كثيرون يستهينون بحق المواطنين، فلا يمنحوهم حقوقهم على وجه الدأب والسرعة المفترض توافرهما من موظف يؤدى خدمة عامة، ولا حتى يتعاملون معه بشكل لائق دون تعدى أو تجاوز فى المواقف المتأزمة، بما يجعل إهدار حق "المواطن العادى" أمر طبيعى مسلم به يفترض أنه لا يسرى على البقية من أصحاب الحيثيات الإجتماعية والسياسية أو حتى المالية، وهو الأمر الذى نراه بوضوح الشمس حتى وإن كان عن غير قصد، حين نجد سياسي أو صاحب حيثية يشكو من مشكلة له قائلًا: "أومال لو كنت مواطن عادى كانوا عملوا فيا إيه".. تلك الجملة التى فاح مدلولها المتراكم حتى وصل للغرب لدرجة أن صحف أجنبية تحدثت عن الباحث الإيطالى الذى عثر عليه مقتولًا فى الثالث من فبراير الماضى بقولهم «عذبوه كما لو كان مصريًا»، وكأن تعرض المصريين للعذاب أمر طبيعى". موقعة «جازي» تفجرت مؤخرًا أزمة تعدى ضابط شرطة، بالضرب على النائب جازي سعد، عضو مجلس النواب عن وسط سيناء، في أثناء مروره بكمين بالإسماعيلية، مما أصابه بنزيف في الرأس، واتصل النائب بالدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان، الذى هاتف بدوره اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، في محاولة منه لاحتواء النواب الغاضبين، وتلقى وعدا بعقد لقاء مع النواب الغاضبين في مكتب الوزير للوقوف على حقيقة الأزمة. وأصدر "جازى" بيان عن الواقعة قال فيه إنه أدلى أمس الإثنين بأقواله فى واقعة اعتداء ضابط شرطة عليه يوم السبت الماضى، أمام نيابة الإسماعيلية، وأكد فى بيانه على أن اتخاذه لتلك الإجراءات ليس دفاعًا عن حقه الذى يملك فيه التسامح، ولكنه يأتى دفاعًا عن المبادئ فى دولة العدل والحفاظ على كرامة المواطن، مضيفًا: "كل ما يؤلمنى فى هذا الموضوع أنه إن كانت تلك هى معاملة بعض رجال الأمن لنائب عن الشعب، فكيف يتعاملون مع الشعب نفسه؟". وهذا هو بيت القصيد بأنه بات من الطبيعى أن يحظى السياسيون بمعاملة خاصة فلو كانت رديئة فما بالنا بالمواطن العادى، وذلك قبل أن يعمم النائب قضيته بقوله: «أعلم أنها حالات فردية، ولكنها من المؤكد تسىء لكل رجال الشرطة الشرفاء، الذين يجب عليهم معاقبة مثل هؤلاء الذين يسيئون لأهلهم من أبناء الشعب المصرى العظيم». نائبة مدينة نصر لم تغب عن الأذهان أزمة النائبة البرلمانية حسين سالم، التى لم تتعرض لمشكلة بداية، ولكن صاحب المشكلة كان ابن اختها الحدث، إذ تحرش بفتاة ورفاق له وطعنوا شقيقها شارعين فى قتله، وحينما أمسك به الأهالى اتجهت بصفتها البرلمانية إلى قسم الشرطة لمساعدة نجل شقيقتها، وهو بالطبع ما لم يكن يجرؤ مواطن عادى على فعله بقوة وندية لضباط الشرطة، ليتطور الموقف إلى شد وجذب شهد "دفعها أو لكمها" لتسقط على الأرض، لتتحول الأزمة إلى التعدى على نائبة برلمانية داخل قسم شرطة، وسرعان ما تدخل لها النواب. وفى البداية انتشر خبر التعدى على البرلمانية، ثم اتضح أن نجل اختها البالغ من العمر 15 سنة ورفاق له، اعترضوا شاب بصحبة والدته وشقيقته مصريين يحملون الجنسية النرويجية، بأحد شوارع مدينة نصر، وتحرشوا لفظيا بالفتاة، مما دفع