أيمن شاهين، شاب ريفي من إحدى قرى محافظة الغربية كانت البهجة لا تغادر روحه المليئة بالحيوية والقوة والانطلاق، والابتسامة لا تُفارق وجهه، حتى تبدلت أحواله فجأة دون سابق إنذار، وأصيب في منتصف عقده الثاني ب"داء ويلسون"، الذي ينتج عن حدوث اضطرابات وراثية تسببت في تراكم كميات كبيرة من النحاس داخل الكبد وعلى المخ أصابته بضمور في العضلات، وتآكل في جسده وصعوبة بالغة في الحركة فقد على أثرها القدرة على الكلام أو الخروج إلى الشارع لممارسة هواياته القديمة واللعب مع أقرانه أو الذهاب إلى المدرسة. عدد كبير من الأطباء الذين تردد عليهم أيمن برفقة والدته التي طافت به "كعب داير" في مدن المنصورة وطنطا والمحلة الكبرى وميت غمر وغيرها، ولم تترك بابًا واحدًا إلا طرقته لعلاج نجلها الوحيد، حتى تأخرت حالته الصحية بصورة كبيرة لم تكن تتوقعها أو يتحملها ذلك الشاب الباسم دائمًا، هنا كتب له أحدهم دواء "أرتامين" 250 مجم "Artamin250" لمساعدته على تحسن حالته الصحية، وعلاج ترسب النحاس على الكبد والمخ، ولكن الأم المغلوبة على أمرها والوالد الحزين الذي أنفق كل ما يملك في سبيل توفيره له بحثا عن العقار المطلوب لابنهما في عدد كبير من المحافظات لتوفير 15 عبوة دوائية له يحتاج إليها بصورة شهرية ولكن دون جدوى. حالة أيمن تتأخر يومًا بعد الأخر وسنوات عمره تتآكل وابتسامته "تبهت" بمرور الوقت، ولم يفقد الأبوان الأمل في الشفاء أو توفير الدواء الخاص به الناقص في الأسواق، وحين توصل أحدهما إلى وجوده داخل مخازن الشركة المصرية لتجارة الأدوية رفض مسئولو الشركة إعطاءه الدواء بعبارات عاجزة: "مش دورنا.. اكتبوا شكوى لوزير الصحة". ولا تزال أسرة الشاب أيمن شاهين تبحث عن العقار الدوائي الناقص في كل المحافظات وخارج مصر، لإعادة الابتسامة والحركة إلى نجلهم الوحيد من أجل أن يستكمل دراسته التعليمية ويتزوج ويعمل ويحقق كل أحلامه المؤجلة بسبب المرض. في المقابل تنفي وزارة الصحة والسكان وجود أي نقص في أدوية الأمراض المزمنة. 1450 صنفا ناقصا تهدد حياة المرضى تجاوزت أعداد الأدوية الناقصة بالسوق المصري ال1450 صنفًا من إجمالي عدد الأصناف المُسجلة بالإدارة المركزية لشؤون الصيدلة، بالإضافة إلى 55 دواء دون مثائل أو بدائل، من بينها أدوية للأمراض النفسية والعصبية والهرمونات، وحقن فاكتور 8 وفاكتور 9 لعلاج ما يقرب من 20 ألف مريض هيموفيليا مهددين بالموت. في آخر تقارير مركز "الحق في الدواء" الإحصائية تزايدت قوائم النقص في أدوية الأورام بصورة كبيرة، وعلى رأسها عقارات "اندوكسان، هولكسان، واسبيراجنزا"، قطرة "ماكسيترول" للعين وأدوية مرضى الغسيل الكلوي مثل "كيتوستريل"، و"ليبدوول" لأورام الكبد، وأدوية الأشعة التداخلية المعروفة بأدوية الصبغات وعلى رأسها "البروجرافين"، فضلًا عن بعض الأصناف الأخرى للأمراض المزمنة مثل "أسبرين بروتكت" و"ينتيرا" للقلب وحُقن البنسلين ممتد المفعول pencitard أو debopen للروماتيزم، واللاصقات الطبية الخاصة بمرضى السرطان بالعظام في مراحله الأخيرة لتسكين آلام المرضى. وأكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء أن أكثر من 130 ألف مريض من مرضى التصلب المتعدد "دايخين" على عقار "بيتافيرون" أو "الريبيف"، دون وجود أثر له في الصيدليات والمستشفيات الحكومية والتأمين الصحي. ارتفاع أسعار الخامات صناعة الدواء فى مصر تقوم على استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج ثم تصنيعها وإخراجها فى الشكل الدوائى النهائى وتوفيرها للسوق. ويعتبر حدوث أى خلل في استيراد الخامات سواء بسبب نقص السيولة المالية أو مشاكل عند الموردين أحد أهم الأسباب لحدوث الأزمات المتكررة لنقص الدواء. أوضح الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية في الغرفة التجارية بالقاهرة أن الأدوية المصنعة محليًا لا تغطى كل احتياجات السوق المصرية من الدواء، حيث تستورد مصر أكثر من 85% من المواد الخام الدوائية من الخارج، ما يعنى أن أى خلل باستيراد هذه الأدوية يسبب أيضا أزمة فى سوق الدواء المصرية. السوق السوداء تشتعل كما توجد عوامل أخرى داخلية