الحكومة تدرس تمديد مهلة التصالح في مخالفات البناء    ارتفاع أسعار الذهب في المعاملات الفورية قبيل بيانات أمريكية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    أسعار الدواجن تتراجع اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    ضعف المياه عن مناطق بمركز إهناسيا في بني سويف.. الأماكن والمواعيد    4 دول عربية تحت القصف الأمريكي والإسرائيلي خلال 12 ساعة    البنتاجون: أوستن ناقش مع نظيره الإسرائيلي خطوات معالجة الوضع الإنساني في غزة    إصابة شخصين إثر الهجوم الإسرائيلي على اللاذقية في سوريا    أحمد عيد يطير إلى المغرب للانضمام لمعسكر المصرى استعداداً للموسم الجديد    «التعليم» توجّه بحصر أعداد طلاب «أولى ثانوي» لتسليم التابلت    «الصرف الصحي» بالإسكندرية يعلن حالة الطوارئ لاستقبال الأمطار المتوقعة    مفأجاة في وفاة المغني البريطاني ليام باين بعد سقوطه من شرفة فندق.. ماذا حدث؟    تبدأ من 150 جنيها.. أسعار تذاكر حفلات مهرجان الموسيقى العربية اليوم    القصة الكاملة لتسلق كلب الهرم الأكبر في مشهد مذهل.. ما مصيره؟    وزير الصحة: اعتماد البرنامج العلمي لمؤتمر السكان والتنمية من المجلس الصحي المصري    رئيس جامعة القاهرة يوجه بسرعة إنجاز الأعمال بالمجمع الطبي للأطفال    جدول ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل انطلاق الجولة السابعة    اتحاد الكرة: رئيس لجنة الحكام «أجنبي»..وحسام حسن يتعامل جيدا مع اللاعبين    لاعبو الزمالك يتوافدون على مطار القاهرة استعدادا للسفر للإمارات    موعد مباراة مانشستر يونايتد القادمة أمام برينتفورد في الدوري الإنجليزي    رئيس اللجنة النقابية للمصوغات يوضح أفضل طرق الاستثمار في الفضة    كيفية حساب العائد على شهادات الادخار بمبلغ 100 ألف جنيه من البنك الأهلي لعام 2024    قاذفات شبح أمريكية تقصف مستودعات أسلحة تحت الأرض تابعة للحوثيين    القمة الخليجية الأوروبية تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وتعزيز التعاون الاقتصادي    نتنياهو يوافق على مجموعة أهداف لضربها داخل إيران    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    وزير الري يلتقي مدير مكتب مصر ببرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية    الأهلي يطير إلى الإمارات اليوم استعدادًا لكأس السوبر المصري    أموال الراقصات حلال أم حرام.. عالم أزهري يُجيب    وزير الخارجية والهجرة يجري اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأوغندى    عاجل.. وفاة والد الفنان مصطفى هريدي    اليوم.. إطلاق قافلتين طبيتين بالمحافظات ضمن مبادرة حياة كريمة    مصرع عامل وإصابة شقيقه بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    تحدث عن خالد صالح وعلاء ولي الدين.. ماذا قال محمد هنيدي في لقائه مع أنس بوخش؟ (تقرير)    بايدن يقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا ب 425 مليون دولار    زلزال يضرب إثيوبيا بقوة «السابع في 20 يومًا».. وخبير يعلق: سد النهضة قنبلة قابلة للانفجار    العربية دخلت تحت تريلا.. وفاة شخصين في حادث سيارة أمام نزلة أكتوبر- صور    هل يجوز تأدية صلاة الفجر بعد شروق الشمس.. الأزهر يوضح    اتحاد طلاب الجلالة: ارتفاع أسعار اشتراك الباصات والسكن ولا يوجد رادارات و إنارة على الطريق    تأمين صدارة الدوري ومهام أوروبية.. ماذا ينتظر محمد صلاح مع ليفربول؟    #جامعة_الجلالة يتصدر التواصل .. ومغردون: حوادث رايح جاي قطارات وطرق    نشرة التوك شو| "الجلالة" تتكفل بعلاج المصابين بحادث الأوتوبيس وحكم استخدام "الهارد جيل" والأظافر الصناعية    5 أدعية نبوية للحماية من الحوادث وموت الفجأة.. بعدانقلاب أتوبيس الجلالة وقطار المنيا    مصدر طبي: خروج 21 من مصابي حادث الطريق الإقليمي من مستشفى اشمون بالمنوفية    أول تعليق من نجوى كرم بعد أولى حلقات «Arabs Got Talent».. ماذا قالت؟    قرار جديد بشأن مصرع طفلين وإصابة 5 آخرين من عائلة واحدة بالشرقية    عاجل.. تركي آل شيخ يعلن عودة يوسف الشريف للدراما بعمل درامي ضخم    ممدوح الصغير يكتب: بتقرير الطبيب الشرعي فضح الزوجة    «المخفي» يقدم أحمد سلطان في أول بطولة سينمائية مُطلقة.. قصته وموعد عرضه    محافظ الغربية ونائبه يشهدان احتفال الطرق الصوفية بمولد السيد البدوي    وسط ترقب لقرارات المركزي..أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 17 أكتوبر 2024    اللواء سمير فرج يكشف أسرار نصر أكتوبر | تفاصيل    في اليوم العالمى ل«العصا البيضاء».. جهود حكومية لدعم ذوى الإعاقة البصرية    وزير الأوقاف يهنئ اللواء حسن محمود رشاد لتعيينه رئيسًا لجهاز المخابرات العامة    دراسة أمريكية: زراعة الكلى آمنة بين المصابين بفيروس نقص المناعة    سيراميكا كليوباترا يكشف سبب رفض انتقال بيكهام ل الزمالك    حظك اليوم| برج الدلو 17 أكتوبر.. «تجارب غير متوقعة»    "الآيس كريم: الحلوى المفيدة التي قد تتفوق على الحلويات الأخرى!"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد التفجيرات.. محمد المنسي قنديل
نشر في التحرير يوم 29 - 01 - 2014

استمرارًا لكوابيس الليل، نستيقظ على أخبار الانفجار. للوهلة الأولى يبدو بسيطا، دمار فى واجهة مديرية الأمن، نوافذ محطمة، وأجزاء من الأفريز الخارجى للمبنى، شهيد من الضباط، وإصابات غير محددة بين المجندين، تبدو ملامح الرعب على وجوه واحد منهم، يردد وهو لاهثا، ربنا يستر، بخوف من يخشى الضربة الثانية، ولكن فى ما بعد نكتشف أن هناك خسارة أكبر فى الجانب الآخر من الطريق، لم يتحمل مبنى متحف الفن الإسلامى، الذى كان قديمًا وأثريًّا وهشًّا، قسوة الانفجار، فانحنى جريحًا.
دُمر واحد من أكبر متاحف الحضارة الإسلامية فى العالم، حتى تركيا التى احتلت أكثر من بلد إسلامى، ونهبت كل ما فيها من كنوز لا تملك متحفًا مثله.
