الكاتب يروى قصة حياة موسيقى يهودى هاجر من بغداد فى أواخر الأربعينيات.. ومات فيها عام 2006 الفصل الأول من رواية «حارس التبغ» الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، بعنوان (بيوغرافية، خرائط، ووثائق خاصة). وكلمة بيوجرافى biography تعنى سيرة حياة. تقول الأسطر الأولى من هذا الفصل الأول (فى 3 أبريل 2006 وجدت جثة الموسيقار العراقى كمال مدحت مرمية على مقربة من جسر الجمهورية على نهر دجلة، وكان قد اختطف فى مدينة المنصور، من محل قريب من منزله قبل شهر، على يد جماعة مسلحة). هذه الرواية ساحرة، إذ هى تجعلك تعيش فى أجواء سحرية، كما فعلت معى من قبل روايته (الطريق إلى تل مطران)، ولقد أصبحتُ فى الوقت الحالى أكتفى بالسحر، ولم أعد أبحث عن الواقع، منذ أن أدركتُ حقيقة أسلوب المؤلف، إذ تخليتُ بالتدريج عن رغبتى فى البحث عن الوثائق التاريخية والجغرافية، التى تؤكد أو تنفى ما فى رواياته من معلومات أو شخصيات روائية، ولكنها تستند إلى معلومات وشخصيات مبنية على أحداث تاريخية، فهو فى النخاع من أعماله يمزج بين الواقع والخيال ولكن بمقدرة فائقة. فأنا مثلا لم أذهب إلى جوجل كما أفعل عادة، للبحث عن اسم هذا الموسيقى العراقى القتيل، رغم المعلومات التاريخية والجغرافية التى أوردها المؤلف. ولمن لا يعرف فالمؤلف على بدر عراقى المولد والجنسية، وقد أقام فى أوروبا فى فترات متقطّعة الا أنه فى أغلب فترات حياته كان يقيم فى العراق. هذه المرة يروى لنا المؤلف قصة حياة موسيقى يهودى. عازف كمان مولود فى بغداد سنة 1926. كان والده يعمل بالتجارة فى المدينة القديمة، ويوفّر للأسرة حياة كريمة، وهو ما سمح للابن (يوسف) بالحصول على دروس فى الموسيقى وفى العزف على الكمان حتى تفوّق على أقرانه ووضح نبوغه. هناك وصف جميل لمدينة بغداد فى الأربعينيات على لسان شاب عشرينى، فنان يعشق السهر فى مشارب المدينة وملاهيها. يتساءل الراوى كيف تسنّى ليهودى الزواج من مسلمة إلا إذا كان قد تحوّل إلى الإسلام. بطلنا الذى سنحتفظ له باسمه القديم (يوسف) رغم أن اسمه الجديد هو كمال مدحت، يعود مع زوجته وابنه إلى بغداد، سنة 1958 وهى السنة الأولى من حكم عبد الحكيم قاسم. من الأشياء المحيّرة قليلا فى هذه الرواية هو أنها تقول إن بطلنا يعود إلى عزف الكمان مع الفرق الموسيقية المختلفة! السؤال هو: كيف أن أحدا لم يتعرّف فيه على اليهودى القديم الذى غادر بغداد فقط قبل عشر سنوات؟ صحيح أن الاسم قد تغيّر ولكن هل تغيّر الشكل كذلك؟ يظل بطلنا يوسف يقيم مع أفراد أسرته فى بغداد طوال أكثر من عشرين عاما، مع زيارات قصيرة إلى كونسرفاتوار موسكو بين وقت وآخر. هنا تحكى لنا الرواية عن أزمات العراق السياسية، مثل اغتيال قاسم سنة 1963 ووصول عبد السلام عارف إلى السلطة، وانقلاب أحمد حسن البكر سنة 1968. ظلت أوضاع أسرة بطلنا مستقرة نسبيا، إلى أن جاء اليوم الذى صعد فيه صدّام حسين إلى قمّة السلطة سنة 1978، ثم قامت الثورة الدينية فى إيران فى يناير 1979، فيقرر صدّام طرد كل أولئك الذين لديهم انتماءات أسرية أو عقائدية بإيران. هنا تقع أحداث درامية عنيفة إذ تقرّر السلطة العراقية الاحتفاظ بالابن الشاب حسين، لتبادله لاحقا ببعض الأسرى العراقيين فى الحرب مع إيران، وتموت الزوجة طاهرة فى الطريق إلى طهران وتدفن فى العراء، ويهرب يوسف إلى سوريا بدلا من الذهاب إلى إيران، ليجد نفسه فى دمشق وحيدا دون مال وفى الرابعة والخمسين من عمره. هنا من جديد وصف جميل لأحياء دمشق القديمة. يقابل يوسف زوجته الثالثة (نادية) التى تنجب له (عُمَر)، الذى سيكون سنة 1990 فى العاشرة من العمر مع أمه فى الكويت، فتهرب به أمه إلى أختها فى مصر، عندما دخل جيش صدّام. عنوان الرواية مأخوذ من قصيدة (دكّان التبغ) للشاعر البرتغالى فرناندو بيسووا، ويشير إليها المؤلف مرّات عديدة داخل النص الروائى، كما يضع بعض أبيات منها فى الصفحة الأولى من الرواية، التى تقول (كلى الشوكولاتة أيتها الصغيرة/ لا توجد ميتافيزيقا تضاهى الشوكولاتة/ والديانات لا تعلّم أكثر مما تعلّمه المقشطة/ كلى أيتها الصغيرة القذرة كلى).