ولد لوكليزيو سنة 1940 فى أسرة فرنسية، وعاش جزءًا من طفولته فى إفريقيا مع والده الطبيب، وقد استلهم من ذكرياته الإفريقية بعض أعماله، ومنها عمله ذلك المعنون «الباحث عن الذهب» الذى تقدّمه لنا سلسلة الجوائز فى الهيئة العامة للكتاب، من ترجمة فتحى العشرى. المؤلف حاصل على جائزة نوبل فى الآداب لعام 2008. ورغم أن والده كان يعمل فى نيجيريا، فإن أحداث الرواية تدور فى جزيرة تقع بالقرب من الساحل الشرقى لإفريقيا، قد تكون جزيرة مدغشقر أو جزيرة موريشيوس، وقد كانتا مستعمرتين فرنسيتين، الزمن الذى تدور فيه الأحداث هو العصر الذى ظهرت فيه ملامح انهيار الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية فى إفريقيا، من منتصف الثلاثينيات وحتى نهاية الأربعينيات، قبيل اندلاع حركات التحرر الوطنى فى الخمسينيات والستينيات. الملفت لانتباه الصبى جدا هو الطبيعة غير العادية للأماكن التى يراها حوله، فهناك المحيط الهندى بمسطحاته المائية الشاسعة، التى تنعكس عليها طوال العام شمس استوائية دائمة السطوع، وهناك النهر الأسود الهادر الذى تندفع مياهه من المرتفعات لتصبّ فى المحيط، وهناك التنوّع الهائل لعوالم النباتات والحيوانات التى تعيش فى الغابات الاستوائية. بسبب التسكع الدائم لهذا الصبى يشاهد منظرًا قاسيًّا يدلّ على أن الغضب المكتوم يجد نفسه فى لحظة يفيض الكيل فيها وتستحيل السيطرة على الجموع. كان المواطنون السود العاملون فى مصنع قصب السكر قد ثاروا على الإدارة الفرنسية فأمسكوا بأحد المهندسين الفرنسيين من على ظهر حصانه وألقوا به حيًّا فى أتون نار أفران المصنع. فى الرواية ينشغل الأب بكثير من المشروعات التى تؤدّى به فى النهاية إلى الإفلاس، فهو يحاول مثلًا إقناع الإدارة بضرورة إقامة محطة لتوليد الكهرباء على المجرى المائى قرب مصبّه فى المحيط، ويستورد فعلًا لحسابه مولدًا كهربائيًّا (دينامو) من أوروبا، إلا أن المشروع لا يتم. انتهت هذه الفترة الجميلة من حياة الصبى بين يوم وليلة، بسبب إعصار استوائى هائل اقتلع المنزل من أساساته وأطاح به وبكل ما فيه من أثاث ومقتنيات وأوراق، ثم جاءت موجة تسونامى دفعت بالسفن الراسية على الشواطئ إلى مئات الأمتار داخل الأرض. عند انسحاب المياه تم العثور على 1500 جثة بشرية. تركوا الغابة وذهبوا للإقامة فى المدينة، حيث مات الأب فجأة بأزمة قلبية، واضطر الشاب الصغير إلى قبول العمل كمحاسب فى إحدى الشركات، حيث يقوم بتسجيل أرقام الفواتير فى دفتر ضخم من الصباح إلى المساء. ليست هذه هى الحياة التى حلم بها. كان عزاؤه الوحيد هو التنزّه على رصيف الميناء، ومراقبة سفن الصيد فى أثناء استعدادها للإبحار. هنا تأتى اللحظة العظيمة، اللحظة التى تحوّل هذه الرواية إلى عمل جدير بالحصول على جائزة نوبل فى الآداب، إذ يخرج الشاب ذات مساء من مكتبه بالشركة فى نهاية يوم عمل ممل ليتنزّه كالمعتاد على رصيف الميناء، فيدعوه قائد إحدى السفن إلى اللحاق بهم على ظهر السفينة المستعدة للإبحار فورًا، فيستجيب لدعوته تاركًا كل شىء آخر خلفه، فهو لم يعد يستطيع أن يقاوم هذه الرغبة الملحّة فى ركوب البحر والسفر إلى المجهول. بعد سلسلة من المغامرات الممتعة فى المحيط الهندى، يقرر الشاب أن يستقر فى جزيرة كان والده قد حكى له عن احتمال وجود كنز فيها. يشترى بما جمعه من مال الآلات اللازمة للحفر، ويثبّت أوتاد خيمته فى العراء قرب المكان الذى تشير إليه الخرائط التى تركها الوالد. يظل هناك وقتًا طويلا لا تحدّده لنا الرواية، هل هو بضعة أشهر أم بضعة أعوام؟ ثم هل عثر على الكنز فعلا؟ ثم لماذا تطوّع بعد ذلك للقتال فى صفوف القوّات الفرنسية فى الحرب العالمية الثانية؟ سأترككم تبحثون بأنفسكم عن الإجابات فى أثناء قراءة الرواية.