ليس أدل على تأثير كل من الثقافتين العربية والفارسية فى الأخرى، من تصفح قاموس فارسى عربى، لاكتشاف العدد الضخم من الكلمات المشتركة بينهما. وفى هذا الإطار لا يمكن إلا التوقف أمام الرواية التاريخية التى ألفها الأديب اللبنانى المعروف أمين معلوف، تحت عنوان «سمرقند». ومعلوف من عائلة لبنانية اشتهر فيها العديد من المؤلفين والشعراء خلال القرن العشرين، إلا أن أمين كان قد انتقل للحياة فى فرنسا منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975، وقد ساعدته إجادته التامة للغة الفرنسية، وكذلك معرفته الفائقة بتاريخ الحضارة العربية، فى كتابة عدد من الروايات التاريخية، المستوحاة من تلك الحضارة العربية، نذكر منها مثلا روايته «الحروب الصليبية كما يراها العرب»، وكذلك روايته «ليون الإفريقى»، وكذلك روايته «سمرقند»، والتى تدور أحداثها فى تلك المدينة الفارسية العريقة، فى أثناء القرن الحادى عشر الميلادى، لتروى لنا قصة حياة عمر الخيام. يبدأ المنظر الأول من هذه الرواية «سمرقند» بعمر الخيام النيسابورى، يتسكع فى صيف 1072م، بالقرب من منطقة الحانات فى تلك المدينة، كان قد وصل إلى سمرقند قادما من بخارى، ونزل ضيفا فى أحد بيوت الضيافة، إلا أنه كان يريد احتساء الخمر بأى ثمن، عندما شهد رجلا عجوزا سكيرا ملقيا على أرض الشارع، يحيط به العامة يحاولون الاعتداء عليه بسبب سكره، وذلك عندما أدرك الخيام أن هذا الرجل هو أحد فلاسفة المدينة، الذى لا يعرفه إلا المثقفون، والذى كان فى شبابه أحد تلاميذ العالم الفارسى المعروف (بن سينا)، عندها تدخل عمر لإنقاذه، ولكن فى تلك اللحظة يظهر بين العامة شاب ذو لحية يعرف الخيام، ويخبر العامة بأنه هو أيضا كافر بسبب أشعاره ورباعياته، ولا يستطيع عمر أن يدافع عن نفسه، فالكثرة تغلب الشجاعة، والغوغائية تغلب المنطق، ولكن ينقذه من أيدى الغوغاء رجال شرطة بلدية سمرقند. المنظر الثانى فى هذه الرواية هو ذهاب رجال الشرطة بعمر الخيام إلى قاضى المدينة (أبو طاهر)، الذى أدرك فورا عندما رأى الخيام، المأزق الذى أوقع نفسه فيه، فصرف أولا العامة، ثم كذلك الشرطة، وذلك حتى يختلى بعمر ليرحب به كما ينبغى، ولكنه يحذره من أن العامة تأخذ عليه أقواله، مثلا قوله أنه يذهب أحيانا إلى المساجد حيث الظل يساعد على النوم، فدافع عمر عن نفسه قائلا إن طريقته فى الصلاة مختلفة، فقد تكون صلاته عن طريق تأمل زهرة للاستدلال منها على جمال الخليقة، أو تأمل النجوم للاستدلال منها على دقة الخالق وكماله. وقد نصح القاضى عمرا فى نهاية الحديث بينهما، بأن يحاول مع الأيام اكتساب حكمة الصمت، ونصحه كذلك بأن يكتب أشعاره ويخفيها، وذلك بدلا من أن ينطق بها أمام الغوغاء. وهذا الموقف السابق يتناسب تماما مع العصر الذى نعيش فيه، حيث انتشر مبدأ تكفير الآخر الذى لا يتفق مع القائل بالتكفير فى الرأى، أى أنه يكفى الاختلاف فى الرأى ليكون مبررا للقتل. كلمة أخيرة فى ما يتعلق بهذا العمل، وهى جودة ترجمته من الفرنسية إلى العربية، وذلك بفضل دقة الدكتور عفيف دمشقية، إلا أننى لا أستطيع أن أقول نفس الشىء فى ما يتعلق بترجمة الرباعيات من الفارسية إلى العربية، والتى قام بها الشاعر العراقى أحمد الصافى النجفى، فأنا أفضل عليها ترجمة الشاعر المصرى المعروف أحمد رامى، والتى قام بها فى عشرينيات القرن العشرين عندما أقام فى باريس بضعة أعوام لدراسة اللغة الفارسية فى كلية اللغات الشرقية بجامعة باريس، وانتهز فرصة تردده على المكتبة الوطنية فى شارع (ريشيليو)، فى الاطلاع على نسخ مختلفة من رباعيات الخيام.