البطلان أو الشخصيتان الرئيسيتان فى «رجوع الشيخ» لمحمد عبد النبى يحملان نفس الاسم، رجائى الكبير ورجائى الصغير، والفرق بينهما فى السن عشرون عامًا، أحدهما فى ثلاثينياته والآخر فى خمسينياته. والراوى غالبًا هو رجائى الكبير، وأحيانًا رجائى الصغير، وكل منهما يحكى لنا كيف أنه اشترى كراسين، ليكتب فيهما روايته الأولى، بعد أن كان قد فشل سابقًا عدة مرات فى كتابة روايات. الاثنان لا تربطهما رابطة عائلية، لكنهما زميلان فى العمل فى شركة لترجمة الكتب والوثائق. كان همّ رجائى الأكبر فى حياته هو محاولة إثبات ذاته ككاتب. قرّر فى هذه المرة، أن يحكى لنا فى كتابه قصة حياته، بداية من قصة حياة والده مدرس اللغة العربية فى المدارس الابتدائية بشبرا/ القاهرة، وكيف أنه كان مضطرًا للعودة إلى قرية مسقط رأسه فى ريف الشرقية، لاختيار شريكة حياته. اختار فتاة صغيرة عمرها 17 عامًا، من أسرة فقيرة. ظلّ والده يرجو من الله صبيًّا، بعد أن كان الله قد رزقه بأربع بنات، ثم جاءت الوالد رؤيا تعده بمولد الصبىّ، فقرر أن يكرّسه لله، وأصبح من أتباع الطريقة الشاذلية البرهانية. الراوى الذى فى منتصف خمسينياته ما زال يسكن وحده نفس الشقة التى تقع فى شارع منية السيرج فى شبرا، والتى كان يسكن فيها والداه وأخوته البنات، حتى تزوجت الفتيات، ومات الوالدان. من بين جيران شبرا فى فترة مراهقته، يتذكّر بوضح شخصية عماد ابن الست مادلين، الأكبر منه بثلاثة عشر عامًا، الذى بفضله أدرك فى سن مبكر، أن عالم الكتب لا نهاية له، إضافة إلى عزفه المنفرد على الكمان، والتى كان عماد يطلق عليها اسمها الأوروبى (فيولينا). إلا أن التأثير الثقافى لعماد انقطع فجأة، بعد أن قرر الهجرة إلى أستراليا، هربًا من مصيدة الفئران التى نعيش فيها فى هذا البلد. وهكذا انتقلت مكتبة عماد بالكامل، لتختبئ فى كراتين أسفل سرير الراوى، حتى يمكنه أن يحصل من الوالد المستبد على إذن بقراءتها. يراه والده نائمًا فى فراشه، يقرأ فى كتاب (عودة الشيخ إلى صباه)، فيأخذه فى اليوم نفسه، إلى الساحات الشبابية، حتى يتغلب بالرياضة على إلحاح الغريزة، هناك تعرف الراوى على الكابتن طلعت، وعشق لعبة كرة القدم. إلا أن هذا لم يمنعه من ممارسة العادة السرية، بنفس المعدّلات القديمة، دون أى تغيير، عدة مرات فى اليوم الواحد. تأتيه أول تجربة جنسية، وهو فى إجازة الصف الأول الثانوى (15 سنة)، بشكل عشوائى جدًا، يجد سيدة تقف على عتبة باب منزلها، وكأنها كانت تنتظره، لتقوده من يده إلى الفراش. هناك كذلك منى، وهى شابة مثقفة فى منتصف ثلاثينياتها، كانت معه ذات مرة فى نفس عربة المترو، فتسقط أشياء منى من يدها، ويساعدها العم رجائى فى جمعها، إلا أن أحد كراريسها يظل معه، ومنه يعرف أنها مدرسة فى أكاديمية الفنون. هناك كذلك كارنيه استعارة من مكتبة عامة بالجيزة، تبدو صورة منى المثبّتة فيه، قريبة الشبه بسعاد حسنى فى أفلام الستينيات. كانت منى على علاقة غرامية بخالد، الناقد المسرحى الذى مات سنة 2005 فى حريق مسرح قصر ثقافة بنى سويف. تتساءل منى فى إحدى الفقرات عن السبب الذى من أجله، وضع الله للإناث غشاء بكارة، فى حين أنه لم يضع أى شىء مشابه للذكور؟ أين العدالة؟ يبدأ الدفتر الثانى من الكراسين بقصة الزواج الأول والأخير فى حياة الراوى، والزوجة هى ابنة عمه ماجدة، التى تصغره بعامين، وكانا فى طفولتهما يلعبان معًا تحت السرير لعبة الطبيب والمريضة. اختلى بها ذات يوم فى غياب أهلها، وأفقدها عذريتها، فزوّجوه منها، رغم أنه كان بالكاد فى العشرين من عمره. أنجبا طفلًا متوحّدًا، اعتقدت هى أن السبب هو التكفير عن الخطيئة، واعتقد هو أن السبب هو زواج الأقارب. تطلقا بعد شهرين. بعد الطلاق ذهب للإقامة لدى صديق شيوعى، يقيم فى حجرة فوق سطح عمارة، فتمّ القبض عليهما معًا، فى أحداث يناير 1977. هنا يبلغ تشابك خيوط العمل مداه.