«يتناول فى هذا الكتاب أبوابًا من المعرفة، كل منها يمت للحياة بصلة وثيقة، ويجمع من شملها ما تفرق من أدب رائع وعلم نافع، تزخر بهما هذه الحياة العامرة، وهو فى كتابه واسع الخيال، واضح الأسلوب، يحط على كل غصن فى شجرة هذه الحياة، فيقطف منها ثمرة جنية»، بهذه الكلمات قدم الشاعر الكبير أحمد رامى كتاب «رسالة الحياة» لشاعر الأطلال إبراهيم ناجى. «رسالة الحياة» التى أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طبعه مؤخرا، يكشف عن جانب جديد فى فكر وشخصية الشاعر الكبير، كما جاء ترتيب رسائل الحياة فى كتابه عفويا وتلقائيا تماما على ما يبدو، فناجى لم ينس أنه شاعر فى الأساس، ولذلك يبدأ كتابه برسالة الأدب، ليبحث فى أصل الكلمة ومشتقاتها فى اللغة القديمة، ثم تعريف الأدب وهو يرى أنه «فرع من الفن يصل بنا عبر قنطرة الكلمة إلى حيث نرى ونؤمن بالجمال». ناجى يبدو متحيزا فى رسالة الأدب إلى ما يكتبه من شعر، فيقول عنه «أعظم الكلام فى أعظم مواضعه»، معتبرا أن النثر معتمد على المنطق، والقياس، والاتزان، كما أنه يخلو من مميزات الشعر كالعاطفة والغموض الجميل، والإيقاع، واللفظ الموحى. ينتقل ناجى إلى رسالة الفلسفة، ليتناول نموذجا لأحد أهم الفلاسفة فى التاريخ القديم وهو سقراط، من خلال تتبع أثره فى ثلاث مراحل، الأولى من مولده وحتى قامت الحرب بين أثينا وإسبارطة والتى جند فيها سقراط، ثم الثانية وقت الحرب التى أنهكت أثينا وعصفت بقوتها، ثم الأخيرة وهى مرحلة الرسالة، التى اشترك فيها سقراط فعليا فى أمور مواطنيه، واعتبرها ناجى أهم المراحل شأنا. ولأن سقراط لم يهتم بتدوين آثاره الفكرية بين دفتى كتاب، لأن عصره لم يكن عصر الكتب، بل عصر المسرحيات، ولأن انشغال العباقرة برسالتهم، قد يصرفهم عن تدوين ما فى حياتهم من أعمال، يتناول ناجى حياة سقراط من خلال ما دوَّنه تلميذه أفلاطون، وتناوله أرستوفان، وما كتبه زينوفون فى مذكراته. ويبحث ناجى فى تعريف الحضارة فى إحدى رسائله بالكتاب، ويقول فى مقدمتها «إنه إذا افترضنا أن تاريخ الكائنات 100 عام، فإن تاريخ الإنسان شهر، والإنسان المتحضر سبع ساعات، أى أننا لا نزال فى حواشى الفجر». ويرى شاعر الأطلال فى هذه الرسالة أن من ذكرهم التاريخ فى كتبه، وأفرد لهم الفصول الطوال، كإسكندر الأكبر وهانيبال ونابليون هم الذين يجب إخراجهم من كتاب الحضارة، لأنهم هم الذين أخروا العالم، بينما نجد أن هناك قلة من البشر نشؤوا وعاشوا أفذاذا، وهم الذين أقاموا بناء الحضارة على أكتافهم. رسائل أخرى حواها الكتاب، منها «رسالة العقل» والبحث فى تطور العقل البشرى، وتحديد ماهية ذلك الشىء الذى يميز الإنسان، ورسالة الشباب الذى تناول فيها ناجى ما قدمه المجتمع لإصلاح شبانه، من تعليم والوعظ والعقاب والثواب، ويطرح الشاعر الكبير سؤالا حول وجود نقد أدبى، ويؤكد أن الإجابة هى لا، ويذكر أسبابا لعدم وجود نقد حقيقى فى مجتمعنا العربى، أبرزها الخلط بين النقد والعرض عن غير وعى. واختار الكاتب الأدب الروسى ليكون ضمن رسائل الحياة فى كتابه، باعتباره ثورة على الاتجاهات الأدبية كما عرفها التاريخ الأدبى، كما أنه نجح فى إيجاد انسجام بين فريقين فى الكتابة، إحداهما مغرق فى الخيال، والآخر متعمق فى الواقعية.