بعد صلاة العصر، انقض مسلحون على مفارق سادوت. أقاموا كمينا، أوقفوا سيارات.. ثم وبهدوء شديد انسحبوا إلى حيث هبطوا.. بدا الناس يتكلمون على أن السلامة فى التزام البيوت وعدم الحركة.. غدًا سيكون يوما جحيميا، كان الناس يقولون لبعضهم.. لم أهتم كثيرا، وظهر اليوم الثانى، ركبت سيارتى، وقبل أن أصل العريش، قابلنى قول لسيارات الجيش على الطريق الرئيسى متوجها إلى رفح.. كان القول بيطلق الرصاص التحذيرى.. بس الرصاص بدا لى مفرغا.. قلت لحالى: الصحراء بتمتص صوت الرصاص وبتخليه باهت.. لما وصلت كمين الخروبة، لقيت السيارات «كالعادة» تتوقف بعيدا «نحو 200 متر».. كل سيارة بينزل منها واحد معه أوراق محطوطة فى كيس بلاستيك أبيض ويتوجه نحو الكمين.. «لماذا أبيض؟ ليكون ما بداخله مرئى».. يلوح بالأوراق عاليا ليراها الجندى القاعد فى المصفحة. الجندى يشير له ناحية الكمين الموازى الذى يبعد نحو 200 متر؛ فأفهم أنه يطلب منه أن يستأذن من الضابط القاعد هناك.. يعود الرجل منشكحا؛ فأفهم أن الضابط سمح له بالمرور. نعبر كمين الخروبة متجهين إلى العريش. فى طريقنا سنمر على كمين الريسة. بعض السيارات قبل الكمين بتلف، لتأخذ الطريق الالتفافى اللى بيدخل على العريش«المدينة» من دون المرور بكمائن.. بعض الناس بيسميه طريق زقبة الحرامى.. لكننى اخترت عدم اللف والتقدم مباشرة نحو الريسة. قبل كمين الريسة ب300 متر تقريبا.. أشار الشاويش الواقف على الكمين بيده.. يفهم الناس أنه يطلب منهم التوقف.. هنا لا مجال للغلط. الغلطة معناها طلقة تنقلك للعالم الآخر مباشرة.. من كل سيارة ينزل واحد، وفى يده نفس الأوراق الملفوفة فى كيس البلاستيك الأبيض.. يمشى لحد الشاويش الواقف فى أول الكمين.. الشاويش يشير له نحو منتصف الكمين؛ فأفهم أن الضابط هناك «فى ما بعد سأفهم أنه رائد»، وأن على الرجل صاحب الأوراق الملفوفة فى كيس البلاستيك الاستئذان منه.. لكنه «الرجل» هذه المرة يعود منكسرا. ينزل واحد لابس جاكيت.. من الواضح أنه من أبناء العائلات التى وجدت لها مكانا فى الدولة، لكنه مثل كل من سبقوه فى المحاولة، يعود منكسرا، بالرغم من الكريم الذى يجعل وجهه يبدو طريا وناعما وليس كوجوه البدو التى لوحتها شمس الصحراء الحارقة. الشاويش بطرف يده يشير للسيارات. فتتقدم فى صف واحد، وقبل الكمين ب200 متر تقريبا، يشير لها إشارة ثانية؛ فتتوقف كما هى فى صف واحد.. ينزل ناس بجانب سياراتهم، يبدو أنهم يريدون أن يتكلموا مع بعضهم لتزجية الوقت.. شاويش ثان يصرخ: كله يخش فى عربيته. بعد نحو 3 ساعات يفتحون الكمين ويمررون السيارات دون تفتيش يذكر. أتقدم بسيارتى.. قدامى كثير من الأكمنة، وعلىّ أن أجتازها قبل الوصول إلى قناة السويس.. قدام قهوة دراجون، رأيت بدوا من أهالى مفارق سادوت.. خشيت عليهم.. كنت أريد أن أسمع أكبر كمية من الكلام عن انقضاض المسلحين على مفارق سادوت.. لكنهم لم يضيفوا لى جديدا.. بعد الذى سمعته من قبل. ركبت سيارتى وعند كمين الميدان، كان فيه واحد مدنى قاعد بيدقدق بأصابعه على لوحة مفاتيح لاب توب.. المخبر طلب منى البطاقة.. وأنا سألته: الرخصة ما بتنفع؟ وهو قال: لا.. عشان إحنا بنكشف كمبيوتر.. أخذ البطاقة.. وبسرعة أعادها.. لدرجة أننى شكيت أنه كشف عليها.. أخذت بطاقتى واستكملت الطريق نحو كمين بير العبد.. قلت لحالى: كمائن الشرطة بتتعامل بطريقة أقل سخفا من كمائن الجيش.