وقبل أن نلملم الجراح يقع الانفجار الثانى فى إحدى محطات المترو المزدحمة، ويقع المزيد من الضحايا والجرحى، ويلاحقهم الانفجار الثالث فى الوراق، ثم الرابع فى إحدى دور السينما فى الجيزة، ويسود الذعر فتخلو الشوارع المزدحمة من الناس، ويتجمع الناس حول أجهزة الإعلام ليسمعوا بيانا غامضا من جماعة غامضة تدعى بيت المقدس. أين توجد هذه الجماعة؟ ولماذا لا يمسها شىء رغم الحرب المعلنة عليها فى سيناء؟ ولماذا نراها تبعث من جديد رغم كل البيانات التى تبشرنا بالقبض عليهم أو قتلهم، ومن هؤلاء الناس الذين يتم القبض عليهم فى كل مرة، لا إجابة، بل إن التفجيرات تكشف عن حالة الفوضى المرعبة، يمكن أن نوجز حصيلتها فى عدة نقاط:
أولا: نحن لا نخسر أرواحنا فقط، ولكن معالم حضارتنا أيضا. وسط أشلاء القتلى والجرحى يضيع جزء من شخصيتها وهويتها، فمصر هى بيت آثار العالم، لا تترك الفرصة لأحد حتى يتخيل الماضى، ولكن تقدمه له محفورًا وجامدًا، تفقد مصر الآن جزءًا مهمًّا من ذاكرتها وشخصيتها من خلال الحرق المتواصل لمتاحفها. أولها كان المتحف المصرى الذى تعرض للعنف مع بداية الثورة، لم يرحمه البلطجية، الذين هم الأسوأ فى العالم، وسرقوا مقتنيات لا نعرف عددها، ومن أشد الأماكن فيه تحصينًا وهى مجموعة «توت عنخ أمون» وقيل إن بعض القطع قد رُدَّت، وبعضها تم العثور عليه فى الزبالة، ولم نعرف الحقيقة حتى الآن، ولكن ما حدث فى المتحف المصرى لا يقاس بما حدث بعد ذلك، فقد تم نهب متحف ملوى بالكامل، وسرقت التحف التى توثق لفترة «إخناتون» النادرة المثال، وها هى الكارثة تتضاعف، ونفقد واحدا من أعظم المتاحف الإسلامية فى العالم، لا يكفى المال ولا يمكن لشىء أن يعوض هذه الخسارة، دمرت المقتنيات الأثرية، وأصبح السقف على وشك الانهيار، اليونسكو انتفض، أدرك مدى الخسارة التى ستصيب الإنسانية بضياع هذه المقتنيات، وهب لنا مئة ألف دولار.
وأعلن المسؤولون أن تكلفة الخسارة تتجاوز المئة مليون دولار، شعور الحسرة أبكى الجميع، بينما القلوب العمياء التى وضعت نصف طن من المتفجرات فى العربة تفتقر لأى إحساس بالحضارة والتاريخ، فكيف نسلّم لهم ونرضى بحكمهم، ونثق فى أنهم يمثلون الإسلام، وهم يدمرون آثاره دون مبالاة، وهم لا يخفون كراهيتهم لهذه الآثار، لأنها من بقايا الوثنية والفكر، ويقاومون الأفكار الجديدة بدعوى أنها من مظاهر الغزو الفكرى، يقيمون بذلك دائرة مغلقة حول العقل المصرى، يحفُّها الخوف ولا يوجد فى داخلها إلا الإظلام، أى أنهم يحولون الإسلام إلى عبء على كواهلنا بدلًا من أن يكون طريقًا للخلاص، وإلى قيدٍ يغل عقولنا بدلًا من أن يكون دعوة للتحرر والاستنارة.
ثانيا: نحن نمتلك، كلا، تمتلكنا شرطة مزهوة، ولكن كفاءتها منخفضة، قبل حدوث الانفجارات بساعات قليلة كانت تحتفل بانتصارها على الثورة، تؤكد للجميع أنها هى الباقية والثورة شأن عارض، فقد نجحت فى استرداد عيدها، وارتدت قياداتها الملابس الرسمية السوداء، وجلسوا يستمعون للأغانى التى أُلِّفت من أجلهم، بأى مناسبة كانوا يحتفلون؟ بذكرى تصديهم فى الإسماعيلية لجنود الاحتلال البريطانى فى مطلع الخمسينيات، أم لأنهم عادوا لمقدمة المشهد من جديد ووضعوا شباب الثورة فى السجن وسط احتفاء ومباركة شعبية، هذا المنظر الفخم كما يبدو على الشاشة كان يخفى داخله ضعفًا جعلهم يتلقون العديد من الضربات الانتقامية على يد الإرهابيين، كل حادثة تكشف عن تقصير أمنى.
