قضايا إنكار النسب كانت وستظل من الأمور المسكوت عنها داخل المجتمع، فنادرا ما يتطرق لها سوى فئة قليلة من المجتمع والتعامل معها إعلاميا، رغم أن أروقة محاكم الأسرة تكتظ بالآلاف من تلك الحالات فى انتظار الحكم فيها. الأطفال وحدهم هم من يسددون فاتورة تلك المعاناة سواء كان أباؤهم متزوجين زواجا رسميا موثقا أم عرفيا غير مسجل، لأن القضاء غالبا ما يرفض دعوى إثبات النسب لاستناده إلى الراجح في الفقه بأن الابن هو "الابن للفراش". "4 سنين نفقة" فاتن. ر، 40 سنة، قالت من داخل محكمة الأسرة بزنانيرى، إن زوجها امتنع عن سداد نفقة ابنته بعد 4 سنوات من انفصالهما، ولكنها لم تقف صامتة أمام هذا التصرف الغريب واستمرت عامين في تحدٍّ مع زوجها بين أروقة المحاكم لتكسب فى النهاية دعوى إثبات النسب التي تنصل منها زوجها. وتابعت الأم: "عجزت عن استخراج بطاقة رقم قومي لابنتي، إلا عندما بلغت سن ال22 عاما، بعد صدور الحكم النهائي، لكنني وقعت في خطأ كبير حينما وافقت على التوقيع علي ورقة زواجي العرفي من زوجي ذي ال55 عاما، والذي أحبتته على مدار سنوات عدة، ولغيرته الشديدة علي وتحسين أوضاعه حول زواجنا العرفي إلى زواج شرعي موثق فور اقتراب موعد إنجابي ابنتنا "مريم". لم يستمرالزواج الرسمي طويلا نتيجة خلافات عائلية وظل الأب يدفع نفقة لابنته لمدة أربع سنوات بناء على اتفاق ودي إلى أن فوجئت به يتوقف عن سداد النفقة ويرفع دعوى إنكار نسب، بل واستغل محامي طليقي مسألة أن الطفلة ولدت بعد أيام من توقيع عقد الزواج الرسمي وعملي كمطربة في أحد المطاعم النيلية المعروفة، إلا أن المحكمة قضت ببطلان نسب ابنتي إلى أبيها. ولم يقف الضرر والظلم عند هذا الحد بل عندما أردت استخراج بطاقة شخصية لابنتي رفض السجل القومي السماح لها بإصدار رقم قومي لها، بسبب وجود حكم ببطلان نسبها لأبيها. وتستكمل الأم "لم أفقد الأمل وأصررت على استرداد حقى وكرامة ابنتي على أمل أن تبطل الحكم السابق، واستمرت مداولات القضية الجديدة وقضت به المحكمة بإلغاء حكم بطلان النسب، واستندت المحكمة إلى أن الأب ظل على مدى أربع سنوات يدفع نفقة لابنته ما يعني اعترافه بها". "شك في سلوك الزوجة" ومن جانبه يقول شبل العربي المحامي إن إنكار الآباء لأطفالهم يرجع إلي عدة أسباب تتمثل بالفقر وعدم الرغبة في الإنفاق عليهم، أو منع حصولهم على حقوقهم الشرعية في الميراث في حالة إنجاب الإناث، أو إنجاب الأطفال من زواج العرفي، أو الشك في سلوك الزوجة. وأضاف أن إجراءات إثبات نسب الأبناء الناتج عن الزواج العرفي، تتم من خلال عقد زواج عرفي وشهادة شهود لتأكيد علاقة الزواج، أو من خلال إثبات الإقامة مع الزوج في منزل زوجية، أما في حالة إثبات نسب أطفال ناتجين بدون زواج، فلا يوجد أمام الأم سوى إثبات الزواج الشفوي من خلال الشهود، أو إجراء تحليل الDNA. وتابع المحامى موضحا أنه في حالة امتناع الزوج عن إجراء التحليل باعتباره غير ملزم فلا يوجد ما يثبت نسب الطفل لأبيه وغالبا ما يتم رفض دعوى النسب لأن القضاء يستند إلى الراجح في الفقه أن (الابن للفراش)، ويكون إثبات علاقة الزواج من خلال الشهود أو عقد عرفي أو عقد رسمي ضرورية لإثبات النسب، وفي حالة