شهدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط بوادر خلاف خفي بين معسكرين في المنطقة، وما أن لبث أن غادر ترامب المنطقة حتى طفت تلك الخلافات على السطح، والتي أظهرت أن المنطقة انقسمت إلى عدة مراكز للقوى. وأشارت شبكة "بلومبرج" إلى أن أول تلك المراكز هو التحالف الذي تقوده السعودية ويحظى بدعم الولاياتالمتحدة، والآخر هو التحالف الإيراني المعارض للولايات المتحدة، والمعسكر الثالث الذي يصعب تصنيفه، ويعد هو السبب الرئيسي في الصراع في المنطقة ويضم قطر التي تحتضن واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية، وتركيا العضوة في حلف الناتو، وجماعة الإخوان المسلمين، التي تدعمها الدولتين. ووقعت جماعة الإخوان المسلمين في مرمى النيران بين السعودية وقطر، والتي تولت الحكم في مصر لفترة قليلة بعد فوزها بالانتخابات، وكانت على مقربة من تلك الخطوة في غيرها في مناطق أخرى من المنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي. وأظهرت الطلبات المقدمة من الدول المقاطعة لقطر، أسباب الخلافات في المنطقة، حيث طلب من الدولة البترولية الصغيرة قطع العلاقات مع إيران، وإيقاف دعمها لتنظيمي القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين، ووقف بث قناة الجزيرة، وغلق القاعدة العسكرية التركية في قطر. وردًا على تلك المطالب، أعلنت تركيا دعمها لقطر وقامت بنشر عدد من الجنود الأتراك في قطر، كما تم عقد مناورة عسكرية مشتركة بالقرب من العاصمة القطريةالدوحة، وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن مطالب الدول المقاطعة تعتبر تعدي على السيادة القطرية، وأن الحديث عن طرد القوات التركية من قطر أمر "غير محترم". وقال عمرو دراج وزير التخطيط في حكومة الإخوان قبل سقوطها ل"بلومبرج" -والذي غادر لقطر ومنها إلى تركيا بعد سقوط الإخوان- "أن تركيا تدعم قطر لإنه إذا استسلمت الأخيرة أو سقطت، فإن تركيا ستكون ضعيفة"، مضيفًا إنه إذا غيرت قطروتركيا من نهجهم فإن "الحركة الإسلامية المعتدلة ستختفي في المنطقة خلال الفترة المقبلة". وبالتأكيد السعودية وحلفائها لن تسمح باعتبار الإخوان جماعة معتدلة، حيث وصفها وزير الداخلية السعودي في وقت سابق بأنها "أصل جميع الشرور في المملكة"، كما اعتقلت الإمارات العشرات من المتهمين ب"السير على خطى الجماعة للاستيلاء على الحكم"، كما وصف الباحث غانم نسيبة الإخوان بأنها "جماعة تتدخل في شئون الدول عن طريق خلاياها الإرهابية السرية". ونوهت الشبكة إلى أن التعاطف الأيديولوجي ليس السبب الوحيد لوقوف تركيا بجانب قطر، فقطر تعد ثاني أكبر مستثمر أجنبي في تركيا خلال الشهور الأربعة الأولى من 2017، حيث استحوذت الشركات القطرية على حصص في المجالات المصرفية والإعلام والصناعات الدفاعية. وبالحديث عن التجارة، فالعلاقات التجارية بين تركيا والسعودية والإمارات تأخذ شكل أكبر، حيث استوردت الدولتين العربيتين في العام الماضي صادرات تركية بقيمة 8.6 مليار دولار، أي ما يقرب من 20 ضعف الواردات القطرية من تركيا. ونقلت الوكالة عن أنطوني سكينر مدير مؤسسة فريسك مابلكروفت، إن تركيا تواجه تصاعد المخاطر الاقتصادية بسبب علاقتها المتردية مع تلك الدول، فمن الممكن أن تتعرض تركيا لحصار اقتصادي، أو توقع عليها بعض العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي يهدد القوة الاقتصادية لأردوغان. وأرجعت الشبكة دعم أردوغان لقطر دون أي هجوم على المملكة العربية السعودية لأسباب اقتصادية، وحتى حينما انتقد أردوغان طريقة التعامل مع قطر خلال الأسابيع الماضية، أشار إلى العاهل السعودي الملك سلمان ب"خادم الحرمين الشريفين"، الأمر الذي يعد مستغربًا، حيث اعتاد أردوغان توجيه انتقادات لاذعة لعدد من قادة الدول العربية الأخرى، أبرزها هجومه على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي العام الماضي، حين قال "أنت لست ندّا لي ولست بمستواي" موجهًا حديثه للعبادي. فيبدو أن أردوغان لا يريد الوقوف في الخندق المعادي للسعودية، وفي الوقت نفسه لا يريد التخلي عن قطر وجماعة الإخوان، فحين أغلقت السعودية حدودها البرية مع قطر، سارعت تركياوإيران بتوفير المواد الغذائية في الأسواق القطرية.