شقيقها لمعاتتبته، فقام نجل شقيقة البرلمانية باخراج سلاح أبيض وطعنه فى بطنه، وتم نقله إلى المستشفى، وكان فى حالة خطيرة مصابا بجرح غائر أسفل البطن أسفر عن ذلك خروج احشائه، وتم ايداعه غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت. وأظهرت تحقيقات النيابة أن النائبة تعدت على الضابط ومزقت ملابسه، كما سبته ونعتت أفراد الشرطة بالكلاب وهددتهم بالفصل، وتقدمت ببلاغ تتهم فيه ضابط شرطة بالتعدى عليها، وتم استدعاء الضابط والتحقيق معه بتهمة استعمال القسوة،لتقرر النيابة صرفه بضمان وظيفته من سراياها. الظلم لا يختلف أحد على أن الظلم مرفوض ضد الجميع، لكن للأسف شكاوى المواطن "العادى" -كما يسمونه- لا تحظى بالاهتمام «كما لو كان برلمانيًا» أو له قريب كذلك، فكم من شباب تعرضوا لاستيقاف واحتجاز بحجة القانون "الاشتباه" ولن نقل تعدى أو تعذيب وضرب إعمالًا لحسن النية، لكن بالطبع ليس لكل "محتجز" قريب برلمانى يفضح حجم الظلم والتعنت الذى تعرض له، من ساعات احتجاز طويلة وسوء معاملة. فأزمة الاحتجاز تعرض لها شقيق النائب حسن عمر، عضو مجلس النواب بمحافظة القليوبية، الذى وجه رسالة إلى أعضاء البرلمان، عبر جروب الأمانة العامة للمجلس على "واتس آب"، مما سماه ب"تعنت واعتداء على شقيقه من أحد ضباط الشرطة"، وتطور الأمر إلى حد التعذيب والضرب - حسب نص الرسالة - إضافة إلى المعاملة السيئة التى واجهها خلال محاولته التدخل لإنهاء الأمر، خاصة بعد تأكد الضابط أن شقيق النائب ليس متورطًا فى أى قضايا. قانونى: أهل التشريع سكتوا أوضح الخبير القانونى ياسر سيد أحمد، أن المواطن مضافًا له لفظ "العادى" كما يقول البعض، يفترض أن يحميه الدستور والقانون، ورجال الشرطة على وجه التحديد معنيين بذلك، وعملهم وشغلهم الشاغل هو تنفيذ القانون وحماية أمن المواطن ومنع انتهاك حرماته، لكن للأسف هناك تجاوزات كثيرة، حتى أن رئيس الجمهورية بنفسه شدد فى أكثر من خطاب على الإهابة برجال الشرطة أن يحترموا المواطن العادى وينفذوا القانون، وصدر حينها تعليمات تم نشرها من وزير الداخلية فى ذات السياق. وتابع سيد أحمد بحكم عمله بالمحاماة: كثيرًا من الاعتداءات التى تسمى حالات فردية لعدم التعميم تكون خاصة بانتهاك حرمة المواطن العادى، ولأن رجال التشريع أو أصحاب السلطة يسكتون عن ذلك فطبيعى أن يتسرب إليهم الأمر، مستشهدًا بواقعة "قسم مدينة نصر" ومتسائلًا: "يعنى إيه نائب ولا نائبة عايزة تروح تطلع قريبها المتهم بالتحرش من قسم شرطة قبل خضوعه للتحقيق، بالطبع لا بد أن تهان لأنها تخالف القانون المفترض أنها تحترمه فلا تذهب للتوسط لمتهم"، متابعاًا: لا أقصد الإهانة هنا بالتعدى عليها وإنما بإحراجها بطردها ونهيها بالأدب عن مخالفتها، لكن ذلك لم يحدث وقوبل انتهاكها بانتهاك آخر بلغ حد التعدى"، وهنا فكلاهما "البرلمانى والشرطى" لم يطبق أيًا منهما القانون. وأكد المحامى من واقع قضاياه: "للأسف المناشدة باحترام المواطن باتت صرخة ينضح بها واقع مجتمعنا، والأمر يحتاج توعية للجميع وعلى رأسهم البرلمانيين أنفسهم وغيرهم من أصحاب السلطة".