برلين- محمد فوزي: في الثامنة من صباح غد الأحد 24 سبتمبر الجاري، يتوجه ما يقرب من 62 مليون ناخب ألماني، موزعين على 299 دائرة انتخابية في 16 ولاية، يتوجهون إلى مراكز الاقتراع لاختيار أعضاء البرلمان الألماني (البوندستاج)، وهي الانتخابات التي تجرى كل أربع سنوات. وتأتي هذه الانتخابات بعد سنتين من أزمة اللاجئين التي قسمت المجتمع الألماني بين مؤيد ومعارض، واعتبرها البعض الورقة التي من الممكن أن تحرج المستشارة الألمانية ميركل، المترشحة لولاية رابعة، وصاحبة الفرصة الأكبر في الاحتفاظ بمنصبها كرئيس للحكومة الألمانية. يتنافس في هذه الأحزاب ست قوي أو أحزاب رئيسية، هي: الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي (تحالف المحافظين بقيادة ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة مايكل شولتز المنافس على منصب المستشارية، وحزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، وحزب اليسار، وحزب الخضر، والديمقراطي الحر. هذه الأحزاب المتنافسة من المتوقع ألا يستحوذ أي منها على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وإنما سيحتاج إلى تحالف مع أحزاب أخرى. حتى مساء أمس، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم تحالف ميركل وحصوله على 36% من أصوات الناخبين، مبتعدا عن أقرب منافسيه الاشتراكي الديمقراطي الذى سجل 21.5%، في حين سجل حزب البديل من أجل ألمانيا 10% وحزب اليسار 8.5%، وبقى كل من الخضر والحزب الديمقراطي الحر عند نسبة 8%. السؤال: ماذا تعني هذه الأرقام؟ تشكيل الحكومة يستلزم الحصول على أغلبية 50+1، وهناك خلافات في وجهات النظر بين المحافظين والاشتراكيين، والأقرب في التوجهات مع تحالف ميركل، هو الديمقراطي الحر، لكن النسبة التى من المفترض أن يحصل عليها لا تعني الحصول على أغلبية وتشكيل الحكومة، ربما يظهر حزب الخضر، لكن المؤكد أن حزب البديل خارج حسابات ميركل تماما لأنها أعلنت صراحة: لن أتحالف مع من يحرض ولا يشجع على الاندماج. هل استطلاعات الرأي دقيقة؟ الألمان واثقون من فوز ميركل، والسبب في رأي كثير منهم يعود إلى الاستقرار الذى تعيشه ألمانيا مقارنة بجيرانها في القارة العجوز، لكن إلى أي مدى يمكننا تصديق الاستطلاعات؟ يقول مدير شركة "إنفراتيست ديماب" لاستطلاعات الرأي لموقع "دويتشه فيله": "ربما ستكون الانتخابات الأولى في تاريخ البشرية التي يتوجه فيها جميع الناخبين المترددين إلى حزب واحد مع أعلامه التي ترفرف"، ويضيف: "الأرقام التي لدينا تشير إلى أنه ليست هناك إمكانية كبيرة لفوز الاشتراكيين على المسيحي الديمقراطي وحليفه الاجتماعي المسيحي". هذا القطع المستند إلى استقصاء آراء الألمان، سمعناه من قبل على لسان الأمريكيين والبريطانيين، إبان الانتخابات الأمريكية والاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبى، لكنهم حصلوا على نتائج غير صحيحة في الانتخابات. هل من الممكن أن يحدث هذا؟ ربما، لأن استطلاعات رأي أخرى تشير إلى نسبة تقترب من 20% من الأصوات، ما زالت مترددة، وهذه النسبة من الممكن أن تقلب النتائج رأسا على عقب. يقول رئيس قسم الأبحاث في شركة "يوجوف": "لا أشك في تقدم الحزب المسيحي الديمقراطي وحليفه البافاري"، ويتابع: "هذا هو رأي العديد من المؤسسات التي يعمل كل منها بشكل مستقل عن الآخر، لذلك فنحن جميعنا سنتفاجأ إن استطاع شولتز أن يحرز تقدمًا". الكاتب يوكن بيتنر له رأي مختلف، حيث يقول: "الناخبون الألمان يتسمون بمزاج عام شديد المحافظة -بمعنى أنهم يخشون التغيير- لدرجة أنهم على وشك إعادة انتخاب مستشارة أقرت أكثر التغييرات راديكالية في تاريخ ألمانيا منذ سقوط سور برلين". من ناحية أخرى، تمثلت الرسالة الانتخابية الرئيسية التي طرحتها ميركل خلال الفترة السابقة مباشرة للانتخابات الماضية عام 2013 في «أنتم تعرفونني». ومع هذا، لم يعرفها الألمان حقا إلا بعدما تولت منصبها من جديد، فلم يكن أحد يعتقد أن هذه السيدة المتخصصة بمجال الفيزياء ذات الشخصية الحذرة والمتحفظة، ستفتح الباب في سبتمبر 2015 أمام شهور عدة من سيل عشوائي من الهجرة إلى داخل ألمانيا. وفي أعقاب ذلك، دارت رسالة ميركل الأساسية حول: «نحن سنتولى إدارة هذا الأمر»، دون شرح ما تعنيه ألفاظ «نحن» و«إدارة» و«الأمر». لا صخب.. ميركل تسيطر يدرك الألمان أن العالم أصبح أكثر عرضة للأزمات، وأن ميركل تمكنت من قيادة دفة البلاد عبر هذه الأزمات واجتيازها بسلام، وهم محقون. في وسط كل هذا التغيير الذى عصف بحكومات، بدت ميركل صخرة قوية ثابتة، لكن هذا الرأي يواجه سؤالا: إلى متى تظل ميركل؟ هذا السؤال طرحه أكثر من كاتب، والسبب أن مياه السياسة الألمانية تبدو آسنة، مع تولي ميركل مقاليد الأمور لأكثر من 12 عاما، على الرغم من أن الجميع تقريبا يقول إن ميركل ستفوز في نهاية المطاف. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة للانتخابات على أنها مملة، فإنه قد يكون هناك الكثير من التشوق حول التحالفات التي من الممكن أن تظهر، وهذا ما ننتظره مساء غد.