السيارة المفخخة كانت قريبة أكثر مما ينبغى من هدفها، والمعلومات التى تتسرب فى عمليات الاغتيالات كثيرة أيضا، وهو أمر يحتاج إلى توقف ومراجعة، الشرطة تلعب دورًا مهمًّا فى حياتنا، ولكنها تمارس القمع بشكل خاطئ، وقد دفعت الشباب إلى الثورة فى 25 يناير منذ ثلاثة أعوام، أرجو أن لا تدفعهم ممارساتها الحالية إلى الثورة من جديد، هذه المرة لا تواجه الشرطة شبابًا متمردين يريدون مستقبلًا بلا قمع، ولكنهم يواجهون، فى الأساس، جماعات إرهابية مدججة بالسلاح، وعليها أن تحسن من كفاءتها القتالية، فالقبض العشوائى الذى تمارسه لن يفيد كثيرًا طالما بقى المجرمون الحقيقيون طلقاء، واجب الشرطة أن تتواضع قليلا وتدرك أنها تخوض معركة صعبة، وأن شباب الثورة يمكن أن يكونوا حلفاء لها فى مواجهة الإرهاب، وعليها أن تكف عن الدق على رؤوسهم.
ثالثا: مهما تبرأ الإخوان من هذه التفجيرات فهى ملتصقة بهم، وهى تحدث استجابة لتصريحهم، وقد تخطوا بهذه التفجيرات كل خطوط المصالحة والتفاهم، فهم لم يسعوا ولن يسعوا لأى مصالحة، وليس لهم أى أفق سياسى، بل الذى يقومون به فقط هو إنهاك الدولة وإنهاكنا وبث الرعب فى نفوسنا، وهى ليست أهدافًا نبيلة بأى حال من الأحوال، وفى الحقيقة فإن مصر سيئة الحظ فى الرجال الذين تختارهم لقيادتها، وسيئة أيضا فى المعارضة التى تخرج عليها، لقد ابتلينا بشوكة ستظل فى ظهرنا لمدة طويلة، وسيكلفنا التخلص منها الكثير من الجهد.
رابعا: لقد تحولنا إلى شعب مرعوب يتوسل من أجل عودة الاستبداد، يستبدل رغبته فى الحرية بحاجته إلى الأمن، نقف جميعًا على حافة المأزق المعتاد، حين يستحكم الخناق وتضيق الرؤية، ويصبح علينا أن تختار رئيسًا واحدًا لا بديلًا، أصوله عسكرية، يدخل بنا إلى حقل المعركة بدلا من أن يبنى مجتمعًا ويقيم حياة مدنية، لأننا ببساطة شعب نمرود لا ينفع معه إلا رئيس عسكرى، يقولها الناس كأنهم يعاقبون أنفسهم على شهور الثورة والتسيب، كأن الشعب المصرى يتأهب لطىِّ صفحة الثورة، والعودة إلى الحظيرة نفسها التى تستكين إليها شعوب العالم الثالث.
وفى هذا السياق تتعالى التوسلات والرجاءات وأحيانا البكاءات، كلها تطالب الفريق السيسى بأن يتقدم إلى معركة الترشيح على الرئاسة، ومن المؤكد أن الفريق السيسى قام بواحد من أكثر الأعمال نُبْلًا فى التاريخ المصرى المعاصر، ولكننا لا نريده أن يكون حلَّ الضرورة، أو الخلاص من المأزق، نريد أن نمتلك ولو لمرة واحدة حرية الاختيار، بعيدًا عن الضغوط الأمنية ودوى الانفجارت، نريد أن نذهب إلى الصناديق بأرواح حرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.