ليس هناك شك فى أن المصريين عبروا من خلال الاستفتاء عن رأيهم فى الإخوان، وأن إبعادهم عن الحكم كان مطلبًا جماهيريًّا، وأن تأييد الجماهير خارطة الطريق لا يمكن التشكيك فيه، لكن هذه النتيجة لا يجب أن تغمض أعيننا عن بعض الظواهر الملفتة.. ومن يقرأ نتيجة الاستفتاء، ويرصد بعض المشاهد فيه، يدرك أن هناك رسائل واضحة بعثها عدد من القوى والتجمعات إلى من يريد أن يترشح للرئاسة، ويعبر بالبلد إلى المستقبل. 1- الشباب هل كان عدم مشاركة قطاع «شبابى» بعينه، فى الاستفتاء، بالعدد المتوقع، عزوفًا عن المشاركة، أم عودةً إلى عدم الاهتمام بالسياسة؟ أم أنه تعبير عن الغضب؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى دراسات كثيرة ومتعمقة، لكن الرؤية السريعة، تقول إن موعد الاستفتاء، الذى تزامن مع الامتحانات قد يكون مؤثرًا.. لكن، على مجموعة قليلة من الطلاب «غير المهتمين» بالسياسة أصلًا، وهؤلاء عددهم غير مؤثر، وعدم مشاركتهم لا يعطى معنى «المقاطعة» أو العزوف. أما الرسالة الحقيقية فتأتى من الشباب الذى شارك فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وملأ الشوارع وسمع العالم كله هتافاته، وأنصاع الجميع لإرادته، لماذا لم يشارك هؤلاء؟! هل أصابهم اليأس بعد أن رأوا رجال الحزب الوطنى المنحل، وهم يعتلون المنصات ويدعون الجماهير لقول (نعم) للدستور؟ هل أحبطوا بعد أن شاهدوا رجال مبارك، وهم يتقدمون الصفوف ويعودون رويدًا رويدًا إلى أماكنهم ويحتلون شاشات الفضائيات، ويكتبون فى الصحف، وتدعو اللافتات، التى تحمل أسماءهم، الناس إلى الذهاب إلى الاستفتاء فى نفس أماكن لافتاتهم القديمة التى كانت تؤيد تعديلات مبارك الوهمية على الدستور، وتؤسس للتوريث؟! هل أحس الشباب أن دماءهم وأرواح زملائهم الذين استشهدوا راحت هباءً، دون ثمن بعد البراءات التى حصل عليها المتهمون بقتلهم، وتوقع حصول مبارك على البراءة هو وأولاده، وربما عودتهم إلى الممارسة السياسية مرة أخرى قريبًا؟.. أم أن سبب عدم مشاركة الشباب يعود إلى عدم قدرة وسائل الإعلام فى إقناعهم بأن الدستور يفتح أمامهم أبواب المستقبل، وأنه دستورهم، وليس دستور الأجيال التى أصابتها الشيخوخة السياسية والفكرية والعمرية؟ أم أنهم شعروا بعودة منهج نظام مبارك فى التشهير بالمعارضين وأن قبضة الداخلية عادت قوية، وهو أمر مطلوب لمواجهة الإرهاب، لكن الخطأ أنها تمارس نفس الأساليب القديمة دون تجديد أو ابتكار أو معرفة أن الزمن تغير وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء مرة أخرى؟ أم أن وسائل الإعلام بأساليبها البالية فى الدعوة للدستور ومناصرته، وبالأغانى السقيمة التى أذاعوها مرارًا وتكرارًا وهى تخلو من الصدق المثير للحماس، قد أوحت أن الأمر منتهٍ، والدستور سيعبر بنسبة كبيرة، ولا داعى للذهاب إلى اللجان وإضاعة عدة ساعات من الوقت؟ فى كل الأحوال.. فإن الأمر يحتاج إلى دراسة عاجلة، خصوصًا ممن يريد أن يعتمد على الشباب قبل أن يعودوا إلى اليأس أو يتحولوا إلى «قنابل موقوتة» ستنفجر يومًا فى الجميع. 2- حزب النور لم نرَ المشاهد المعتادة فى كل استفتاء وانتخابات، لم يقف فى الطوابير السلفيون بمظهرهم المعروف اللحية الكثة والجلباب، والنساء المنتقبات، لم نشاهد الشباب يحملون (لاب توب) بالقرب من اللجان يوجهون الناخبين ويستخرجون أماكن لجانهم، وأرقامهم فى الكشوف، لم يلفت نظرنا مثلما يحدث فى كل انتخابات النساء المنتقبات المتحمسات، أو سيارات «الميكروباص»، تحمل الأنصار من المنازل إلى اللجان إلا قليلًا وقرب موعد إغلاق اللجان، إذن لماذا لم يشارك السلفيون بالعدد المتوقع رغم الجهود الإعلامية لحزب النور السلفى ورغم إعلانهم أنهم عقدوا 215 مؤتمرًا على مستوى الجمهورية وخصصوا 12 ألف سيارة لنقل المواطنين وتنظيم مسرات تدعو للدستور؟ الإجابة لن تخرج عن واحدة من ثلاث: إما إن حزب النور بلا جماهيرية ولا قاعدة شعبية، وقد روّج لنا قادته الوهم طوال الفترة السابقة عن قوته وانتشاره العريض فى كل أنحاء الجمهورية، بينما هو مثل باقى الأحزاب الورقية التى لا تأثير لها، وليس لها وجود بين المواطنين. وإما أن هناك لعبةً سلفيةً، مفادها أن يمارس جزء منهم (التقية)، وعدم إظهار أفكارهم الحقيقية، والتعاون مع السلطة القائمة حتى لا يتم إقصاؤهم من الحياة السياسة، ويبتعدوا عن مصير الإخوان، بينما المشايخ والقواعد يظلون على أفكارهم وعدم المشاركة فى الاستفتاء على دستور يرونه غير إسلامى. وإما أن بعض مشايخ السلفيين أقوى لدى التابعين للمنهج السلفى من ياسر برهامى ونادر بكار ويونس مخيون وغيرهم ممن أيدوا الدستور، وأن الأخيرين فقدوا تأثيرهم على تابعيهم، وأصبحوا بلا حول ولا قوة. وفى الحالات الثلاث يجب الانتباه إلى السلفيين وتحالفاتهم الحقيقية فى الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو البرلمانية، وأنه لا أمان لهم، وأن حزب النور ليس القوى التى يعمل لها حساب فى المعادلة السياسية. 3- الفلول رغم محاولة أعضاء الحزب الوطنى «المنحل» تصدر المشهد، وركوبهم موجة الثورة وكأنهم صانعوها، فإن لافتاتهم التى ملأت الشوارع، لم يكن لها تأثير يذكر سوى سلبى، ولم يكن لهم قدرة على الحشد، ومن يريد دليلًا عليه أن يقرأ أعداد المشاركين فى الدوائر التى ظهروا فيها، ووقتها سيدرك الجميع أن عودة هؤلاء إلى المشهد السياسى، وتمسحهم بأى شخص يريد الترشح للرئاسة سيضره ولن ينفعه، وإذا لم يبعدهم عنه بشكل واضح وحاسم، فإن المعارضة له، خصوصًا من الشباب ستزيد، ويومها لن ينفع الندم. من يهمه الأمر.. عليه أن يقرأ رسائل الاستفتاء جيدا، وأن يعيها ويفهمها، وأن يقدر موقفه القادم من خلالها، ولا يكتفى بقراءة أعداد الذين قالوا نعم.. فهناك قوى أخرى يجب احترامها وإعادتها إلى تأييد خارطة الطريق.. ونرجو أن تصل الرسالة!