رواية «كتاب الرسم والخط» هى فى الأساس دراسة عميقة لسيكولوجية العلاقات بين الرجل والمرأة فى المجتمع الأوروبى المعاصر، وتأملات فى معانى الحياة والفن والسفر عبر الزمان والمكان، على خلفية من صراعات سياسية فى شبه جزيرة أيبيريا. ولكن هذه الرواية هى فى الواقع أيضا كل شىء جال بخاطر المؤلف فى أثناء التأليف. نحن فى لشبونة عاصمة البرتغال خلال النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، حين كانت البلاد لا تزال فى قبضة الحكم العسكرى. بطل العمل الذى يتحدث إلينا بضمير المتكلم، يسمى نفسه «H إتش»، ومهنته التى يعيش منها هى رسم البورتريه (وجوه الأشخاص). هو فى الخمسين من عمره، وليس لديه أبناء، لأنه لم يتزوج قط. يقوم إتش برسم لوحة بورتريه «S إس»، وهى لوحة لم تنجح تماما بسبب أن «إس» كان يتعالى على «إتش» ويتعامل معه ببرود، وقد أدى هذا إلى عدم إحساس «إتش» بالتعاطف مع «إس». عندما ذهب «إتش» لمعاينة البرواز الذى سيحتوى اللوحة فى مقر عمل «إس» الموظف الكبير فى الإدارة، بالمبنى الحكومى الذى يحمل فوق واجهته هذه الحروف «SPQR» لفتت انتباهه السكرتيرة الشابة أولجا، فبدأ فى مقارنتها بأدلينا التى كانت عشيقته حتى تلك اللحظة. ينتقل بنا الراوى إلى وصف العملية الجنسية مع أدلينا حيث يستعمل مفردات جديدة من نوع (سر الكون/ معمل المبايض/ عبق الأرض/ الحيوانات المحكوم عليها بالموت مقدَّمًا). يؤكد لنا أنه لا توجد خيانات فى العلاقات الحرة التى لا ترتبط بالزواج، وذلك لأن نهاية المشاعر تعنى نهاية العلاقة، بهذه البساطة ودون أية تعقيدات. (عقود الزواج هى أقفاص للمجانين). عدا الاحتقار المتبادل بين «إتش وإس»، أصبحت هناك كذلك أولجا العشيقة المتبادلة بينهما. أحسّ «إتش» على الفور أن لدى أولجا الاستعداد النفسى لهذه المغامرة السرية الصغيرة. يقول (تفاجئنا الأنثى دائما، ونكتشف أننا لم نعرف بعد كل شىء عن هذا المخلوق الدونى). ثم يقول (أولجا بلا زوج، ولكنها تنتظر نصيبها بأى شكل، ولأنها تعرف أنها لن تجده، فهى تواصل انتقامها البسيط من المجتمع، باستمرار ممارستها لانتهاك الحرمات). ثم يقول (أنا فى الخمسين ما زلت قادرا عليها، إذ لم تدمّر السن كل شىء بعد). يقرر الرسام أن يبدأ فى تسجيل أفكاره بالكتابة فى كراس بدلا من الرسم، فهو يتساءل مثلا إن كانت شخصية المؤلف تولستوى موجودة ضمن شخصيات روايته الحرب والسلام؟ ثم يبدأ فى استعراض شخصيات أصدقائه الثمانية الذين يكوّنون شلة سهراته، وفى وصف جولاته الليلية بالسيارة عبر شوارع برشلونة. ثم يصل بنا إلى ما يسمّيه تمارين فى الكتابة. هو فى التمرين الأول يقوم بتقليد جان جاك روسو فى بداية مذكراته المعروفة باسم الاعترافات. ثم فى الثانى يقوم بتقليد دانيال ديفو فى روايته «مغامرات روبنسون كروزو». ثم تتوالى تمارين الكتابة فى وصف رحلاته السياحية والفنية إلى مجموعة من مدن شمال إيطاليا، مثل ميلانو وفينيسيا وفلورنسا وبادوفا وسيينا، حيث الكاتدرائيات القديمة والقصور العريقة ومتاحف الفن. ثم رحلة إلى روما والفاتيكان. هناك مثلا تأملات فى لوحة العشاء الأخير لليوناردو دافنشى، وفى محاولات ترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه، بعد أن كانت رطوبة الجو قد أتلفتها. طبعا كانت معالجة كل هذه الموضوعات الفنية، جديرة بكراس مذكرات فنان. تأتى بعد ذلك مجموعة من الفصول القصيرة المتنوعة، فعندما يبدأ الرسام فى فقد زبائنه واحدا بعد الآخر، يبدأ فى الإحساس بالقلق على مستقبله المادى، فيأتى فصل عن ذكريات فقر وحرمان الطفولة، والسكن لمدة سنوات مع الوالدين فى حجرة واحدة، يتشاركون مع الآخرين فى مطبخ وحمام الشقة، وعن محاولة النوم مع طفلة فى نفس السرير لمعرفة ماذا كان الآباء يفعلون فى أثناء الليل. ثم عندما تزداد حركات المعارضة الشبابية والعمالية لحكم الديكتاتور سالازار، ويقبض على بعض منهم ويسجنه، تظهر فى الرواية أخت صديقه أنطونيو المقبوض عليه، وتطلب منه أن يذهبا معًا لزيارته فى السجن ثم يعودان معا بوالديه العجوزين لزيارته فى السجن، وهكذا يقع «إتش» مرة أخرى فى الحب.