العلاقات مع أمريكا مهمة وحيوية، ولكن نحن وحدنا من يضع مستقبل مصر ويقرر مصيرها، لا التهديدات والضغوط التى مارستها الإدارة الأمريكية «بنفسها وعبر حلفائها وأذنابها» جعلتنا نتراجع خطوة واحدة عن قرارنا المستقل بعد 30 يونيو، ولا عودة واشنطن عن هذا الموقف العدائى ستجعلنا نعيد الأمور إلى زمن كانت فيه 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا. أهم ما أكدته 30 يونيو -بعد التجربة البائسة لحكم الإخوان- هو أننا لن نستطيع أن نحقق شيئًا من أهدافنا فى الحرية الحقيقية والعدالة والكرامة والنهوض الحقيقى إلا على قاعدة أساسية من الاستقلال الوطنى. ولو كانت واشنطن قد رأت فى الحكم «بعد 30 يونيو» عملاءً لها، لأعلنت تأييدها لهم على الفور، كما منحته قبل ذلك لحكم الإخوان الفاشى دون أن تعبأ بأحاديثها التى لا تتوقف عن الديمقراطية والحريات!! لكنها عندما أدركت أن الاستقلال الوطنى هو الراية التى جمعت المصريين لتصحيح مسار ثورتهم؛ كان موقفها العدائى، وكان القرار الأساسى الذى أعلنه أوباما بأن العلاقات بين البلدين لن تعود أبدًا كما كانت!! المناقشات الأخيرة فى الكونجرس الأمريكى تثبت أن حقيقة ما يجرى فى مصر ليست غائبة عن صانعى القرار الأمريكيين، مناقشات النواب تكشف أنهم يدركون أن ما كان فى مصر قبل 30 يونيو كان حكمًا فاشيًّا تنكّر فيه مرسى والإخوان للديمقراطية وفتحوا الأبواب لجماعات الإرهاب وقادوا مصر إلى الخراب الاقتصادى وإلى خنق الحريات، ومع ذلك حظى هذا الحكم بمباركة الإدارة الأمريكية، ودعمها لأنه كان جزءًا من مخططها الفاشل للتحكم فى المنطقة. إدانة هذه السياسة كانت واضحة، وكذلك إدارة منهج الإدارة الأمريكية فى التعامل مع مصر بعد 30 يونيو والضغوط التى وصلت إلى وقف تسليم بعض الأسلحة الضرورية للجيش المصرى، ونقطة الانطلاق فى هذا الموقف هى الخشية من الانهيار الكامل للعلاقات مع دولة محورية فى المنطقة بحجم مصر، وتأثير ذلك على نفوذ واشنطن وأمن حلفائها فى المنطقة، وعلى مستقبل اتفاقيات السلام واستقرار الأوضاع فى هذا الجزء الملتهب من العالم. فى مقابل ذلك بدت الإدارة الأمريكية ثابتة على مواقفها حتى الآن، ممثل وزارة الدفاع قال إن الحظر على بعض الأسلحة سيستمر، ولكنه قال إن تصنيعها لن يتوقف لكى يتم تسليمها فور رفع الحظر، وليس هذا لسواد عيوننا، ولكن لاتقاء غضب المصانع الأمريكية التى تخشى من توقف الإنتاج، وتتحسّب لإمكانية خسارة السوق المصرىة إذا استمرت سياسات الإداة الأمريكية على حالها. أما ممثلة الخارجية الأمريكية فقد اعترفت بالكوارث التى تسبب فيها حكم الإخوان، وبشرعية التظاهرات التى أسقطت مرسى، لكنها أعطت لبلادها -دون مبرر- سلطة مراقبة أداء الحكومة المصرية والحكم عليها!! وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، فالقرار فى مصر لشعبها، وله وحده كل القرار، وهذه هى النقطة الأساسية التى ما زالت غائبة فى السياسة الأمريكية تجاه مصر. ما يلفت النظر أيضًا أن ممثلى الخارجية والدفاع الأمريكيين اتفقا على تأكيد ما سبق أن قاله أوباما من أن العلاقات مع مصر لن تعود كما كانت!! قد يكون هذا إيجابيًّا إذا كان معناه أن الإدارة الأمريكية أدركت أخيرًا أن التعامل مع أصدقاء خير لها من التعامل مع عملاء!! وإذا كان معناه علاقة جديدة تحترم استقلال القرار المصرى وتدرك الخطأ الذى وقعت فيه واشنطن حين دعمت فاشية الإخوان ضد إرادة شعب مصر. لكن الأمر لن يكون كذلك حين تعرف واشنطن حقيقة الحرب التى يشنها الإرهاب على مصر وشعبها وجيشها، فيكون ردَّها أن تمنع تسليم طائرات «الأباتشى» وهو السلاح الأساسى فى مطاردة عصابات الإرهاب فى سيناء!! ولن يكون الأمر إيجابيًّا على الإطلاق حين يستمر أتباع واشنطن وأذنابها فى دعم عصابات الإرهاب وفى مقدمتها «الإخوان» بكل ألوان الدعم!! ولن يكون الأمر إيجابيًّا حين تحاول واشنطن الضغط على من يقفون بجانب شعب مصر فى هذه الظروف الحاسمة لغيروا مواقفهم!! أيًّا كان الأمر فمصير المعركة لن يقرره إلا شعب مصر، وقرار مصر لن يصدر إلا من القاهرة لا من واشنطن أو غيرها، سيتم استئصال الإرهاب بالأباتشى أو دونها!! وسننفذ خريطة المستقبل ونبدأ فى وضع أسس الدولة الحديثة المدنية الديمقراطية لأن هذا هو مطلبنا وليس مطلب أى طرف خارجى!! قرارنا فى يدنا وحدنا، إذا أرادت أمريكا أصدقاء، فأهلا وسهلا، وإذا أرادت عملاء.. فلا مكان لهم بيننا!!