يبدو أن المصالح السياسية بين بريطانيا والسعودية، لها أهمية استراتيجية كبيرة، نظرًا لأن العلاقات بين البلدين ممتدة منذ أكثر من 100 عام، وهو ما ظهر جليًا من خلال صفقات السلاح الضخمة بين البلدين والتي وصلت قيمتها إلى أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني، ما يعكس اهتمام السعودية بتقوية ترسانتها العسكرية للتصدي للإرهاب. كما تنظر بريطانيا للسعودية كحليف قوي وموثوق، وهو ما يؤكده الكاتب البريطاني كون كولين بقوله: "التجربة أثبتت أن السعوديين حلفاء يمكن الاعتماد عليهم بصورة كبيرة، خاصة أنهم من ضمنوا لبريطانيا استمرار تدفق النفط في أحلك الظروف، وأن التعاون الاستخباراتي بين الرياضولندن خدم المصالح البريطانية، إذ ساهم في تقويض العديد من العمليات الإرهابية التي كانت قد تتعرض لها بريطانيا، وبالتالي فإن الحفاظ على العلاقة بين الرياضولندن تبقى مسألة أمن قومي". بل هناك مساعي أممية عديدة لتدمير العلاقات المشتركة، آخرها تصويت البرلمان الأوروبي حول فرض حظر على توريد الأسلحة إلى السعودية، بعد سيل من الاتهامات التي طالت قوات التحالف العربي في اليمن، الأمر الذي دفع مستشارو وزير الخارجية البريطانية لتحذير السلطات من إمكانية تعرض الحكومة البريطانية للمسائلة القانونية والمحاكمة بتهمة انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني في اليمن. لكن سرعان ما جاء الرد السعودي على تلك التخوفات، حيث علّق وزير خارجية السعودية عادل أحمد الجبير، بالقول: إنه "يفهم تخوف الغرب"، لكنه أكد أن العمليات في اليمن تتم بالتنسيق المشترك مع العسكريين البريطانيين لتنفيذ أي ضربة. لتتوافق معه الحكومة البريطانية في الرأي، وتؤكد مشاركة الرياض في اتخاذ القرار حول شن عمليات عسكرية ضد الحوثيين، مطالبًا المجتمع الدولي بإلزام جماعة أنصار الله على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني". صحيفة "الجارديان" البريطانية، استنكرت صمت المجتمع الدولي على دعم لندن للرياض بالسلاح، قائلة: إن "الأسلحة التي تبيعها المملكة المتحدة إلى السعودية تتسبب في مقتل الأبرياء والمدنيين في اليمن، وإنه من الصعب غض البصر عن المعاناة في البلد الذي يشهد حربًا منذ عامين. وأشارت إلى أن الحرب في اليمن أدت إلى نزوح ثلاثة ملايين شخص ومعاناة نحو 14 مليون شخص من المجاعة، إذ أن 4 من أصل خمسة يمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ولم تقف الصحيفة البريطانية عند انتقاضها لقرارات المملكة المتحدة، بل وصل الأمر إلى مطالبة أمريكا بالتحرك سريعا لإيقاف حمام الدم وقتل الأطفال الأبرياء وتدمير بيوت العائلات، وانتشار المجاعات بوقف بيع الأسلحة للسعودية. وعلى جانب آخر، سارعت الأممالمتحدة، إلى السير على خطى البرلمان الأوروبي، وطالبت بريطانيا بوقف توريد الأسلحة للسعودية حقنًا لدماء المدنيين في اليمن، حيث قالت: إن "الغارات الجوية التي تقودها السعودية على المتمردين الحوثيين في البلاد، تسببت في مقتل آلاف المدنيين"، وهو ما يجب أن يتوقف في الحال. ردود الفعل الدولية لم تلقى رواجًا كبيرًا من قبل المملكة المتحدة، لكن من أجل التصدي لمحاولات بث الفتنة