأسيتون عنده عالي، ولكن لا يصاحبه أبدا حدوث تشنجات أو يتسبب في إصابته بصرع".
وأضافت "إذا افترضنا حدوث ذلك فلا بد من تغيير المعايرة، والطالب اللي بيتابع معايا لازم يحصل له بداية تحليل دم وفي إخصائيين اجتماع وأغذية وجلدية بيفهموا الأمهات إزاي يتعاملوا مع المريض في البيت، وكون الأم تعتمد على جهاز مش مضبوط دي مسئوليتها لوحدها، وبعدين مش لازم المريض يقيس سكره كل 3 ساعات، ومش كل واحد عنده سكر بالضرورة يعتمد على الجهاز، في ظل انتشار عيادات التأمين التي لا تترك مريض السكر إلا بعد تظبيط معدلاته بنسبة 100%، إحنا عاوزين ثقافة توعية جديدة للأمهات وفي الأول والآخر إحنا بنعاني من ثقافة لازم تتغير".
جهاز بديل دون إبر عبر ال«واي فاي»
"بعيدًا عن وخز الأصابع وأخذ عينات الدم عند كل تحليل بصورة تستنزف المرضى وشرائط التحليل التي تكون عُرضة للرطوبة والتلوث في معظم الأوقات، اعتمدت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) قبل عامين جهازا جديدا من إنتاج شركة (Free style libre) الأمريكية، لقياس السكر دون وخز إبر أو أخذ عينة دم عند كل تحليل وقارئ قابل للشحن، وتخزن البيانات لمدة تصل إلى أكثر من شهر، حيث تُلصق الشريحة خلف ذراع المريض لمدة 14 يوما تتمكن من تخزين آخر 8 ساعات، بمعدل قراءة كل 5 دقائق"، حسب تصريحات الدكتور إبراهيم عمارة، أستاذ التحاليل الطبية بالمعهد القومي للسكر.
وقال عمارة إن تلك النوعيات الحديثة من الشرائط التي تعتمد على ال(sensor) الحساس في القياس، مثل شرائط (free style libre) بدلا من تلك التي تعتمد على الألوان التي كثيرا ما تؤثر على طبيعة القراءة.
مستشفى أطفال مصر
وأشار أستاذ التحاليل الطبية بالمعهد القومي للسكر إلى أن الاسم الجديد مأخوذ من الحرية "Libre"، أي أن مريض السكري سيكون متحررًا من الوخز اليومي عبر الجهاز القديم ولا يحتاج إلى معايرة من وقت لآخر، وتمت الموافقة عليه في معظم دول الاتحاد الأوروبي.
ولفت عمارة إلى أن دقة الجهاز الجديد لا تقل عن دقة جهاز "Ipro 2"، ولكنها لا ترقى إلى دقة جهاز قياس السكر العادي ويؤخذ عليه أيضًا، تكلفته المالية الباهظة، حيث يصل سعر القارئ وحده ل95 دولارا وكذلك الحساس بالسعر ذاته، بإجمالي 190 دولارا (ما يقرب من 1900 جنيه)، ولم يصل إلى مصر بعد، وإن كان منتشرًا في معظم دول الخليج منذ ما يزيد على 6 أشهر.
وأوضح أن التقنية الجديدة عبارة عن جزئين، الأول حساس بحجم عملة معدنية يتم تثبيته خلف الذراع ويُسمى الحساس "sensor" ومُرفق به إبرة دقيقة جدًا تقوم بقياس السكر في سوائل الجسم، أما الجزء الثاني ويُسمى القارئ "reader"، ومن خلاله يتم عرض قراءات السكر عند تقريبه من الحساس لمسافة قصيرة حتى مع ارتداء الملابس، حيث يعمل بخاصية اللمس مثل الهواتف الذكية الحديثة.
مستشفى أبو الريش
القياس القاتل
لحظات من الخوف والقلق وقلة الحيلة انتابت والدة الطفلة المريضة "رنا"، ممزوجة بدعوات صارخة على كل من تسبب في تردي حالة طفلتها الوحيدة، وهي تردد كلماتها الأخيرة: "إحنا صحيح بنحمد ربنا على السكر وكل حاجة، بس مش هتوصل كمان لدرجة الصرع والشلل والكهربا اللي على المخ، لأني مش عارفة اظبط لبنتي السكر بسبب جهاز بايظ من التأمين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.