توقفنا بالأمس عند القول بأن التحدى الأبرز للرئيس القادم هو استكمال بناء مؤسسات الدولة، وإرساء نظام ديمقراطى حقيقى يليق بشعب قام بثورتين فى ثلاثين شهرا، نظام يحول مصر إلى دولة مؤسسات تتجاوز الأفراد. والحقيقة أن الرئيس القادم أمامه فرصة نموذجية لدخول التاريخ عبر استكمال بناء مؤسسات الدولة، فرصة أتيحت سابقا بعد ثورة 23 يوليو 1952، فقد تباينت الرؤى فى ذلك الوقت ما بين إعادة تفعيل الحياة لسياسية والحزبية وعودة الجيش إلى ثكناته، ووجود الجيش فى السلطة وإلغاء الأحزاب السياسية وتجميد عملية التطور الديمقراطى. تغلب أصحاب الرؤية الثانية وتم تجميد مشروع دستور 1954، ومن ثم ضاعت الفرصة على مصر ودخلت فى حكم فردى سلطوى، أدخلت عليه إصلاحات شكلية تجاوبا مع ضغوط الواقع، ولكن هذه الإصلاحات كانت أقل كثيرا مما كان مطلوبا، وانتهى الأمر بثورة الخامس والعشرين من يناير، التى أطاحت بنظام مبارك وعصفت بأمن الدولة واستقرار المجتمع، بل كانت الدولة المصرية ذاتها فى خطر شديد وكانت معرضة للتفكك وربما التقسيم. أضاع عبد الناصر فرصة بناء نظام ديمقراطى، دولة مؤسسات كان بمقدورها أن تكون نموذجا للمنطقة ككل، بل وللعالم الثالث، ومن قبل أن تعرف دول فى قارات العالم المختلفة بما فيها أوروبا، طريقها إلى الديمقراطية. أتيحت الفرصة مرة ثانية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأضاعها تحالف المجلس العسكرى السابق مع جماعة الإخوان، فقد تحالفا فى صفقة جاءت على حساب الدولة والشعب، صفقة مشبوهة جرى من خلالها تسليم البلد للجماعة، فتولت عملية تعديل الدستور على نحو وضع البلاد على أول طريق الدولة الدينية. استرد الشعب ثورته فى الثلاثين من يونيو، وعدنا إلى المربع الأول مرة ثانية، عدنا بعد أن خرج ملايين المصريين يطالبون بسقوط حكم المرشد، عدنا بعد أن استرد الشعب ثورته، وبدأت مرحلة انتقالية جديدة، وبدستور معدل يضع مصر على أول طريق التطور الديمقراطى، ستكون هناك انتخابات رئاسية ثم برلمانية، وبعدها نكون قد استكملنا بناء مؤسسات الدولة فتبدأ فى العمل، ومعها يبدأ التحدى، هل سيعمل الرئيس القادم على احترام الدستور، ويراعى الفصل بين السلطات ولا يسعى إلى العمل من خلال نخبة مغلقة أم لا؟ هل سيعمل الرئيس القادم على تكريس حكم القانون وحفز وتشجيع الحياة الحزبية، أم سيسعى إلى امتلاك حزب سياسى جديد يتشكل بعد الانتخابات القادمة، بمعنى يدفع بمن يروج داخل المجلس الجديد للقول بأن هناك حزبا جديدا يتشكل وسوف يكون حزب الرئيس الجديد، هنا يهرول عدد كبير من النواب المستقلين ونواب الأحزاب المختلفة بما فيها الأحزاب المدنية من ليبرالية ويسارية للإنضمام إلى الحزب الجديد، على اعتبار أنه سيكون حزب الأغلبية الجديد أو حزب الرئيس الجديد، أم أن الرئيس الجديد سيمارس صلاحياته كرئيس لكل المصريين دون أن يكون له حزب خاص به؟ المؤكد أن أى تحرك لتشكيل حزب جديد سيعيد إنتاج تجربة الحزب الوطنى ومشروع حزب المستقبل الذى كان ينوى جمال مبارك تأسيسه، وسيمثل خطرا شديدا على مستقبل التجربة الديمقراطية الجديدة فى مصر، ويضع أيضا بذور عدم استقرار فى البلاد، ومعها تتفاعل عوامل ثورة جديدة داخل التربة المصرية. المرجح أن رئيس مصر القادم وقبل أن يجلس على كرسى الرئاسة سوف يتأمل كل ما جرى فى مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية، ويسعى لتكريس التجربة الديمقراطية فى مصر، وأهم ما على الرئيس القادم تجنبه هو التفكير فى إنشاء حزب سياسى جديد، حتى لا يكون حزب السلطة الحاكم، ومن ثم يستقطب كل المنتفعين ورجال كل عصر، عليه أن يعمل رئيسا لمصر وكل المصريين ويكون فوق الأحزاب جميعا.