الزواج الشرعي يتم إثبات علاقة الزواج من خلال عقد الزواج الرسمي، وشهود إثبات علاقة الزواج. "تحليل الDNA" وفي ذات السياق يقول محمد عبد الرحمن المحامي إن أغلب دعاوى إثبات النسب ترتبط بحالات زواج عرفي، أو سري، بعد إنكار الأب للأطفال من تلك الزيجات، إلى جانب حالات زواج شرعي، والقضايا تستغرق وقتا طويلا في حالة عدم استطاعة الأم إثبات علاقة الزواج. أضاف المحامي أن مشكلة الزواج السري، الذي يتم بالاتفاق بين الرجل والمرأة بصورة سرية يكتبان ورقة ولا يوثّقان هذا الزواج ولا يعلم الأهل به ولا يحضره شهود، لذلك فإن هذه الزيجات قد فاقمت مشاكل إثبات نسب الأبناء، وإن إثبات النسب في مصر مازال قائما حتى الآن على الأدلة الشرعية، وليس من ضمنها تحليل الDNA، موضحا أن عدم إثبات علاقة الزواج يتسبب في رفض الدعوة. وتابع عبد الرحمن: الأم صاحبة الدعوة تلجأ لإثبات علاقة الزواج من خلال الشهود أو العقد الشرعي أو العقد العرفي، بمعني "إذا لم تثبت الأم علاقة الزواج لن ينفذ الحكم، فثبوت الزواج في القضية يعني ثبوت النسب". وعن تعطيل قضايا النسب في المحاكم شرح المحامي، أن القاضي ينظر أكثر من 70 قضية أحوال شخصية في يوم واحد، مؤكدا أن هذا التكدس للقضايا يدفع القاضي للتأجيل لأكثر من مرة، ويعطل سير القضايا بشكل طبيعي، وفي حالة الأطفال المولودين بدون زواج فيتم تسجيلهم باسم الأم ويختار السجل اسم الأب، ويقيد الطفل وفق كود لا يعرفه إلا السجل المدني يفيد بأن الطفل مجهول نسبه، حتى يتمكن من الحصول على شهادة ميلاد تتيح له الحصول على التطعيمات، والانتظام في الدراسة، لكنه لا يتمتع بأي حقوق أخرى من نفقة أو ميراث أو معاش لأبيه، لحين إثبات النسب. "بصمة وراثية" ولفت أحمد الدسوقي، محامٍ، متخصص فى شئون محاكم الأسرة إلى أن قانون الأحوال الشخصية حدد 5 شروط لقبول دعوى "إنكار النسب"، حيث اشترط أن تضع المطلقة أو الأرملة مولودها بعد مدة تزيد على سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة. ويتضمن قبول دعوى إنكار النسب، شرطا ألا يكون الزوج قد أقر بالأبوة ولو ضمنا بمعنى أن يكون قد تجاهل مظاهر الحمل حتى وضعت زوجته مولودها، واشترك فى الاحتفال بقدوم المولود، حيث لا يجوز النفى بعد الإقرار، ولو حتى بعد سنوات عن طريق المصادفة جاز له رفع دعوى نفى النسب. وأضاف: "شملت الشروط أن تلد الزوجة طفلها بعد غيبة الزوج عنها مدة تزيد على سنة أو تضع مولودها فى مدة تقل عن 6 أشهر من تاريخ الزواج الحقيقى، إلا إذا أثبتت أن هناك زواجا عرفيا سابقا على الزواج الرسمي أو فى حالة عدم حدوث تلاقى بين الزوجين منذ عقد القران". وأوضح "الدسوقى" أن المستندات القانونية اللازمة لتنفيذ حكم بدعوى إنكار نسب هى صورة ضوئية من وثيقة عقد زواج من المدعى عليها وصورة ضوئية من إشهار طلاق المدعى عليها من المدعى عليه الثانى، وكذا صورة ضوئية من شهادة ميلاد الطفل، وصورة رسمية من الحكم الصادر من المحكمة منطوقة، بنفى نسب الطفل إلى المدعي تأسيسا على تقرير الطب الشرعي الذى انتهى إلى نتيجة تؤدي إلى أن البصمة الوراثية الخاصة بالطفل لا تشترك مع البصمة الوراثية للمدعى، بالإضافة إلى صورة ضوئية من تقرير الطب الشرعي.