الحياة الريفية فى مصر ستينيات القرن العشرين هى محور «رسائل الشجرة العتيقة» لمديحة مجدى، الصادر عن ميريت. هل صحيح ما قاله عبد الوهاب (ما أحلاها عيشة الفلاح / مطمّن قلبه ومرتاح / يتمرّغ على أرض براح)؟ والعمل يتعرّض لمناظر من حياة شخصيات مختلفة يجمعها المكان، ما بين طموحاتهم البسيطة فى حياة كريمة، وكشفهم للفساد ومقاومتهم له أو تواطؤهم معه. هناك أولًا غانم الذى يعمل أمينًا لمعمل وحدة صحية، فى قريته الصغيرة كفر درويش التى يقيم فيها، ويتشاجر ذات يوم مع الطبيب، فينقله إلى وحدة صحية فى قرية تبعد سبعة كيلومترات، فيذهب إلى عمله الجديد صباح كل يوم بالدراجة، مما يزيد من متاعبه اليومية. إلا أنه رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد، أنه هناك يتقابل بالصدفة مع أم محمد، وهى أرملة تقيم مع بناتها الثلاث فى منزل طينى، تفتح به محلًا صغيرًا لبيع البقالة الخفيفة والسجائر. يقع غانم فى هواها، ولا تمانع هى فى مبادلته الغرام، مقابل بعض الهدايا البسيطة. إلا أن غانم الذى استدان كثيرًا من أصدقائه لإرضاء الأرملة، يحاول بلا جدوى أن يتوقّف عن هذا الغرام الذى كلّفه كثيرًا، فيطلب نقله إلى وحدة صحية أخرى، وتراوده دائمًا فكرة السفر، للعمل بضع سنوات فى أى بلد عربى، ليعود ومعه ما يكفى لبناء منزل من الطوب. ثم هناك ثانيًا الدكتور شريف طبيب الوحدة الصحية الجديد، الذى نراه فى أثناء وصوله لأول مرة إلى كفر درويش، بأوتوبيس النقل العام، الذى يقوده سائق متهوّر، يترك مكانه أمام عجلة قيادة السيارة، ويذهب إلى آخرها ليأخذ سيجارة من أحد الركاب، مما يعرض السيارة براكبيها للسقوط فى الترعة. فور وصول الدكتور يدرك حالة التواطؤ السائدة بين كل العاملين فى الوحدة، لجعل العمل يقتصر على يوم واحد فقط فى الأسبوع، حتى يتمكّن الأطباء السابقون من الإقامة فى المدن، بدلًا من الإقامة فى القرية، وبهذه الطريقة يستفيد كل موظفى وعمال الوحدة بالوقت الفراغ المتاح لهم، بالعمل فى أماكن أخرى. إلا أن شريف لا يرضخ لهذا النظام، ويقرر البقاء فى الوحدة طوال الأسبوع، والعودة إلى المدينة فقط فى نهاية الأسبوع. بعد بضعة أيام يلمح شريف فتاة جميلة فى طرف حديقة كبيرة، يعرف لاحقًا أنها ابنة العمدة، وتخدمه الظروف فى التعرّف عليها. إذ إنه يذهب مع العمدة إلى إحدى القرى القريبة للاحتفال بأحد الموالد، حيث يأكل العمدة كمية كبيرة من المأكولات متجاهلًا إصابته بمرض السكرى، فيصاب بأزمة غيبوبة سكريّة، فيعود به الطبيب إلى منزله لإسعافه، حيث يكتشف أن اسم الفتاة الجميلة هو نسمة، فينشغل الطبيب الشاب بالتفكير فيها لبضعة أيام. من العلامات الدالة على زمن وقوع أحداث الرواية، هناك الأرملة التى تسعى للحصول على معاش زوجها الشهيد فى حرب اليمن (1963)، وأن نصف منزل معروض للبيع بمبلغ مئة جنيه، وأن ثمن كيلوجرام العسل الأبيض ثلاثون قرشًا. هذه هى أسعار الستينيات. هناك كذلك الحلاق الذى يتفاخر بأنه بدأ مهنة الحلاقة فى معسكرات الإنجليز فى التل الكبير فى الأربعينيات. هذا الحلاق يقوم بإجراء بعض عمليات طهارة الأطفال وفتح الخراريج، فى أثناء المواسم والاحتفالات بالموالد الدينية، إلى أن يؤدّى فتح خرّاج لصبى إلى جرح شريان كبير، فينقل الصبى بشكل عاجل إلى الوحدة الصحية لوقف النزيف وإنقاذ الصبى، بعدها يقرر الحلاق الاكتفاء بمهنة الحلاقة. تستمر أم محمد فى ابتزاز غانم، فهى تطلب منه طول الوقت هدايا صغيرة، مثل مطحنة بُن أو راديو ترانزيستور، وعندما يطاوعها ويأتى لها بهذه الهدايا، تفاجئه بأنها مقابل إتمام الزواج، تطلب منه أن يشترى لها كردانًا ذهبيًّا، وحجرة نوم جديدة، وقبل أن يفيق من الصدمة، تطلب منه أن يبنى لها فوق منزلها الطينى حجرة بالطوب الأحمر، تكون عش زوجيّتهما، بعيدًا عن بناتها الثلاث المراهقات، فهى تريد أن تترك لهما الطابق الأرضى. الرواية هى مجموعة من القصص القصيرة لأهل كفر درويش، بالإضافة إلى قصتين أطول قليلًا عن المعتاد، وهما القصتان الخاصتان بالطبيب شريف، وارتباطه عاطفيًّا بابنة العمدة، وبغانم أمين معمل الوحدة الصحية، الذى يفكر فى الزواج من الأرملة أم محمد. إلا أن هاتين القصتين تنتهيان بنهايتين تعيستين، إذ تموت ابنة العمدة فى حادثة سيارة، فيترك الطبيب الشاب القرية، ولا يعود إليها إلا بعد اثنين وثلاثين عامًا، لافتتاح مستشفى جديد، بصفته وكيلًا لوزارة الصحة. وتقرر أم محمد نسيان غانم، والزواج من سعداوى العائد بأموال طائلة من سنوات عمله فى الخليج.