واشنطن ما زالت «قلقة» تجاه التطورات المتتالية والتوترات المتلاحقة فى الدول «التى كان لها نصيب من الربيع العربى» وعلى رأسها مصر بالطبع. وواشنطن تعرب أحيانًا عن قلقها وعمق هذا القلق ومداه، وأحيانًا أخرى ولقلة الحيلة تسكت وتظل صامتة، أو تطرح وتقترح ما تراه مناسبًا ومطلوبًا، وربما ما تعدّه دعمًا للخروج من «حالة اللا استقرار». ولا شك أن «حالة اللا استقرار» هى السمة الغالبة التى يتفق عليها أغلب المراقبين وهم يرون ويتابعون ويصفون ما يحدث على أرض الواقع المصرى، ومن ثَم فإن أى حدث أو قرار أو خطوة يتَّخذها الرئيس مرسى يطرح معها التساؤل إياه: هل تأخذ مصر والمصريين إلى «تهدئة الأوضاع» و«الإقلال من الانقسام» و«تهيئة الأجواء لمزيد من التوافق والمصالحة» أم عكس ذلك؟
وبهذا المفهوم والمنطق عكست الصحف الأمريكية الكبرى، أمس، «قلق أهل واشنطن» وأيضًا رغبتهم فى فهم التغيير الوزارى الأخير والتعامل مع تبعاته، وكيف أن هذا التغيير سيزيد من وجود الإخوان ونفوذهم وسيطرتهم؟ وكيف سيكون التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد والمزمع تحقيقه مع نهاية الشهر الجارى؟ ثم هل هذا التغيير الأخير سيقلِّل من «اللا استقرار» و«التوتر» أم أن «الانقسام» و«الغضب العام» سيزداد حدة.
«واشنطن بوست» حرصت مع وصف الحالة على نقل وجهة نظر الإخوان المسلمين على لسان المتحدث باسمها محمود غزلان، الذى قال إن «قراءتى للوضع هى أن أداء الحكومة السابقة لم يكن على مستوى المطلوب. وأنا آمل أن الحكومة الجديدة سيكون أداؤها أفضل وأنها سترتقى بالبلد بشكل ملموس بحيث يشعر به المواطن العادى».
كما أن غزلان لم تفته الفرصة لكى يقول ل«واشنطن بوست»: «عندما يفوز مرشح للحزب الديمقراطى فى الولاياتالمتحدة هل يقوم بتعيين جمهوريين؟ هل يقوم بتعيين منافسيه؟» مضيفًا أن على النقيض من ذلك فإن مرسى يعد أكثر مصالحة!!
وما دامت رئاسة الرئيس مرسى و«قيادته لدفة الأمور فى مصر» هى موضع اهتمام أهل واشنطن، فإن الكل ما زال يريد أن يعرف كيف يفكّر مرسى وينظر إلى القضايا المختلفة، خصوصًا بعد أن قام ب«تعزيز سلطاته وزيادة تحكمه فى مقاليد الحكم» و«تمرير الدستور».
وآخر حديث مطول وشامل له مع الإعلام الأمريكى كان مع مجلة «تايم» مع نهاية شهر نوفمبر الماضى، لذلك فإن حديثه يوم الأحد مع شبكة «سى إن إن» التليفزيونية رآه المراقبون ربما فرصة ومناسبة أخرى، لكى يتعرَّفوا أكثر فأكثر على الرئيس مرسى وتفكيره وتحديدًا فى ما يخص الأوضاع المصرية الاقتصادية والأمنية والسياسية.. وأيضًا الديمقراطية من الحريات وحقوق المرأة وحماية الأقليات والمجتمع المدنى. وللعلم هذه القضايا المثارة والمعروفة جملة وتفصيلًا لدى المعنيين بها والمهمومين بشأنها لم تعد أمورًا يمكن تجاهلها أو الكذب بشأنها أو تجميلها أو «انتو مالكم؟».
والحوار مع «سى إن إن» أجراه الإعلامى الشهير وولف بليتزر، الذى التقى عديدا من قادة العالم على مدى العقدين الماضيين. والمعروف أن بليتزر قد أجرى فى شهر ديسمبر الماضى حوارًا مع الدكتور عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية والتعاون الدولى، وكان بليتزر خلال الأزمة الأخيرة ما بين إسرائيل وغزة موجودًا فى إسرائيل ينقل تبعات سقوط الصواريخ على مدن إسرائيلية.