بين البلدين الحليفين، أعلنت المحكمة العليا في بريطانيا، أن بيع الأسلحة البريطانية للسعودية لا ينتهك القانون. وأكدت المحكمة، أنها اطلعت على أدلة سرية، لم يعلن عنها لأسباب أمنية وطنية "توفر دعمًا إضافيًا قيمًا للاستنتاج، بأن القرارات التي اتخذها وزير الخارجية البريطاني بعدم تعليق أو إلغاء مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية كانت صائبة". لكن يبدو أن قرار المحكمة العليا، ستكون له تبعات على العلاقات البعيدة المدى بين بريطانيا ودول الخليج العربية الحليفة بسب اليمن، وذلك لوجود عراقيل على توريد الوقود والغذاء إلى البلد المنكوب، ما أدى إلى انتشار وباء الكوليرا، إضافة إلى نزوح مليونين من ديارهم. وزير الأعمال البريطاني السابق، فينس كيبل، قال في تصريحات سابقة له: إنه "تعرض لعملية تضليل خطرة من قبل وزارة الدفاع البريطانية كي يوافق على تصدير صواريخ إلى السعودية التي تشن غارات جوية في اليمن في عام 2015". ونوه "كيبل" إلى أنه أجاز تصدير صواريخ بريطانية الصنع إلى السعودية، بعدما تلقى ضمانات محددة بأن الجيش البريطاني سيكون له حق الإشراف على أي استخدام من جانب الرياض لتلك الصواريخ، تمامًا كما هي الحال بين السعودية والولايات المتحدة في ما خص صفقات الأسلحة بين البلدين". وأوضح أنه عطّل في بادئ الأمر صفقة لبيع الرياض صواريخ موجهة بأشعة الليزر من طراز "بيفواي-4"، بسبب خشيته من أن يؤدي استخدام هذه الصواريخ إلى مقتل مدنيين، لكنه عاد ووقّع على الصفقة بعد أن أكدت له وزارة الدفاع البريطانية، بأن الرياض لا يمكنها استخدام الصواريخ إلا بعد التشاور مع لندن بشأن الأهداف التي سيتم قصفها بواسطتها. إلا أن الأمر لم يسر على مايرام، حيث شن طيران التحالف العربي بقايدة السعودية هجومًا عنيفًا على أماكن تمركز للحوثيين في الجنوب، أسفرت عن مقتل 140 مدنيًا بالخطأ خلال مجلس عزاء كما قتل 58 شخصًا بعد استهداف سجن"، وهو ما دفع "ماثيو رايكروف مندوب بريطانيا الدائم لدي الأممالمتحدة"، بالتعليق على الأمر، قائلًا: إن "لندن تراجع سياسة مبيعات السلاح للمملكة العربية السعودية، وإن بلاده دعت الرياض للتحقيق بشأن مزاعم استهداف مدنيين في اليمن". لكن "ريابكوف" عاد ليبرهن أن المملكة المتحدة لديها مجموعة واضحة جدًا من سياسات الحد من الأسلحة، ونحن راضون عن أية مبيعات للأسلحة نقوم بها في أي مكان في العالم، بما في ذلك ما يتعلق باليمن. لتخرج السعودية بعد ذلك وتنفي كافة الادعاءات حول استهداف المدنيين في اليمن، من قبل قوات التحالف العربي، وتؤكد مجددًا أن قوات التحالف تتوخى أعلى درجات الحيطة والحذر لعدم استهداف المدنيين. وأوضحت أن قوات التحالف تتقيد بقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان كافة في جميع عملياتها العسكرية، وذلك التزامًا منها بواجب حماية المدنيين وتجنيبهم آثار الصراع. ومن هنا يتبين لدى الجميع، أن التحالف البريطاني السعودي له أهمية استراتيجية، كونه يخدم مصالح لندن، ولا يمكن للقرارات الأممية الرافضة لهذا التحالف أن تغير من مجريات الأمور، لأن العلاقة المشتركة هامة لضمان سلامة بريطانيا، من "داعش" والتنظيمات الإرهابية.