لماذا لا تبادر المؤسسة العسكرية بإصدار بيان ولو مقتضب يتناول اتصالات قياداتها مع الجانب الأمريكى سواء بمسؤولى السفارة الأمريكية بالقاهرة أو بمسؤولى الإدارة الأمريكية سواء كانوا فى البيت الأبيض أو البنتاجون أو الكونجرس، وباستثناء زيارات مسؤولى هذه الإدارات لمصر ولقاءاتهم بقادة المؤسسة العسكرية فى وزارة الدفاع المصرية، سواء كان مع وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى أو رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى، حيث تحرص المؤسسة العسكرية على بث خبر مصور يتضمن فى الأغلب نفس المواضيع للنقاش، يتم التعتيم على باقى الاتصالات بشكل يثير التساؤل ويفتح الأبواب لعلامات استفهام تتساوى تماما مع علامات الاستفهام التى تبقى بلا إجابات مع إعلان أطراف إخوانية أو وسطاء للإخوان عن اتصالات مع قادة الجيش ومبادرات للصلح مع الإخوان قدمت للمؤسسة العسكرية ولم تبادر الأخيرة بنفيها أو تأكيدها. البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية أصدرت بيانا اعتياديا عن اتصال تليفونى تم بين كل من وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل ووزير الدفاع المصرى النائب الأول لرئيس الوزراء الفريق أول عبد الفتاح السيسى صباح الثلاثاء بتوقيت الولاياتالمتحدة، وحدد فيه المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل أن الوزيرين بحثا «الجهود التى تبذلها مصر من أجل ضمان الأمن وإعادة بناء المؤسسات القبطية التى طالتها أعمال العنف، وكذلك فرض الأمن فى صحراء سيناء». ثم أضاف المتحدث موضوعا ثالثا ذا معنى قائلا «حث الوزير السيسى على مواصلة القيام بخطوات لإظهار التزام الحكومة الانتقالية بالمضى قدما فى خريطة الطريق السياسية». البنتاجون فى بيانه لم يتطرق إلى ماهية الخطوات التى اقترحها أو طلبها هيجل لإظهار التزام الحكومة بخارطة الطريق، لكنه وضع فرضا محل الواقع وهو أن الإدارة الأمريكية لها الحق والسلطة لتقوم بدور الراعى للعملية السياسية فى مصر والتدخل حال عدم رضائها، وهو بالأساس ما دفع الجانب المصرى إلى الرد عبر التسريبات التى لا يتحمل مسؤوليتها أى طرف. أما التسريبات المطولة التى نسبت إلى جهة سيادية والتى لم ينفها أو يؤكدها أى مصدر رسمى فتحدثت عن تمسك السيسى بأن مصر تتخذ قراراتها وفقا لصالح الشعب، وأنها لا تقبل أى ضغوط خارجية من أجل التراجع عن مواقفها مهما حدث. وهو ما يدل أن ما طلبة هيجل من خطوات وإجراءات لإظهار التزام الحكومة كان ينضوى على طلبات تمثل تراجعا عن خارطة المستقبل، وأن ما وصفه بيان البنتاجون بطلبات كان فى الحقيقة ضغوطا جديدة تتبناها إدارة أوباما وترسلها من خلال الجيش، كما فعلت فى المرتين السابقتين بإلغاء المناورات وتعليق صفقة F16. الاتصالات المباشرة مع البيت الأبيض والمؤسسة العسكرية منقطعة منذ ثورة يونيو واستنفاد الرئيس الأمريكى سبل التهديد والابتزاز للجيش وقادته بالانصياع لإرادته، فخرج بعدها ليفرض عقوبات على الجيش المصرى تتناسب تماما مع مستوى ذكائه شخصيا وكفاءة إدارته، كما يصفهما السياسيون الأمريكيون بصفات يسمعها ويقرؤها فى بلادة ولا حاجة لنا إلى تكرارها، كان أبرز مظاهرها إلغاء مناورات النجم الساطع وإرجاء تسليم صفقة الطائرات المقاتلة «F16». اتصال هيجل جاء بعدما جددت الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضى دعواتها لمصر لكى ترفع حالة الطوارئ المفروضة منذ أغسطس، ولم تتلق أى رد على طلبها، كما جاء أيضا قبل ساعات من إعلان السلطات الأمنية القبض على أحد المطلوبين من القيادات الإخوانية جهاد الحداد، الطفل المدلل للإدارة الأمريكية وسفرائها ودبلوماسييها، لتفقد الجماعة الإرهابية وإدارة أوباما فى وقت وأحد ذراعها ولسانها التحريضى ضد نظام ثورة يونيو. ورغم أن الاتصالات من خلال البنتاجون لم تنقطع مع المؤسسة العسكرية كما قال السيسى بنفسة لمحطة «CNN»، الاتصال تقريبا شبه يومى فإن آخر اتصال أعلن عنه البنتاجون كان قبل نحو أسبوعين، والملاحظ أن رسائل الإدارة الأمريكية كما صاغها البنتاجون تصدرها الأقباط عنوان ملف الابتزاز، كما تعودت الإدارة الأمريكية عبر عقود، وإن اتخذ شكل الاطمئنان على العمليات التى ينفذها الأمن بدعم من الجيش ضد بؤر الإرهاب الطائفى التى أطلقها الإخوان وحلفاؤهم فى صعيد مصر، مع ملاحظة أن الكنيسة المصرية رفضت تدخلات أمريكية منذ ثورة يونيو من خلال باترسون وبعدها القائم بالأعمال، كما رفضت زيارة الأخير لكنيسة القديسين بالإسكندرية على خلفية الموقف العدائى للإدارة الأمريكية من الثورة المصرية، ومع ذلك وبطريقة الإخوان فى رفع المصاحف فى أثناء إلقائهم المولوتوف على الأبرياء رفع رجال أوباما الأقباط كعنوان لابتزاز النظام المصرى لكن اللافت هو طلب هيجل إظهار التزام الحكومة بالخارطة التى وضعتها، وهو ما دفع الجهات السيادية إلى إرسال رسائل للرد عليها فخرجت لتعتبر الاتصال -وهو معتاد- بداية لتراجع الإدارة الأمريكية فى قراراتها بوقف التعاون العسكرى لتضع الطرف الآخر بين مقصلة النفى أو السكوت، بما يمثل ضربة لحلفائه الإخوان وتنظيماتهم الإرهابية.