تدور أحداث رواية شريف بطرس «رحلة السيد ميشيل» فى النصف الثانى من سبعينيات القرن العشرين، ويكون مشهد الختام فيها هو اغتيال السادات، وتتعرّض للمشهد القبطى بشكل عام، ولأحوال الأقباط فى تلك الفترة القلقة التى بدأت فيها الاضطرابات الطائفية بين عنصرى الأمة، بعد أن كانت المحبة قد سادت بين مسلمى مصر ومسيحييها منذ ثلاثينيات القرن وطوال عصر عبد الناصر. إلى جانب ذلك يقدّم لنا المؤلف نقدا ذاتيا لمجموعة من الأوضاع داخل المجتمع القبطى، ونقدا موضوعيا لبعض أوضاع المجتمع المصرى ككل. يروى لنا الأحداث مصرى قبطى هو السيد ميشيل، وهو شاب فى منتصف العشرينيات، من سكان حى شبرا الذى يكثر فيه الوجود القبطى. يقوم ميشيل بنشاط واضح فى الخدمة داخل الكنيسة، ونلاحظ فورا الصراع الواضح بين جيلين من أجيال الخدّام، مجموعة الذين تعدّوا سن الخمسين، ويسمّيهم المؤلف (الفواكس) نسبة إلى كلمة فوكس fox الإنجليزية التى تعنى الثعلب، وذلك بسبب مكرهم الشديد، ومجموعة الخدّام من شباب العشرينيات الذين ينتمى إليهم السيد ميشيل. يدلّنا هذا الفصل الأول من الرواية، إلى أنه حتى داخل الكنائس، وصل صراع المصالح إلى درجة كبيرة من الفساد. فالصراع بين الجيلين يتمحور حول الخدمات المأجورة التى تقدِّمها الكنائس، مثل خدمات قدَّاسات الجنائز والأفراح وحفلات طقس المعمودية للأطفال حديثى الولادة. ثم نذهب مع ميشيل إلى منزله لنتعرف على أسرته، التى تتكوّن من أمه وإخوته الذكور الثلاثة وأخته الوحيدة إيفيت. ندرك على الفور أن المشكلة الرئيسية فى هذه الأسرة هى أن إيفيت قد وصلت إلى سن الثانية والثلاثين ولم تتزوّج بعد. مشكلة العنوسة التى يعانى منها الملايين من فتيان وفتيات هذا الوطن، بسبب ضيق ذات اليد، تكون أكثر وضوحا فى المجتمعات المغلقة على أقليّات. تحاول الأسرة إقناع إيفيت بقبول ميلاد كعريس لها، توافق مبدئيا ولكن بشرط غريب جدا، وهو أنه بعد عقد قرانهما، وإقامتهما سويا فى الشقة التى حصل عليها ميلاد، أن يعيشا معا كأخ وأخت لمدة شهرين، حتى تعتاد على وجودهما معا. يبدو بوضوح أن المسكينة بسبب تربيتها الدينية المتزمّتة المنغلقة، قد تولّدت لديها بعض المركبّات النفسية من الممارسات الجنسية بين الزوج وزوجته. يقبل ميلاد بهذا الشرط الغربى. لكن هل سينجح هذا الزواج؟ هنا يقدّم لنا المؤلف بمكر ودهاء نقدا موضوعيا لأساليب التربية المسيحية. من بين أعز أصدقاء ميشيل هناك الدكتور أكرم، وهو بالطبع حديث التخرّج، فبالكاد كان قد أنهى فترة التدريب العملى (الامتياز)، حتى تمّ تعيينه فى مكتب صحّة أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة. من الجدير بالذكر أن المؤلف شريف بطرس نفسه يمارس مهنة الطب. مرة أخرى نقابل صورة من صور الفساد المستشرى فى المجتمع، الذى يتعاون فيه عنصرا الأمة، فلا فرق هنا بين مسلم ومسيحى، فكل الخدمات التى من المفروض أن تكون مجّانية أو برسوم رمزية فى هذا المكتب، مثل استخراج شهادات الميلاد والوفاة، واستخراج الشهادات الصحية للمحلات، أو لراغبى السفر إلى الخارج، هى دائما سهلة الحصول عليها لمن يدفع، أمّا من لا يدفع بالذوق أو بالحيلة، فلن يحصل على الورقة المطلوبة مهما طالت مدّة تردّده على المكان. يحاول الدكتور فريد جسّ نبض أكرم لكى يشارك معهم فى عمليات التحايل على المواطنين، لأنه أبدى فى أيامه الأولى معهم نوعا من الرفض. فى النهاية يضطرونه إلى ترك العمل معهم، بل يجد نفسه وقد استقال من وزارة الصحّة، ليعمل فى مهنة بروباجانديست أدوية، أى يدور على عيادات الأطبّاء ليقوم بعمل الدعاية للأدوية الجديدة التى تصنعّها شركته. الدرس المستفاد هو أن الإنسان المستقيم لا مكان له فى هذا المجتمع. ينتهى به المطاف إلى العمل بائع أدوية فى صيدلية. يحاول صديقه رامز إغراءه بالهجرة معه إلى أمريكا التى تساعدهم فيها بعض المؤسسات المسيحية البروتستانتية.