وكانت واشنطن منذ أيام ومن خلال الخارجية قد أبدت قلقها تجاه ما اتَّخذته الحكومة المصرية من إجراءات لتقييد حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير. وكما كان المتوقع «فى الفترة الأخيرة» بادر عصام الحداد بإصدار بيان بالإنجليزية على موقعه ب«الفيسبوك» «هو الثالث فى ما أعتقد»، ليشير إلى أن مؤسسة الرئاسة وكذلك الحكومة لم تقم بإجراء قانونى ضد باسم يوسف، وأن الدعاوى القضائية التى أُقيمت ضده جاءت بمبادرات فردية من محامين مستقلين. كما ذكر الحداد فى بيانه بالإنجليزية أن الدستور المصرى الجديد يكفل الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ومن بينها حرية التعبير والصحافة. وطبعًا الكلام لكِ يا واشنطن «يا الخارجية والمتحدثة باسمها». ويذكر أن بيانات الحداد بالإنجليزية لفتت انتباه الإعلام المصرى وربما أكثر مما لفتت اهتمام الإعلام الغربى، تسعى «والله أعلم» إلى «تحسين الصورة» أو «تلميعها» بالإنجليزية لعل وعسى. ويتوقع المراقبون للشأن المصرى أن تتزايد هذه الحملات الإعلامية الدعائية الإخوانية فى الأسابيع المقبلة، وقد نقرأ ونشاهد حوارات جديدة للرئيس ومقالات للحداد فى الصحف الأمريكية استعدادًا وتمهيدًا لزيارة لواشنطن قد تتم فى شهر فبراير المقبل.
وما دمنا نتناول حديث واشنطن والأجواء فى عاصمة القرار الأمريكى، فإن واشنطن تنتظر هذه الأيام زيارة الرئيس الأفغانى حامد كرزاى. والزيارة للتباحث والتشاور والتفاوض والاتفاق حول مستقبل أفغانستان وتحديدًا مع خروج القوات الأمريكية منها فى 2014. إذ مع بدء الولاية الثانية لأوباما يبدأ العد التنازلى لسحب القوات من أفغانستان والتعامل مع واقع آخر تتخوف منه دوائر أمريكية عديدة. وكما يبدو فى الأيام الأخيرة ومع خطاب الرئيس بشار الأسد، فإن الملف السورى سيكون الشغل الشاغل لواشنطن فى المرحلة المقبلة، خصوصًا أن «بقاء الحال على ما هو عليه الآن أصبح من المحال»، كما أن الأمر يزداد سوءًا، إلا أنه أيضًا لا أحد أو طرف على استعداد لحسم الأمر والتعامل مع ما المجهول المخيف لما بعد الأسد.
ومع ترشيح السيناتور الجمهورى السابق تشاك هيجل وزيرا للدفاع، من المنتظر ومن المتوقع أن تشهد واشنطن سياسيًّا وإعلاميًّا مواجهة شرسة قد «تعوق» أو«تعرقل» اعتماده وزيرا. ولم يعد بالأمر الخفى بأن هناك حملة شرسة ضد هيجل وهو الجمهورى والمحارب القديم والمؤهل بجدارة لتولى هذا المنصب الحساس من جانب أصوات يمينية ومحافظة وأيضًا منحازة إلى إسرائيل ومنظمات يهودية ترى فى هيجل أنه المسالم مع إيران وغير المتشدد فى أمور استخدام القوة، والأهم والأكثر انتشارًا وترديدًا وضجيجًا أن هيجل يعادى اليهود ولا يقبل إسرائيل ويسعى للتصالح مع حماس. وقد لوَّح أكثر من قيادى جمهورى بأن اعتماده لن يكون بالأمر السهل وربما المستحيل.
من ناحية أخرى، فقد تردَّد السيناتور جون كيرى والمرشح لتولى منصب وزير الخارجية أكثر من مرة على مبنى الخارجية فى الأسبوع الماضى، وأمضى ساعات مع كبار المسؤولين بها وأيضًا مع القائمين بأمر تيسير وتسيير عملية «التسليم والتسلم» لزمام الأمور فى الخارجية.
وحسب ما ذكر أيضًا تشاور كيرى أيضًا مع مسؤولى الخارجية استعدادًا لجلسة اعتماده وزيرًا للخارجية. ومن المنتظر أن تتكرر وتتكثف هذه الزيارات لكيرى وأعوانه فى الأيام المقبلة. ولم يتحدد بعد موعد الجلسة وإن كان من المرجح أن لا تعقد تلك الجلسة إلا بعد بدء الولاية الثانية. وعملية اعتماد كيرى وزيرًا للخارجية سوف لا تأخذ الوقت الطويل إلا أن بعض القيادات الجمهورية فى مجلس الشيوخ ما زالت مصرة على أن لا تعقد جلسة اعتماد كيرى إلا بعد جلسة استماع عن بنغازى تحضرها هيلارى كلينتون الوزيرة التاركة منصبها للإدلاء بشهادتها بخصوص حادثة بنغازى وملابساتها ومسؤوليتها ومسؤولية الوزارة فى ما حدث.
وكما قيل فى واشنطن، فإن أوباما يريد فى فريق الأمن القومى معه كلًّا من كيرى وهيجل. وإن أوباما بصديقيه من مجلس الشيوخ وكانا ممن تبنيا خطوات أوباما السياسية الأولى فى الكونجرس وثالثهما بايدن «نائب الرئيس» يعيد إحياء ما يسمى تندرًا ب«مافيا مجلس الشيوخ»، لكى يحقِّق من خلالهم أجندته فى ما يخص أمن أمريكا وسلامتها.