انتخابات أخرى أجريت فى قصر العينى قبل انتخابات العمادة وكانت نتيجتها إعلانا حقيقيا أن الثورة مرت من هناك. أتكلم عن الانتخابات التى أجريت فى مستشفى «أبو الريش اليابانى» وانتهت بتولى الدكتورة هالة فؤاد إدارة المستشفى. وكنت قد كتبت عن د.هالة فؤاد قبل سنوات فى «الدستور الأصلى» لأقدمها كنموذج لطبيبة الأطفال المخلصة المتفانية فى عملها، كتبت عن قدرتها على رؤية المشكلات والاعتراف بها ثم ابتكار حلول حقيقية لها. هذا النموذج للأسف نادر، لأن النموذج السائد هو نموذج الأعمى الذى لا يرى أى مشكلات فى عمله، وإذا واجهه أحد بها استخدم أسلوبا دفاعيا (فيستعمى). الدكتورة هالة فؤاد مديرة مستشفى أبو الريش اليابانى نظرها حاد. ترى ما لا يراه أحد غيرها من عوامل نقص فى المستشفى. تقول: عندنا قائمة انتظار طويلة للجراحات، وأنا عندى حل بالتعاون مع أساتذة الجراحة، يتبرعون هم بإجراء جراحات إضافية، بحيث تشتغل غرفة العمليات طوال اليوم، بدلا من أن يتوقف العمل فيها فى الثالثة أو الرابعة، لكن هذا القرار سيترتب عليه أن يعمل أطباء التخدير عملا إضافيا، وحتى هؤلاء يمكن أن يتفهموا لكن كيف أطلب من العمال والتمريض العمل مجانا، أحتاج إلى مصدر دخل لكى أعطى هؤلاء أجرا إضافيا. لو توفرت لى هذه الإمكانية ممكن نزيد على الأقل 122 عملية فى الشهر بغرفة عمليات واحدة. أنا عندى (تضيف هالة) غرفة عمليات الطوارئ متوقفة تماما لأنها محتاجة إلى كشاف وترابيزه، الكشاف ب120 ألف جنيه والترابيزه ب180 ألف جنيه. وفى نفس الوقت عندى جهاز تخدير يتهاوى محتاجة إلى جهاز جديد يتكلف 150 ألف جنيه، وجهاز رسم العضلات -نفس القصة- متهالك ولا بد من تغييره سيتكلف 180 ألفا. الأخطر والأهم أن عندى حجرتى عمليات لا يجدى معهما التعقيم المتكرر، لسببين: أولا، التكييف يسكن فيه الميكروبات، وثانيا، الأرض مفروشة قنالتكس يخفى تحته الميكروبات مهما عقمنا. نريد أن نحول الغرفتين إلى كبسولات معقمة، الكبسولة تتكلف مليون ونصف المليون، أى أن الحجرتين تحتاجان 3 ملايين. طبعا هذا غير البنية الأساسية المدمَّرة تقريبا، المواسير.. الغسالات.. حتى المطابخ التى كانت مؤسسة «الوفاء لمصر» قد قامت بتجديدها منذ 9 سنين، انتهت ومحتاجة إلى تجديد. والأسِرّة مشكلة كبيرة، لأن السرير مصنوع ليتحمل الطفل، لكن الظروف تحكم أن تنام الأم أو تجلس بجوار طفلها على السرير فأصبحت الأسِرّة تحتاج أيضا إلى تجديد. قطعت د.هالة كلامها معى وأشارت إلى الجالسات فى قاعة المؤتمرات حيث كنا نجلس، نفسى أعملهم حضانة يحطوا فيها أولادهم، ده حقهم على فكرة، ونفسى أجيب لهم أوتوبيسات تنقلهم عشان يترحموا من المواصلات، ونفسى أعمل دار إيواء قريبة تعيش فيها أمهات الأطفال اللى بيدخلوا الرعايات. قالت لى هالة قبل أن أذهب (أنا ضايقتك وحمِّلتك الهم مش كده) قلت لها (بالعكس) وأنا أعنى الكلمة. كل ما قالته مديرة المستشفى لم يسبب لى إلا الشعور بالاطمئنان، فمكان تعرف مديرته كل احتياجاته بهذه الدقة وتهتم بكل من يدخله حتى الأمهات والموظفات وتعلن بصراحة كل مشكلاته، هو بالتأكيد مكان سيكون مستقبله أفضل. د.هالة فؤاد التى انتخبها زملاؤها فى 10/ 7 لا تتحمل الانتظار وتشعر أن الوقت يمر وما زال أمامها الكثير لتنجزه وتصلحه وترتبه. ألم أقل لكم إن الثورة مرت من هناك.. من عند أبو الريش.