عديدة حسب الدكتور شريف السبكي، العضو المنتدب السابق للشركة المصرية للأدوية، لا تقل فى قدرتها على إحداث أزمات نقص الأدوية، من بينها الاحتكار ومشكلات تسعير الدواء، حيث تتعمد بعض شركات الإنتاج والتوزيع "تعطيش" السوق من بعض الأدوية كأسلوب ضغط على الدولة لتحريك أسعارها بشكل رسمي أو حتى بشكل غير قانونى، ببيعها فى السوق السوداء بأسعار أكثر بكثير من أسعارها الرسمية. وطالب السبكي الحكومة بالعمل على خفض أسعار المواد الخام الدوائية المستوردة من خلال عدة آليات، بحيث يؤدى ذلك فى النهاية إلى ارتفاع هامش ربح شركات الأدوية المنتجة داخل مصر وكذلك الصيدليات، وفى نفس الوقت يحافظ على سعر الدواء للمريض وانخفاضه بصورة يتحملها كثير منهم. 30 دواء دون مثيل من جانبه أوضح الدكتور محيي حافظ، عضو غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، ورئيس لجنة الصحة والصناعة الدوائية باتحاد المستثمرين، أن مفهوم النواقص يعني تلك الأدوية التي ليس لها بديل أو مثيل بالسوق المصرية، وهي تنقسم إلى نوعين، الأولى: مجموعة دوائية تُعالِج بنفس الفاعلية، ولها بديل أو مثيل وأخرى خاصة بالأدوية المستوردة التي لا يكون لها بديل وعددها لا يتجاوز 30 صنفا دوائيا. وهي إشكالية كبرى تواجه شركات الأدوية المستوردة، حسب حافظ، التي تم زيادة 20% فقط من أسعار مستحضراتها الدوائية ولم يتم تحريك أسعار 80% منها منذ سنوات طويلة، ورغم ذلك لا تزال تلك الشركات ملتزمة بالاتفاق مع وزارة الصحة رغم أنه كان ينص على وجود موجة من الزيادات في "تسعيرة الأدوية". أما مجموعة النواقص الثانية، فتتمثل في تلك الأصناف التجارية التي تعاني من نقص الاسم التجاري وهي تزيد على 1200 صنف تختلف من منطقة لأخرى ومن طبيب لآخر. تحديات كبرى وأكد حافظ ل "التحرير" أن هناك تحديات بالغة تواجه الصُناع والشركات التي تتحمل فارق السعر حتى إشعار آخر، ولكن أخطر ما في الأزمة أن عددا كبيرا من المرضى يعانون من نقص ال30 مجموعة دوائية المستوردة الخاصة بأدوية الأورام ومشتقات الدم والمستحضرات الهرمونية والأدوية الأخرى ذات التقنية الحيوية بصورة بالغة تهدد حياة كثير منهم. وأضاف: نهيب بالأطباء عدم التمسك بكتابة اسم تجاري معين بصورة تدفع المرضى للبحث عن الدواء واللف "كعب داير" في أكثر من صيدلية دون جدوى. توقف العمليات في الوقت ذاته توقفت العمليات الجراحية داخل معاهد القلب القومية وانخفضت أعدادها بصورة كبيرة نتيجة نقص المستلزمات الطبية والأدوية المستوردة اللازمة لعلاج أزمات القلب، حسب الدكتور محمد نصر، نقيب أطباء الجيزة، أستاذ طب وجراحة أمراض القلب بالمعهد القومي للقلب، الذي أوضح أنها تراجعت من 14 حالة إلى 3 حالات فقط يوميًا، ويتم توزيع الحالات المتبقية على قوائم الانتظار. وأرجع نصر ل"التحرير" أسباب الأزمة إلى قضية "مركزية شراء الأدوية" عبر مناقصة واحدة وهي محاولات مقبولة نظريًا للشراء بأسعار رخيصة وجودة عالية، ولكن خطورة ذلك تتمثل في أن من يضعون المواصفات الخاصة بالاستيراد غير مختصين و"ناس مش من الكار"، حسب تعبيره، وبالتالي فإن المركزية الشديدة دائمًا ما تكون معقدة. نقابة الصيادلة بدورها أرسلت نقابة الصيادلة قائمة كاملة بأعداد الأصناف الدوائية الناقصة بالسوق المحلية، إلى مؤسسة الرئاسة بعد حصرها في عدد من المحافظات المصرية وتجاوزت ال1200 صنف دوائي، من بينها أدوية لا مثيل أو بديل لها تمثل خطورة بالغة على حياة مرضى السكر والضغط والقلب والأورام. الصحة: 15 صنفا ناقصا فقط فيما نفى الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، وجود أي نية لزيادة الأسعار في الدواء مرة أخرى، مؤكدا أن الصيادلة هم من يسعون لتعطيش السوق بتخزين الدواء للتربح. وأضاف أن الأدوية غير المتوفرة لها بدائل فى الأسواق، وأن هناك نواقص فى 270 اسما تجاريا من الدواء فقط، ولها مثيل، مشددا على ضرورة ألا يتحدث أحد فى أسعار الدواء دون دليل أو معلومات. وأشار مجاهد إلى أن 15 مادة فعالة فقط غير متوفرة وليس لها بدائل، وتم رفع تقرير بها إلى مؤسسة الرئاسة، لأن تلك المواد الفعالة تستخدم لعلاج أمراض القلب والضغط.