«إرث ثقيل»، يبدو أن جنوب إفريقيا ورثته، وعليها أن تحافظ عليه عقب رحيل الزعيم نيلسون مانديلا، رغم كل المؤشرات السلبية، التى تفيد بأن جنوب إفريقيا قد تكون تسير عكسه. رغم مرور سنوات طويلة على ترك «ماديبا» الحكم، فإن جنوب إفريقيا لا زالت تعانى من مجموعة من المشاكل المستعصية، والتى تزداد المخاوف من تفاقمها عقب رحيله، وأن تصل إلى تطبيق سياسات قريبة الشبه بتلك التى كانت مستخدمة خلال نظام «الأبارتيد» أو التفريق العنصرى، التى حارب مانديلا لإنهائها ثم صفح فى ما بعد عن جلاديه من البيض؛ لإنجاز ما يطلق عليه ب«المصالحة التاريخية» التى جنب بها بلاده ويلات السقوط فى حرب أهلية شعواء. فجنوب إفريقيا حاليًا تعانى كثيرًا من مسيرة متعثرة، بسبب الاضطرابات الاجتماعية، التى جعلت طموح مانديلا يتحول إلى «حلم مبتور» قد ينهار برحيله. وتعانى جنوب إفريقيا من أعلى معدلات للجريمة فى العالم، ويتعرض فيها نسبة كبيرة من النساء والأطفال لأعمال قتل واغتصاب وتحرش جنسى وجسدى، بحسب منظمة «اليونيسيف» التابعة للأمم المتحدة. كما أن جنوب إفريقيا، رغم التحسن الكبير فى اقتصادها، فإن قطاعًا كبيرًا من الشعب لا يزال يعانى من الفقر، حيث يكسب الكثير من المواطنين أقل من دولار فى اليوم الواحد. وقالت مجلة «التايم» الأمريكية إن من أبرز علامات ما وصفته ب«الإرث الثقيل» الذى تنتظره جنوب إفريقيا هو حزب «المؤتمر الوطنى الإفريقى» الحاكم، والذى كان مانديلا زعيمًا له فى السابق، ولكن الحزب فشل فى السير على نهج زعيمه، على حد قولها. وتابعت المجلة الأمريكية: «الحزب الحاكم بات اسمه مرادفًا للفساد، وسببًا لإشعال موجات من الاضطرابات والاحتجاجات العمالية العنيفة طوال العامين الماضيين، وسببًا لإشعال معارك وصراعات سياسية داخلية، ووجود مانديلا كان يحجِّم من تلك الصراعات، ولكن رحيله قد يكون سببًا فى انفجار الأوضاع». ومن جانبها، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: «إن الأزمة الكبرى أن الرئيس الجنوب إفريقى الحالى، جاكوب زوما، تطوله اتهامات فساد واسعة منذ وصوله لمقعد الرئاسة عام 2009، خصوصًا بعدما ثبت استيلاؤه على 21 مليون دولار أمريكى من المال العام أنفقها على التجديدات الأمنية لقصره الخاص». ولهذا فإن كثيرًا من الجنوب إفريقيين يخشون على مستقبل بلادهم بعد غياب مانديلا؛ بسبب تفاقم التوترات العرقية والاضطرابات العمالية الدامية والاحتجاجات المتصاعدة على ضعف الخدمات والفقر والجريمة والبطالة وفضائح الفساد، التى تلاحق حكومة زوما، ما يجعل جنوب إفريقيا، رغم كونها أضخم اقتصاد فى القارة السمراء، إلا أنها إحدى أكثر دول العالم افتقارًا إلى المساواة والعدالة وبعيدة عن نموذج الأمة الموحدة التى كان يحلم بها «ماديبا». أما بالنسبة لمراسم تأبين مانديلا، التى أعلن زوما أنها ستكون يوم 15 ديسمبر الجارى فى مسقط رأسه بقرية «كونو» جنوب شرقى البلاد، فسوف تشهد على ما يبدو حضور عدد كبير من زعماء العالم. وأضاف زوما: «إن مراسم وطنية ستقام للرئيس السابق فى العاشر من نفس الشهر الجارى فى ملعب سوكر سيتى لكرة القدم فى سويتو قرب جوهانسبرج». وأكد: «سنعمل معًا من أجل تنظيم جنازة جديرة بهذا الابن الاستثنائى لبلدنا وأبى أمتنا الفتية»، كما سيسجى جثمان الزعيم الجنوب إفريقى الراحل فى «يونيون بيلدينجز» مقر الرئاسة فى بريتوريا من 11 إلى 13 ديسمبر. وكان أول المعلنين عن حضوره مراسم تأبين وتشييع جثمان مانديلا هو الرئيس الأمريكى باراك أوباما وزوجته ميشيل. قال البيت الأبيض: «إن أوباما سيسافر إلى جنوب إفريقيا الأسبوع المقبل لتقديم التعازى والمشاركة فى تأبين مانديلا». وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاى كارنى، فى بيان: «سيسافر الرئيس أوباما والسيدة الأولى إلى جنوب إفريقيا الأسبوع المقبل لتقديم تعازيهما فى وفاة نلسون مانديلا والمشاركة فى مراسم التأبين. وسنوافيكم بتفاصيل عن موعد الزيارة والترتيبات حالما أتيحت». وقال كارنى، المتحدث باسم البيت الأبيض، فى المؤتمر الصحفى اليومى: «إن أوباما ومانديلا تحادثا هاتفيا فى عام 2010 أو عام 2011 وكانا قد تحادثا أيضًا بعد أن فاز أوباما أول مرة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى عام 2008». وأعلن كذلك الرئيس السابق جورج بوش الابن الدعوة للسفر إلى جنوب إفريقيا فى الطائرة الرئاسية الأمريكية، حسب ما أعلن متحدث باسم الرئيس السابق. وقال المتحدث، فريدى فورد: «إن بوش وزوجته لورا قبلا بامتنان دعوة الرئيس وعقيلته لمرافقتهما إلى جنوب إفريقيا على متن الطائرة الرئاسية والمشاركة فى تشييع الرئيس نلسون مانديلا الأسبوع المقبل». وأكد الرئيس الأسبق بيل كلينتون لشبكة «سى إن إن» الأمريكية أنه سيتوجه إلى جنوب إفريقيا برفقة زوجته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون. وقال كلينتون: «كل عائلتنا سوف تذهب إلى جنوب إفريقيا، لا يمكن أن أفوت هذه الفرصة.. سأكون مجرد شخص بين آخرين.. (مانديلا) كان صديقًا حقيقيًّا وشريكًا مميزًا عندما كان رئيسًا، يجب أن أقول له وداعًا لآخر مرة».