تحت ظل إحدى الأشجار على جانب الطريق السريع بين أنقرةواسطنبول، جلس حيدر أيدور البالغ من العمر 57 عامًا يريح قدميه، بعد مشاركته في مسيرة "عدالة" لمدة 15 يوم سيرًا على الأقدام، مع الألاف من المعارضين لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكان آلاف المعارضين الأتراك، شاركوا في مسيرة "عدالة"، والتي انطلقت من مدينة أنقرة إلى مدينة اسطنبول سيرًا على الأقدام منذ أكثر من 15 يوم، اعتراضًا على سجن أنيس بربر أوغلو نائب حزب الشعب الجمهوري، بعد صدور قرار بحقه بالسجن 25 عاماً لإدانته بالتجسس. ونقلت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن أيدور قوله " لقد فقدنا الديمقراطية، ونحن هنا لاستردادها"، فيما يحمل قميصه صورة المعارضين نوريه جولمان وسميح أوزاكا الذين اعتقلهم النظام الشهر الماضي بعد دخولهم في إضراب عن الطعام لمدة 70 يوم اعتراضًا على فصلهم تعسفيًا من وظائفهم. وتعرض عشرات الآلاف من الأتراك للفصل من وظائفهم أو الحبس، في حملة التطهير التي شنتها الحكومة بعد فرض حالة الطوارئ على خلفية محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو الماضي والتي خلفت 250 قتيل و1400 مصاب، ولم تكتفى الحملة بالتخلص من العسكريين المدبرين لمحاولة الانقلاب ولكن امتدت للمدنيين، حيث تم القبض على العديد من المعارضين السياسيين والأكاديميين والصحفيين. وفي أبريل الماضي توسعت سلطات الرئيس في تركيا على خلفية الاستفتاء الذي دعا إليه أردوغان، كما تم إعادة تشكيل السلطة القضائية في البلاد التي تم فصل وسجن نحو ربع أعضائها، بدعوى علاقتهم بجماعة فتح الله كولن التي يعتقد وقوفها خلف محاولة الانقلاب. وبعد الحكم بسجن نائب حزب الشعب الجمهوري دعا الحزب برئاسة كمال قليتش، لمسيرة "العدالة"والتي انطلقت في 15 يونيو الماضي، لمسافة نحو 450 كيلومتر بين أكبر مدينتين تركيتين "أنقرةواسطنبول"، والتي يأمل المنظمون أن تصل المسيرة إلى حي "مال تبة" في اسطنبول في التاسع من يوليو الجاري. وشارك المتظاهرون -الذين تصفهم الحكومة باتباع كولن- في المسيرة للعديد من الأسباب، أهمها إنزلاق الحكومة في مستنقع الاستبداد، وإساءة الحكومة استغلال حالة الطوارئ، والقبض على العديد من الصحفيين والسياسيين ضمن الحملة التي تشنها الحكومة على المعارضة. وقال أيدور "العديد من المعلمين والأكاديميين صرفوا من أعمالهم خطئًا، ليفقدوًا مصدر رزقهم، وحرموا من حقوقهم الدستورية، ولم يتبقى لهم سوى المقاومة، لذا أردت أن أشاركهم المقاومة، نريد قضاء مستقل، لا حكم الفرد الواحد، ونريد تحقيق العدالة للجميع، بما فيهم مؤيدي النظام". وقالت "ذا جارديان" أن الأجواء داخل المسيرة كانت طبيعية، على عكس حالة الاستقطاب والانشقاق التي ضربت المجتمع الذي لم يتوصل إلى حالة من التفاهم بعد الانقلاب في يوليو الماضي. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي تجمع مئات الآلاف من الأتراك في ميدان "يني كابي" باسطنبول للاحتفال باحباط محاولة الانقلاب، إلا أن تلك الاحتفالات لم تدم طويلًا حيث دقت الاعتقالات جرس الإنذار، لتتحول لخيبة أمل على مدى الأسابيع الشهور التالية. وقال قليتش في حوار صحفي له في خلال المسيرة "نحن نعيش في عصر الخوف، الصحفيين والمواطنين لا يمكنهم التحدث بحرية، هذا ما نريد التخلص منه"، مؤكدًا "عندما وقع الانقلاب في 15 يوليو الماضي، جميع الأحزاب وقفت ضده، ولكن في 20 يوليو أردوغان قام بانقلاب اجتماعي". وأضاف رئيس حزب الشعب الجمهوري "أردوغان احتكر كل السلطات بعد إعلان حالة الطوارئ، حيث تم فصل والتحقيق مع صحفيين وأكاديميين وموظفين مدنيين، كما تم القبض على نواب الشعب، ومسيرة 'العدالة' ضد هذا الانقلاب المدني". ومع اقتراب المسيرة من اسطنبول وجه أردوغان العديد من الانتقادات للمسيرة ومنظميها، حيث وجه لحزب الشعب الجمهوري اتهامات بدعم "الإرهابيين"، فيما يرى أنصار أردوغان من المتدينين، المعارضة العلمانية "نخبة المجتمع"، الذين اعتادوا السيطرة على المناصب العليا في البلاد، وقهر الفقراء، وأن تصرفات أردوغان هي رد على تجاوزات تلك النخبة. ومن جانبها قالت بورجا بوداك إحدى المشاركات في المسيرة، "الفكرة من المسيرة ليست جغرافية، فالشعب يحتاج الأمل، وتلك المسيرة تمنحهم هذا الأمل".